الأحد 3 نيسان/أبريل 2022
تبكي سيدة خمسينية من القهر الذي وصل إليه حال السوريين في الداخل، وتضيع كلماتها مع شهقات الرجاء والعوز وذل السؤال: لا نستحق هذا المصير والله الموت بات أسهل علينا مما يحصل.. هل تصدق أن رمضان الكريم شهر المحبة والخير صار هماً فوق كل الهموم؟
يغلق محدثها الهاتف وينخرط أيضاً ببكاء مرّ، ويلتفت إليّ بصرخة عاجز: كم رمضان سأقضيه هنا بعيداً عن بلادي وبيتي وأخوتي، ألا تكفي عشرة أعوام للتكفير عن ذنب الحرية والخروج عن سلطة العائلة، وكيف تستطيع أن تأكل وتشرب وتنام وأهلك من بأس لبأس، وما تقدمه لهم بالكاد يكفي لأيام من الحياة التي يعيشها البشر.
بين صوتين أحدهما قادم من دمشق وآخر -يمكنك أن تفترضه في أي مكان للشتات السوري- تختصر الحالة السورية المريرة، وهي حال على مدار السنة لكنها تأخذ في رمضان بالتحديد شكل الفجيعة لأنه حنين مزدوج بين أمس ضاع يوماً بعد آخر وبين حاضر يزداد قسوة مع تضاؤل أمل الخلاص والعودة هنا.. والفرج هناك.
مواقع التواصل تستثمر هذا الشقاق القصري وفي نفس الوقت تعبث بالقلوب التي تشتاق وصالاً بأي شكل حتى لو كان كاذباً ومكلفاً، وستجد الصفحات التي تقول عن نفسها أنها تقصر المسافات وتجبر الخواطر إعلاناً كهذا مع مجموعة من الصور لمأكولات ومواد غذائية ولحوم ومازوت وقوالب الحلوى: (سلة رمضانية لطيفة وكبيرة وشاملة ومتنوعة فيها لحومات ومعلبات وحبوب وكتير غذائيات كانت من سيدة قديرة لأهلها الكرام في الهامة ريف دمشق ألف صحة وعافية على قلبهم، وكل رمضان وجميعنا بخير وشكرًا لثقتكم المتجددة بنا).. ثم ينهي مدير الصفحة هذه الحفلة الملونة برقم هاتفه وإيميله للتواصل.
لا يتوقف الألم في هكذا إعلانات تحمل تسميات إنسانية أو مصطلحات سورية خالصة فبعضها يستثمر بقسوة لا يدركها حاجات بسطاء السوريين فماذا يعني أن تكون سلة غذائية رمضانية عبارة عن دجاجة وزجاجة زيت وعلبة سمنة وكيس من الرز.. ماذا يعني هذا لسوري كانت مائدته تعج منذ سنوات ليست بعيدة بأشهى ما تعدّه أيدي الأمهات لأول يوم في الشهر الكريم؟
في البلاد الممنوعة من الفرح وصل سعر ليتر زيت القلي إلى 18 ألف ليرة أما كيلو اللحم البلدي فاقترب من الـ 30 ألف ليرة فيما تعنون صحيفة محلية: (تأثير التضخم على صدقة الفطر وفدية الصيام.. ارتفع الحد الأدنى لصدقة الفطر من 3500 ليرة إلى 10000 ليرة).. وزيادة على هذه المآسي تمد صحيفة تحمل اسم (الوطن) لسانها في وجه البؤساء بعنوان خارج سياق المجاعة: (15 ألفاً رسم سنوي عن كل كلب بلوحة.. والشارد يصادر ويباع إن لم يطلبه صاحبه خلال 48 ساعة).
المغتربون واللاجئون ومن في حكمهم سيرسلون حوالات المساعدة وصدقات أموالهم إلى الأقارب فلم يعد هناك من هو في حكم المستور والقادر، وأما المستفيدون فهم شركات التحويل والنظام والانتهازيون والعاملون في السوق السوداء التي ازدهرت خلال سنوات الدم السوري، وربما يفرح طفل ببعض مظاهر الصيام وهو يجلس على مائدة اليوم الأول فمن المؤكد أن ما تم إرساله لن يجعل تلك المائدة عامرة لشهر كامل لكنها استعادة سريعة لصورة الأمس القريب قبل مدفع الإفطار الذي لم يكن يثير الخوف.
ستصل التهاني الملونة على الهواتف، ورسائل المحبة والفرح بدأت بالرنين، ويتوسل عابرون على الفيس بوك بأن لا تنشر صور ولائم الإفطار والسحور فهناك في البلد المظلم ثمة جوعى كثر لم تصلهم حوالات الموسم، وآخرون مثلي سيجدون فيما يحصل مادة للكتابة للعام الحادي عشر عن رمضان الذي ما زال يثير فينا الحنين إلى العدالة المنشودة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
- عبد الرزاق دياب كاتب سوري
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.