الأربعاء 9 آذار/مارس 2022
طغى الحدث الأوكراني على الأزمة السورية، التي كان قد خبا صوتها قبل ذلك، ولم تعد إلى واجهة الحدث الأوكراني إلا بعد أن ناشد الرئيس الأوكراني الغرب بألا يسمح بأن تتحول أوكرانيا إلى سوريا ثانية. لكنها عادت بقوة في الأيام الأخيرة إلى الواجهة، بعد أن تبادل الطرفان الروسي والأوكراني الاتهامات باستقدام مرتزقة من مختلف البلدان للمشاركة في الحرب على طرفي جبهة المواجهة. والاتهامات لا تتحدث عن مرتزقة سوريين فقط، بل تطاول أيضاً مرتزقة من بلدان أخرى “ذوي خبرة قتالية في سوريا”، وهو ما يوحي بالقول بأن سوريا أصبحت “بلد المرتزقة”.
ساقت روسيا اتهاماتها من أعلى المستويات، بدءاً من الكرملين مروراً بوزارتي الدفاع والخارجية ووصولاً إلى الإعلام الذي يدور في فلك الكرملين. فقد أعلن الرئيس الروسي في اتصاله الهاتفي مع الرئيس الألماني بأن السلطات الروسية تسجل بشكل متزايد ظهور مرتزقة من بلدان ثالثة، بما فيها من ألبانيا وكرواتيا ومقاتلين من كوسوفو وحتى جهاديين ذوي خبرة بالعمليات العسكرية في سوريا. وصرح نائب قائد المركز الروسي للمصالحة في سوريا الكونتر أدميرال أوليغ جورافلوف بأن أنباء ترد عن خروج مقاتلين من أصول ألبانية وقفقازية من منطقة خفض التصعيد في إدلب إلى أوروبا بغية المشاركة في العمليات العسكرية على الأراضي الأوكرانية.
موقع glavred الأوكراني نشر الاثنين نصاً بعنوان “روسيا تجند المرتزقة السوريين للمشاركة في معارك المدن في أوكرانيا”. ويقول الموقع إنه ليس من المعروف عدد الذين تم تجنيدهم حتى الآن، لكن البعض منهم أصبح في روسيا ويستعد للانخراط في الحرب ضد أوكرانيا. وينقل الموقع عن صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية قولها إن روسيا تعرض على المتطوعين مبلغ 200 – 300$ مقابل الذهاب إلى أوكرانيا. كما ينقل الموقع عن باحثة في معهد دراسة الحرب في واشنطن قولها إن المقاتلين السوريين أمضوا عشر سنوات وهم يقاتلون في المدن، بينما الروس الذين تم تجنيدهم يفتقرون إلى مثل هذه الخبرات.
الاتهامات الروسية بمشاركة مرتزقة سوريين في القتال إلى جانب الجيش الأوكراني ليست جديدة. فقد نشر موقع OD (أخبار أوديسا) الأوكراني ربيع العام المنصرم نصاً بعنوان “مستوى جديد من أكاذيب البروباغندا الروسية: المقاتلون السوريون يغادرون إلى أوكرانيا للقتال في صفوف الجيش الأوكراني”. قال في حينه كاتب النص المحلل العسكري السياسي في الموقع إنه ناقش مع محلل آخر على موقع أذري “التزييف المفضل” لدى البروباغندا الروسية عن مشاركة عسكريين أجانب في حروب مثل أوكرانيا أو ناغورني كاراباخ. في الأخيرة زعمت أجهزة الإعلام الروسية أن الجيش الأذري لم يحارب مطلقاً، بل حاربت عنه قوات خاصة تركية ومرتزقة سوريون. ومثل هذه الرواية تتردد منذ العام 2014 بشأن أوكرانيا، حيث يزعمون بأن ليس الجيش الأوكراني من يحارب في الدونباس، بل البولونيون والأميركيون والإستونون واللاتفيون وسواهم. ويتهم الكاتب أصحاب هذه المزاعم بانهم ليسوا مراسلين عسكريين “ولا حتى صحافيين”، فأي شخص على معرفة بالشأن العسكري يعرف جيداً أن مثل هذا الخليط اللغوي الأممي على الخطوط الأمامية هو كارثة محققة في التواصل والتفاعل.
ويرى الكاتب أن البروباغنديين الروس يبدو أنهم قرروا تعميق سقوطهم المهني، حين أعلنوا بأنه سيتم إرسال مقاتلين سوريين إلى أوكرانيا، ومرة أخرى يتم تجميع المقاتلين السوريين لمشاركتهم في المعارك في الدونباس إلى جانب الجيش الأوكراني. أحد البروباغنديين يبث عن “الجهاد الأرثوذوكسي”، وآخر يتحدث عن سوريين وأتراك جاءوا إلى الدونباس “لذبح” الأرثوذوكس، وثالث يدعو إلى ضم جمهوريتي دانتسك ولوغانسك إلى روسيا (لم يكن الكاتب يتصور حينها أن هذا الضم سيقترفه بوتين بعد أقل من سنة). ويرى الكاتب أن العار سبق أن لحق بالبروباغنديين الروس في ناغورني كاراباخ، و”لعله يلحق بهم في الدونباس أيضاً”.
لكن ليس المرتزقة السوريون هم فقط المرشحون للذهاب إلى أوكرانيا. فقد نشر موقع راديو ozodlik الأوزبكي الاثنين أن المهاجرين الأوزبك ذاهبون كمرتزقة أيضاً إلى أوكرانيا. ويقول إنه على خلفية الحرب التي أعلنتها روسيا على أوكرانيا، أُدرج مصير المهاجرين من آسيا الوسطى على جدول أعمال هذه الحرب، حيث يتم تداول تحذيرات من احتمال إشراك المهاجرين في العمليات الحربية. القانون الروسي يسمح للمواطنين الأجانب الالتحاق بالخدمة العسكرية بموجب عقود، أما القانون الأوكراني فيحظر ذلك.
ويقول الموقع إن ما يثير القلق بشكل أساسي هو تدهور مداخيل المهاجرين في روسيا تحت ضغط العقوبات التي فرضها عليها الغرب وتشديد ملاحقة هذه العقوبات. وينقل مراسل الموقع عن سائق تاكسي أوزبكي في موسكو قوله إنه وصل من روسيا إلى لوغانسك على متن شاحنة عسكرية روسية. ولا يخفي السائق أنه، من أجل الحصول على الجنسية الروسية ومسكن ومرتب شهري جيد (حوالي 590$)، وافق على هذا العمل.
ينقل الموقع عن مدون أوزبكي مقيم في روسيا، اشترط عدم ذكر اسمه، قوله إن موقعاً إلكترونياً أوزبكياً في روسيا يعمل حالياً على تجنيد مهاجرين أوزبك بالخدمة العسكرية الروسية بالتعاقد. وبعد إعلان المدون على اليوتوب بأن الخدمة التعاقدية في الجيش الروسي تسمح للمواطن الأجنبي بالحصول على الجنسية الروسية خلال 3 أشهر، أخذت تنتشر وسط المهاجرين الأوزبك أخبار تقول إن هذه الحملة، إذ توفر للمهاجر الأوزبكي مرتباً شهرياً بين 500 و600$، تجند المهاجرين كسائقين و عاملين في صيانة الآليات العسكرية وسائقين لتوزيع وحدات المساعدات الإنسانية في شرق أوكرانيا.
المرتزقة من كافة الجنسيات، وليس من سوريا فقط، مطلوبون من الأوكران والروس على حد سواء، وإن كان لأسباب ودوافع مختلفة. فإذا كان الأوروبيون وسكان البلطيق يسارعون للمجيء إلى أوكرانيا بدوافع أخلاقية لرفع ظلامة تقع على شعب مهدد بوجوده وضياع وطنه، فإن دوافع المقاتلين من سوريا وأوزبكستان وألبانيا يغلب عليها العوز والفاقة في ظروف تدهور مريع للحالة المعيشية كما في سوريا.
لكن مهما اختلفت أسباب تجنيد المقاتلين الأجانب لدى طرفي الحرب المستعرة الآن، لا تنفي عنهم صفة المرتزقة التي هدد الروس بمحاكمتهم على أساسها في حال وقوعهم في الأسر. وجاء إعلان الأوكرانيين عن دعوتهم لمقاتلين من مختلف أنحاء العالم (وصل عددهم إلى 22 ألفاً الاثنين حسب موقع أوكراني، أي تخطى رقم 16 ألفاً الذي سبق أن أعلنه الرئيس الأوكراني) ليضيف بيد البروباغندا الروسية ذريعة أخرى غير “نزع نازية وسلاح النظام الأوكراني”.
موقع ritmeurasia الذي يصف نفسه بأنه منصة معلومات مهنية للسياسيين والنشطاء الإجتماعيين والصحافيين من بلدان الاتحاد السوفياتي السابق نشر نصاً في 5 آذار/مارس الجاري بعنوان “نفايات من جميع أنحاء العالم: “الإوز البري” يتجمع في أوكرانيا”.
يضيف إلى هذا العنوان “الاحترافي بامتياز” موقع Обзор الداغستاني نصاً بعنوان “أوكرانيا ستتحول إلى سوريا: ناشط اجتماعي داغستاني عن مصير سلطة تحتضر”. يقول الموقع إنه يعرض تعليق ناشط داغستاني على النبأ الصادم من أوكرانيا “النازية الجديدة” بإلغاء تأشيرة الدخول للمرتزقة و”قاطعي الأعناق” المستعدين للقتال ضد “قوات حفظ السلام الروسية”. ويقول الموقع إن صفوف المحاربين ضد القوات المسلحة الروسية تضم انفصاليين شيشان سابقين وإرهابيين من داعش.
ما نشره الإعلام الناطق بالروسية هذه الأيام عن دور المرتزقة، ومن بينهم السوريون، في الحرب المشتعلة بين روسيا وأوكرانيا، والتي تقبض على أنفاس العالم بأسره، كثير للغاية. لكن، إذا كان الإعلام الروسي يرى في هؤلاء المرتزقة نفايات وإوزاً برياً جاء ليقاتل “قوات حفظ السلام الروسية” في أوكرانيا، لم يأت الأوكرانيون وإعلامهم على ذكر المقاتلين السوريين الذي أعلنوا عن تلهفهم للوصول إلى أوكرانيا للثأر من روسيا، بل ركزوا على الجنسيات الغربية لهؤلاء “الوافدين لمحاربة المعتدي الروسي”.
المصدر: المدن
- بسام مقداد كاتب سوري
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.