الثلاثاء 1 شباط/فبراير 2022
سوريا اليوم – دمشق
في تمام الساعة العاشرة من صباح كل يوم، تلبس رهام قطان (32 عاماً) اللباس الخاص بالعمل لتبدأ باستقبال الزبائن وكتابة طلباتهم وهي تتبادل الابتسامة معهم، فتعود بعد بضع دقائق وتقدم لهم فنجاناً من القهوة أو كوباً من الكابوتشينو وغيرها من المشروبات.
وفي حديقة تشرين وسط العاصمة دمشق، تعمل الشابة الثلاثينية مع شبان وشابات مصابين بمتلازمة “داون” في مقهى يحمل اسم “سوسيت” الذي افتتح قبل عدة أشهر بإشراف من جمعية جذور للتنمية والدعم النفسي والاجتماعي.
ويعد المقهى الأول من نوعه في سوريا الذي يوظف أشخاصاً مصابين بهذا الاضطراب الجيني، وآخرين لا يعانون منه يساعدون بعضهم البعض، بحسب تحقيق نشرته وكالة “نورث برس” السورية المحلية اليوم الثلاثاء.
تقول “قطان” بلهجتها المحلية عن أول أجر حصلت عليه بعد عمل شهر في المقهى، “بتفكر الناس إنو ما عنا اهتمامات، أنا بأول راتب اشتريت تنورة ومنديل لأمي”.
وتُعرَف متلازمة “داون” بحسب مجموعة “مايو كلينك” الطبية، كأشهر اضطراب كروموسومات (صبغيات) وراثي يتسبب بإعاقات التعلّم لدى الأطفال، إذ تتسبب بتغيرات في النمو والملامح الجسدية.
إلا أن فهم متلازمة داون فهماً جيداً والتدخلات المبكّرة، “يمكن أن يعملا على تحسين نوعية حياة الأطفال والبالغين المصابين بهذا الاضطراب بدرجة كبيرة”، بحسب مايو كلينيك.
وتجمع المصادر العلمية على أن للمصابين بـ”داون” تظهر عليهم بعض العلامات الجسدية المميزة كقصر القامة والرأس المسطحة من الخلف وأصابع اليد القصيرة، كما يعانون كثيراً من اضطرابات في القلب والجهاز الهضمي.
ومن بين ألف طفل حول العالم، هناك طفل واحد يولد مصاباً بالمتلازمة، بحسب الجمعية الوطنية لمتلازمة “داون” الأميركية.
“أصبح لهم هدف”
واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 2011، يوم الواحد والعشرين من آذار/مارس يوما عالمياً للمتلازمة، يُحتفل به سنوياً منذ عام 2012.
وتقول هبة جبان وهي عضوة في جمعية جذور، إن هناك إقبالاً كثيفاً على المقهى من قبل السكان، “ربما لتشجيع أصحاب متلازمة داون”.
وتشير إلى أن جميع الكادر العامل حالياً في المقهى دربتهم الجمعية، حيث تم اختيار25 شخصاً من بين 200 شخص تقدموا للعمل في المقهى.
وتضيف: “أصبح لكل منهم هدف ومشروع، تغيرت حياتهم كلياً”.
ووفقاً للقائمين على المشروع، فإنهم يسعون لدمج المصابين بمتلازمة داون بالمجتمع عبر عملهم في المقهى، بالإضافة إلى كسر الصورة النمطية عنهم وتشجيهم على الاعتماد على أنفسهم.
وأثبتت العديد من التقارير والتجارب أن المصابين يمكن أن يعيشوا حياة جيدة فيما إذا تم تأهيلهم بشكل جيد.
وتركّز العديد من المصادر على أن مدى اهتمام العائلة ووعيها بأهمية تأهيل ابنها المصاب، له دور حاسم في تحسين وضعه وربما تحقيق نوع من الاستقلالية في حياته.
وتغيرت حياة إلياس عيسى منذ بدء عمله في المقهى، “أصبحت أساعد أهلي في المصروف وأعتمد على دخلي لتأمين احتياجاتي”.
وبلهجته المحلية يشرح “عيسى” لنورث برس، سعادته بالعمل وتفاصيل عمله اليومية، “أنا فرحان لأني صرت أشتغل، أنا ما عدت مليت من القعدة بالبيت”.
ويضيف: “بفيق الصبح بلبس وبفكر رح شوف ناس نفس يلي شفتن مبارح أو غيرن، بفكر كيف بدي أعمل زينة جديدة للمشروبات يلي بقدمها، وكيف بدي زين صحن الضيافة كمان، أنا بحب كل يلي بيجو على المقهى”.
تشجيع
وكل يوم خميس، ينتظر “عيسى”، قدوم زبونه المفضل إلى المقهى، “هو أول من قدمت له المشروب في المقهى”.
ويعرف الشاب المصاب بمتلازمة داون المشروب المفضل لزبونه، “فهو يحتسي القهوة حلوة بفنجان كبير وصحن أبيض للفنجان حصراً”.
ويضيف: “أنا أحبه كثيراً كونه أصبح صديق ينصحني”.
وتحولت حياة أصحاب متلازمة داون في مقهى “سوسيت” إلى قصص يومية طبيعية، يعرف النادل والنادلة منهم أن مشروب ذاك الزبون هو القهوة مثلاً ونوعها ويجيدون طريقة تحضيرها.
ويرتاد علي محمد (35 عاماً) وهو اسم مستعار للزبون المفضل الذي تحدث عنه “عيسى”، المقهى كل يوم خميس.
وعن علاقته مع إلياس، يقول “محمد” وهو دكتور في جامعة دمشق إن “طريقة استقباله للزبائن كما لو أنه متدرب في أهم الفنادق لفتت انتباهي، أحب استمراره في الابتسامة وأعتقد أنه سيكون شخصاً بارعاً في سوريا”.
ويضيف: “من الطبيعي أن نشجعهم، كل شخص معرض أن يكون أحد أفراد عائلته من أصحاب متلازمة داون”.
وتشارك فرح علي (33 عاماً) وهو اسم مستعار لشابة من دمشق وترتاد المقهى باستمرار، الدكتور الجامعي في رأيه، وتقول: “واجب علينا أن نشجعهم كأشخاص لا يختلفون عنا بالحقوق أو بالواجبات”.
وتستمع “علي” من رهام العاملة في المقهى على أبرز صيحات الموضة كل أسبوع، وتعدها بمساعدتها في تحقيق حلمها في تصميم الأزياء، وفق قولها.
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.