الخميس 20 تشرين الأول/أكتوبر 2022
سوريا اليوم – الرقة
بفارغ الصبر، ينتظر محمد الجاسم (39 عاماً)، “كرت المول” المخصص لعائلته من قبل منظمة إنسانية تنشط في الرقة، إذ اعتاد على استلامه نهاية كل شهر منذ عام 2018.
ويقول الجاسم الذي يعيش مع أسرته (تسعة أفراد) في حي الحصيوة غربي المدينة، إنه مع حصوله على مساعدات دورية من المنظمة الإغاثية، يوفر مبلغاً إضافياً من تأجيره قطعة أرض يملكها.
ويضيف: “مع حصولي على المساعدات وأجرة الأرض لا أجد داعياً للعمل”، بحسب تحقيق نشرته وكالة “نورث برس” السورية المحلية (معارضة).
ومثل عائلة “الجاسم” ثمة آلاف العائلات التي تتلقى مساعدات شهرية من المنظمات الإغاثية في الرقة، إما عبر إعانات عينية أو مادية عبر بطاقة تعرف بـ”كرت المول” تخول أصحابها شراء مواد غذائية بقيمة محددة بحسب عدد أفراد الأسرة.
وبالرغم من حاجة بعض الأسر لهذه المساعدات، إلا أن تركيز برامج المانحين على هذا الجانب يواجه انتقادات محلية، مقابل عدم التركيز على جوانب أخرى مثل مشاريع التنمية وإعادة الإعمار وخلق فرص عمل.
يقول البعض إن الحاجة إلى مشاريع التنمية وإعادة إعمار المدينة التي بلغت نسبة الدمار فيها “80 بالمئة”، أولى من تقديم السلال الغذائية.
كما أن انتظار نسبة كبيرة من العائلات للمساعدات، أدى إلى نتائج سلبية إضافية من جهة عزوفها عن العمل، ما خلق نوعاً من التكاسل في المجتمع المحلي، وتشكلت شريحة عريضة من العاطلين عن العمل.
غير فاعلين
يشير تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر عام 2020 إلى أن الرقة، من أكثر المدن التي تعرضت للتدمير على نطاق واسع، في العصر الحديث.
ورافق طرد قوات سوريا الديمقراطية تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، من الرقة قبل خمس سنوات، دخول العشرات من المنظمات الإنسانية إلى المدينة وريفها.
والآن تنشط في المدينة وريفها 20 منظمة دولية، إضافة إلى 112 منظمة محلية، لكن يقتصر عمل غالبيتها على برامج الدعم النفسي والغذائي.
يقول لورنس البورسان، وهو متابع لأعمال المنظمات والإدارة الذاتية في الرقة، إنه بالرغم من وعود التحالف الدولي بإعادة الإعمار، إلا أن الدمار في المدينة ما زال على حاله.
ويضيف: “مشاريع السلم الأهلي والتماسك الاجتماعي لا تسمن ولا تغني من جوع”.
ويرى البورسان، أن آلية الدعم “لم تكن ناجحة”، إذ اقتصرت على السلال الغذائية، “كان من الأولى العمل على التنمية المستدامة، وتوفير المواد الرئيسية لإعادة إعمار الرقة كالحديد والإسمنت”.
ويقول: “تنصلت الجهات الراعية من دعم الطاقة، وشبكات المياه والزراعة والصرف الصحي، وركزت بدل ذلك على توزيع سلالٍ غذائية”.
ويضيف لنورث برس: “لقد تحوّلت العديد من العائلات بسبب السلال الغذائية لأناس عاطلين عن العمل وغير فاعلين”.
وثمة في الرقة 150 معملاً ومنشأة، يعمل فيها أبناء المنطقة، ولكن جميعها تفتقر للدعم والمواد الأساسية ومنها الطاقة، بالإضافة لدمار مبانيها وتحتاج إلى دعم وترميم، بحسب غرفة الصناعة في مجلس الرقة المدني.
جهات مانحة تحدد المسار
تقول مصادر في إدارة أربع منظمات محلية في الرقة، التقت بهم نورث برس، إن دعم المشاريع يتم عبر إرسال المنح المخصصة لدعم قطاع محدد من “المانح”، إلى إيميلات المنظمات المحلية والدولية أو عبر إعلانها بدائرة ضيقة في المنظمات.
في هذا السياق تفيد معلومات إضافية أن الجهات المانحة الدولية تحدد الخطوط العريضة للمشاريع التي تمولها، مع إعطاء مساحة خاصة للجهات المحلية في تنفيذ المشاريع وفقاً لرؤيتها.
وينسحب هذا الأمر على مشاريع السلم الأهلي والمساعدات الإغاثية، وفي الوقت الذي “تعمل منظمات محلية على الموازنة بين شروط المانحين ورؤيتها الخاصة، تنحو منظمات أخرى إلى التنفيذ من دون تدخل، بهدف استدامة التمويل” بحسب موظفين في منظمات محلية.
وبدورها تقوم المنظمات بتقديم مشاريعها، ضمن الخطوط العريضة التي حددتها الجهات المانحة في إعلانها، ما يعني أن الجهات المانحة تحدد سياسة الدعم بالعمل على توزيع السلّال الغذائية، بدلاً من برامج التنمية، بحسب مصادر تحدثوا لنورث برس واشترطوا عدم ذكر أسمائها خشية توقف الدعم.
ووفقاً للمصادر، هناك فِرق خاصة للمانحين تعمل في المنطقة، وتقوم بمسح وإعداد دراسات مفصّلة، لاحتياجات المناطق، ليتم تحديد القطاع الذي سيتم دعمه.
وبحسب تقارير للجنة الشؤون الاجتماعية والعمل ومكتب المنظمات في الرقة، اطلعت عليها نورث برس، فإن 14 برنامجاً للمنح، تدعم المنظمات المحلية والدولية في الرقة، تتبع لخارجيات دول أوروبية وأميركا.
القطاع الأهم “منسي”
تقول ابتسام العبد الرئيس المشارك للجنة الزراعة والري في الرقة، إن نسبة الدعم المقدم للقطاع الزراعي مقارنة مع حجم الأضرار أقل من 20 بالمئة.
وفي مكتب الري، حصلت نورث برس على جداول باحتياجاته، وبحسب الجدول يحتاج المكتب، إلى 253 ألف دولار، لإعادة تأهيل العبارات الصندوقية الواقعة على مسار قناة LMC الرئيسة في الرقة.
كما تحتاج لجنة الري إلى 198 آلة، بين أجهزة هندسية وآليات ثقيلة ومتوسطة، إضافة إلى كميات وعدد من المواد والمستلزمات السلعية التي تستخدم لقنوات ومحطات الري.
وورد في تقرير اطلعت عليه نورث برس، أن نسبة أداء شبكة التصرف الزراعي لا تتجاوز 15 بالمئة في كافة المشاريع، بسبب كثافة “الزل” و”الاطماءات”، وعدم تعزيلها منذ ما يقارب عشر سنوات.
ونتيجة لذلك خرجت مساحات واسعة في أرياف الرقة من الاستصلاح الزراعي لارتفاع نسبة تملح التربة، ووجود نسب عالية من الجبس التي تتأثر بالمياه، نتيجة انسداد قنوات تصريف المياه الجوفية، نظراً لطبيعة التربة الرملية والجبسية، لتتحول لتربة غير صالحة للزراعة بسبب تملحها، وهي ظاهرة تُعرف محلياً بـ”التسبخ أو النزاز”.
وبحسب تقرير لجنة الري فإن 203 كيلومتر من المصارف الزراعية في أرياف الرقة بحاجة “ماسة” إلى التعزيل.
بالإضافة إلى 600 كيلومتر من المصارف الرئيسية والثانوية، وتقدر تكلفة تعزيلها بمليون ونصف المليون دولار أميركي.
وفي النتيجة لم تتجاوز المبالغ التي صرفت على القطاع الزراعي نسبة 5 بالمئة مقارنة مع حجم الأضرار.
أرقام وإحصاءات
بحسب تقرير لمكتب المنظمات في مجلس الرقة المدني منذ بداية عام 2018 وحتى بداية هذا الشهر، وقّعت 20 منظمة دولية، و122 منظمة محلية 864 مذكرة تفاهم مع مكتب المنظمات في مجلس الرقة المدني.
وحصلت نورث برس على تقرير كامل حول عمل المنظمات، يظهر أنها عملت على 230 مشروعاً لتأهيل وصيانة بعض قطاعات البنية التحتية، و634 مشروعاً آخر، منها إغاثية وتنمية اجتماعية ونفسية.
ووفقاً للأرقام الموجودة في التقرير، فإن المنظمات وزّعت خلال أربع سنوات 220,232 كرت مول، و127,268كرت كاش، 996,125سلة غذائية، 63,839سلة نظافة، 8,744 سلة مأوى، 22,825 سلة كرامة للمرأة، 38,840 سلة NFI (وهي سلال غير غذائية تتضمن منظفات ومواد أخرى).
وبعملية حسابية، يبلغ إجمالي عدد السلّال خلال أربعة أعوام 1,477,873، وبضرب الرقم بالقيمة الوسطية لكل منها يصل المبلغ لأكثر من 70 مليون دولار.
ويرى “البورسان” أن الأموال التي صرفت لبطاقات المول “كافية لتأهيل مشاريع كبيرة في الرقة يستفيد منها أبناء المنطقة”.
بينما عملت المنظمات على إعادة تأهيل وتشغيل 333 مشروعاً، من مدارس، وأفران، ومراكز طبية، ومحطات وقنوات ري، ومطاحن، ومصارف زراعية، ودعم للقطاع الكهربائي، إضافة إلى تأهيل الطرق وشبكات المياه والصرف الصحي والنظافة.
وفي وقت سابق، قال خلف المطر الرئيس المشارك في لجنة التربية والتعليم في الرقة، إن 27 مدرسة في المدينة، و31 في الريف مدمرة بالكامل.
ويكلّف المتر المربع الواحد من البناء حوالي 100 دولار، ومدرسة من طابقين تتراوح مساحتها بين 1500 إلى 2000 متر مربع في الحد الأقصى، أي أن التكلفة لا تتجاوز مئتي ألف دولار، بحسب متعهد بناء.
جهات رسمية
“من سمع ليس كمن رأى” هكذا بدأ أحمد الخليل، نائب الرئاسة المشاركة لمجلس الرقة المدني، حديثه مع نورث متذكراً أيام الحرب: “كانت الرقة مدمرة بشكل كامل، المدارس والجسور وخطوط الكهرباء”.
ويقول: “ساعدت المنظمات بتقديم حالة إسعافية للسكان ضمن مِنحٍ خجولة، لكن نأمل من المنظمات أن تنتقل من مرحلة الإسعاف إلى مرحلة البناء”.
وطلب مجلس الرقة المدني في اجتماعات عديدة مع المنظمات، تقديم المساعدة في قطاع الزراعة، وصيانة المحطات، والأقنية والمساهمة في بناء مشاريع تكون مصدراً لعمل أبناء المدينة، للتخلص من البطالة التي تنعكس تأثيراتها السلبية على حياة الشباب، بحسب “الخليل”.
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.