الخميس 21 نيسان/أبريل 2022
سبق أن قدّمت الإدارة الذاتية عقداً اجتماعياً للمناطق التي أقامت عليها الإدارة سلطتها، كان ذلك في العام 2014 وفي نطاق الكانتونات الثلاثة،الجزيرة وكوباني وعفرين. بعض تلك المناطق خرج عن سيطرة الإدارة بفعل الاحتلال التركي فيما اتسعت رقعة السيطرة في مناطق أخرى بفعل دحر تنظيم “داعش”، ولكن مياهاً كثيرة جرت منذ ذاك التاريخ، ذلك أن الحل السياسي المأمول تعطّل بفعل جلف النظام ومماطلته وضآلة تمثيل المعارضة للسوريين وارتهان بعض كياناتها للخارج، في الوقت الذي كان النظام والمعارضة يفترضان سقوط الإدارة الذاتية، وهو ما لم يحدث ولا يشترط أن يحدث، الأمر الذي حتّم على الإدارة الذاتية البحث عن عناصر تعزّز من وجودها، ولعل الطبعة الثانية من العقد الاجتماعي الذي يكتب ويناقش في هذه الأثناء تمثّل فرصة أمام الإدارة لتظهر من خلال العقد قدرتها على كتابة دستور مصغّر للبلاد، وهو ما يشكّل اختباراً لتطوّر الإدارة أو انحدارها.
وتُطرح على الدوام مسألة شرعية العقد، وهل تُستمد الشرعية من المركز/دمشق أم أنها تستمد من إرادة المحكومين/المواطنين؟ وفي الواقع لا يمكن انتظار المركز حتى تنظّم الأطراف شؤونها، كما أنّ لا احتمالات، حتى اللحظة، لحصول تطوّر وتقدّم في مسار كتابة دستور للبلاد بما يعكس التعدّدية الإثنية والدينية في البلاد، وبما يغني عن العقد الاجتماعي، وبحسب المراقب أن يلحظ مقدار الخواء والفشل الذي يعمّ أعمال اللجنة الدستورية برعاية الأمم المتحدة، وطغيان الهوس القومي والانحياز الديني للأكثرية الإثنية والدينية على حساب الأقليات.
العقد الاجتماعي في حالة شمال شرقي سوريا هو بالعبارة الصريحة، الدستور أو القانون الأساسيّ، وإن استبدلت الإدارة الاسم الأثير للقانون الأساسي (الدستور) بآخر يبدو ظاهرياً أخفّ وقعاً، إلّا أنه لا يغيّر من طبيعة الأمر شيئاً.
ومن المآخذ على العقد الاجتماعي السابق الغلوّ في استخدام الألفاظ ذات الحمولة الإيديولوجيّة لاسيما في الديباجة، وتعارض بعض القوانين والإجراءات مع مواد العقد وهو ما عنى بطلان تلك القوانين والإجراءات، ونتيجة لعدم وجود محكمة عليا، قياساً إلى المحاكم الدستورية، قُطع الطريق أمام المحاججات القانونية والتقدّم بالشكاوى حول دستورية أيّ قرار أو قانون تصدره الإدارة، كما أن المواد التي توسّعت واستفاضت في مجال الحريات العامّة والفرديّة لم تنعكس على أرض الواقع وبقيت الفجوة بين النظريّ والعمليّ قائمة.
وأما المآخذ على عملية إعداد المسوّدة فهي أن المواد المتفق عليها وكذا الديباجة لم تمرّر للجمهور وقد جاءت على شكل إخطارات إعلامية وأخبار صحفية، كما أن اختيار أعضاء اللجنة المضطلعة بالكتابة لم يأتِ نتيجة لانتخاب هيئة تأسيسية، حتى وإن مثّلت اللجنة تعبيرات المنطقة الإثنية والدينية. إن الاهتمام بالشروط الشكليّة يضفي ثقة أكبر بالعملية وصدقية أكبر بالمخرجات النهائية، مع العلم بأن الشرط السياسيّ في المنطقة وتعذّر الذهاب إلى انتخاب أعضاء اللجنة يبرّر قسطاً مما جرى، فضلاً عن أن التوافقية تؤمّن أساساً يمكن الاتكاء عليه في عملية إعداد المسوّدة، ولا يُعلم إن كان العقد سيطرح على الجمهور إن للاستفتاء عليه أو لمناقشته في المستوى الشعبي والإعلاميّ أم لا، وهي عملية مؤسِّسة يصبح العقد من دونها أقرب للدساتير التي جاءت هبة من الملوك والحكّام الثيوقراطيين.
ثمة ثلاث نقاط رئيسية في مشروع العقد الاجتماعي، تتمثّل الأولى في إمكانية تحلّي عقد محلّي بشرعية متأتية من رضا المحكومين ملزمة للإدارة والمواطنين سواء بسواء، والثانية تتمثّل بأفضلية التمثيل الإثني قياساً إلى اللجنة الدستورية التي يكاد يكون تمثيل الأقليات الإثنية فيها معدوماً أو شكلياً في أفضل الأحوال، فيما تتمثّل النقطة الثالثة في وجوب إيجاد محكمة عليا بوصفها سلطة مستقلّة عن الإدارة تكون مهمتها الإشراف على تطبيق العقد وإلغاء القوانين التي تتعارض مع مواده. وأما مسألة الشرعية يمكن المحاججة بالآتي: في ظل غياب دستور سوري يلبّي تطلعات السوريين في العدالة والمساواة والديمقراطية والحرية على المستوى النظريّ، يصبح أيّ سطر في أيِّ وثيقة محلّية أفضل من دستور يعزّز التفاوت بين السوريين ويقطع مع الديمقراطية ويصادر على الحريات ويكرّس الشوفينية العرقية والدينية.
ويبقى أن الميزان الأساسيّ الذي ينبغي أن يكال به العقد الاجتماعي المقبل هو قدرته على الإجابة عن سؤال الحريات والديمقراطية والمساواة، وإمكانية تطبيقها على أرض الواقع، وأن يصان العقد تحت راية سلطة مستقلة (محكمة عليا)، فيما العبرة كلّها تكمن في أن يطبّق العقد بمعزل عن تدخّلات الأحزاب أو مسؤولي الإدارة، وقد تكون لحظة سعيدة في كومة التعاسة التي تعيشها البلاد أن نشهد حكماً لصالح فرد أو مؤسسة في مواجهة قانون تصدره الإدارة يتعارض مع مواد العقد.
التفاؤل والتشاؤم معقودان على أمرين في شأن عقد اجتماعي يُوضع لأجل ما يقارب الخمسة ملايين سوريّ هم سكّان مناطق الإدارة الذاتية، وأما الأمر الأول فمقرون بجودة العقد وعدم تعارض مواده، وانزياحها تالياً لأن تكون قطعة من مبادئ حقوق الإنسان العالمية والدساتير التي تعلي من شأن الحرية والمساواة والعدالة، فيما الأمر الثاني مرهون أبداً بتطبيق مواد العقد، وعلى هذا يتوقّف صدق الإدارة وشرعيتها اللاحقة.
المصدر: نورث برس
- شورش درويش كاتب سوري
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.