الثلاثاء 22 شباط/فبراير 2022
لا زالت بعض الأصوات من هنا وهناك تربط ما بين الأزمتين الأوكرانية والسورية، بل وتقترح أن أزمة منهم يمكن أن تؤثر على حل الأخرى.
بدوري أقول وأؤكد بكل اطمئنان أنه لا يوجد أي تأثير مباشر بين الأزمتين
حتى ولو كان هناك قدر من التشابه. فكلاهما قد نشأ بسبب تدخلات خارجية، حيث نشأت الأزمة السورية في خضم ما سمي بـ “الربيع العربي”
والثورة السورية التي وإن قامت لأسباب موضوعية تتمثل في تفاوت مستوى المعيشة وتدهور الوضع الاقتصادي وغلاء الأسعار وتكلس الوضع السياسي، وقامت على أكتاف معارضة مدنية مطعّمة بنكهة إسلامية
لكنها لم تلبث أن تحوّلت إلى تمويلات خارجية لتنظيمات متطرفة وإرهابية عابرة للدول، تاهت وسطها ألوان المعارضة الأخرى، ثم انتقلت إلى احتلال صريح للأراضي السورية، وأوهام قيام ما سمي بـ “الخلافة الإسلامية” ممثلة في داعش وأخواتها، إلى جانب أوهام انفصالية أخرى بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية بالطبع.
أما الأزمة الأوكرانية فقد نشأت استناداً إلى انقسام سياسي أوكراني داخلي ما بين تيارات ترغب في الإبقاء على العلاقات التاريخية مع روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق
وتسعى للإبقاء على ربط مصيرها واقتصادها بها، وتيارات أخرى ترغب في التوجه غرباً نحو الاتحاد الأوروبي و”الناتو”، ما يثير حفيظة روسيا لما في ذلك من تهديد على الأمن القومي الروسي.
ولم تلبث الأزمة في 2014 أيضاً أن تحوّلت إلى بؤرة تمويلات غربية سخية لدعم الانقلاب، ثم دعم بالأسلحة والعتاد وصل ذروته في الأشهر الماضية، رغبة من الولايات المتحدة الأمريكية في دق إسفين ما بين روسيا وأوروبا.
كذلك فإن حل هاتين الأزمتين يكمن في تنفيذ القرارات المعتمدة من جانب مجلس الأمن، وهي قرار مجلس الأمن رقم 2254 بشأن سوريا، واتفاقيات مينسك التي صدق عليها مجلس الأمن بشأن أوكرانيا.
تلك أوجه التشابه بين الأزمتين، ولا يوجد أي سبيل للخروج منها سوى بتنفيذ تلك الاتفاقيات بدقة وصرامة، إلا أن ذلك يتطلب شفافية ومصداقية من الأطراف التي تشرف على ذلك التنفيذ، وما هو ما نفتقده في كلا الأزمتين. لكنني لا أجد أي تأثير مباشر أو غير مباشر في حل أي من الأزمتين على حل الأخرى.
أنتهز هذه الفرصة كي أوجه رسالة إلى السوريين:
أما آن الأوان للقيادات في دمشق والمعارضة أينما كانت أن يتخلوا عن المساهمة المباشرة في تفاقم الأوضاع المعيشية لعامة الشعب السوري. أما آن الأوان للتخلي عن النهج المدمّر الذي يطيح بالأخضر واليابس في سوريا.
إن أحداً لن يمد يد المساعدة لسوريا والسوريين، قبل أن يساعدها أهلها وقياداتها، ويبادروا بإنهاء الخلافات والانتقال السياسي الفوري حسبما ينص القرار 2254
الطريق الوحيد لاستعادة وحدة الأراضي السورية، والأهم من ذلك رفع العقوبات والحصار الاقتصادي عن سوريا وإنقاذ الشعب السوري، وبدون ذلك لن يتعافى الاقتصاد السوري ولن يتوقف انهياره اليومي.
ألم تستوعب القيادة في دمشق هذه الحقيقة حتى اللحظة؟ ألم تستوعبها قيادات المعارضة في كل مكان؟
زار موسكو الأسبوع الماضي لجنة متابعة الحوار الوطني السوري، والتي تضم ثلاثة من أعضاء مجلس الشعب.
ما يدهش المرء حقاً أنهم جاءوا ليصرخوا في وجه موسكو بأن الشعب السوري يعاني الجوع والبرد والفقر وأزمة إنسانية طاحنة تتحمل مسؤوليتها روسيا، التي يجب أن تضطلع بمسؤوليتها عن انهيار الوضع الاقتصادي في سوريا.
لم تتوقف الوقاحة عند هذا الحد، بل رأى الأصدقاء أن روسيا مجبرة على تقديم تعويضات كبيرة عن الدور الكبير والتضحيات الغالية التي قدّمها الشعب السوري من أجل “استعادة مكانة روسيا ووزنها في السياسة الدولية”، حيث دفع الشعب من أجل ذلك ثمناً غالياً من أرواح خيرة شبابه.
كان هذا ما سمعناه الأسبوع الماضي في موسكو من وفد دمشق. ولهذا أود الإشارة أن روسيا تواجدت وتتواجد اليوم على الأراضي السورية بدعوة رسمية من الحكومة الشرعية في البلاد لمهمة محددة هي مساعدة الشعب السوري في القضاء على التنظيمات والعصابات الإرهابية والحفاظ على نظام التهدئة ووقف إطلاق النار
الذي نجح في التوصل إليه مسار أستانا (روسيا وتركيا وإيران). أما قضايا الحفاظ على السيادة ووحدة الأراضي السورية والتوافق السوري السوري، وعودة تعافي الاقتصاد وغيرها من القضايا محلية الطابع، فهي من مهام السوريين.
فعلى الرغم من جميع المبادرات الشعبية والحكومية الروسية لمساعدة الشعب السوري الصديق، إلا أن روسيا
في نهاية المطاف، لديها أسقف للحركة في مجال التبرعات والهبات الخيرية، ولا تستطيع الشركات الروسية، مهما كانت قدراتها وإمكانياتها الاقتصادية مساعدة الاقتصاد السوري، طالما عجزت سوريا عن الانتقال إلى أجواء سياسية أخرى، ونظام آخر وفقاً لما ورد في قرار مجلس الأمن رقم 2254.
على الجانب الآخر، تابعنا الندوة التي بادرت بها بعض شخصيات المعارضة، واستضافتها العاصمة القطرية الدوحة، وكنا نتشوق أن تخرج تلك الندوة بتوصيات ونتائج وطروحات واقعية، وأن يستغل الأخوة في المعارضة الفرصة التي منحتها إياهم دولة قطر مشكورة، إلا أنهم خذلوها وخذلوا قبها الشعب السوري والوطن السوري.
عاد هؤلاء لإنشاد الأسطوانة المشروخة مجدداً، التأكيد على فقدان “النظام” لشرعيته وأهليته لحكم البلاد، رفض عودة سوريا بشكلها الحالي إلى الجامعة العربية، “استعادة سائر الأراضي السورية وتحريرها من الاستبداد”
“التحذير من محاولات النظام وحلفائه توظيف معاناة السوريين لجلب الأموال الخارجية تحت شعار إعادة الإعمار والتعافي المبكر”. وكأن حرباً أهلية لم تندلع، وكأن مسار أستانا لم يكن، وكأننا نبدأ من المربع صفر.
وكأنهم بـ “حصارهم للنظام” يحاصرون الأسد فيدفعونه للرحيل مثلاً، بينما ما يفعلونه على وجه التحديد هو حصار للشعب السوري قولاً وعملاً.
فما تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية على الشعب السوري هو عقاب جماعي على شعب أعزل لا ذنب له سوى أنه ضحى ويضحي من أجل استعادة السيادة على أرضه، حتى وإن اختلف مع حكومته الشرعية. تختلف القيادات ويبقى الشعب، تختلف الأنظمة ويبقى الشعب، تختلف التوجهات السياسية ويبقى الشعب. فهم يعاقبون الشعب على وجود الأسد.
لقد استمعت إلى تلك الندوة وصراخ المعارضين بشأن مزيد من التحمّل والجلد والصبر من أجل المواقف الثورية، التي ينسبونها لطموحات وآمال الجماهير، والشعب السوري أبعد ما يكون عنها. فالشعب السوري أنهكته الحرب والثورة والمجاعة واللجوء والنزوح
آن للشعب السوري أن ينعم بالأمن والاستقرار والحصول على أبسط مقومات الحياة الكريمة، وهو يستحق ذلك بكل جدارة.
لهذا فإن رسالتي للبعض ممن “يمتهنون” السياسة من الموالاة أو المعارضة، بوصفها سبيلاً مضموناً للتربح والإثراء على حساب الأزمة السورية، كفاكم متاجرة ومزايدة بالشعارات الوطنية والثورية
وكفاكم تظاهراً بأن غاية اهتمامكم وحرصكم على وضع الشعب السوري المؤلم والمريع. فشمال شرق البلاد، حيث يتواجد 4-5 ملايين من أهاليكم السوريين يعانون اليوم من عدم وجود الطحين.
وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاق بين شركة سورية في تلك المنطقة وشركة روسية لتأمين القمح، إلا أن العائق الوحيد أمام إتمام ذلك هو عدم الاتفاق بين مجلس سوريا الديمقراطية “مسد” والسلطات في دمشق.
أي أن خمسة ملايين نسمة من الشعب السوري معرّضين لاختفاء الخبز والجوع نتيجة خلافات سياسية حول المركزية واللامركزية. فهل هذا يعقل يا أولي الألباب؟
ما قيمة الاعتزاز بشعارات السيادة أو المركزية أو الفيدرالية إذا كان الشعب الذي سيتمتع بهذه “السيادة” و”الفيدرالية” و”المركزية”
سيموت جوعاً بسبب تعنت هذا الطرف أو ذاك. وبهذه المناسبة فقد حاولت روسيا وبذلت الكثير من الجهود للتوصل إلى اتفاق بين دمشق والأكراد، إلا أنها لم تنجح حتى الآن في التوصل إلى ذلك.
فهل تفهم تلك الحقائق قيادة دمشق؟ وهل يعيها قيادة المعارضة أينما كانت؟
تلك هي كارثة الشعب السوري وسوريا.
المصدر: سوشال
- رامي الشاعر كاتب عربي روسي
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.