السبت 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2022
سوريا اليوم – دمشق
تشهد سوريا عموماً، وشمال شرقي سوريا على وجه الخصوص، تراجعاً ملحوظاً في القطاع الزراعي، نقلت البلاد من مقدمة الدول المشتهرة بزراعتها نحو التراجع، جراء عوامل عدة أبرزها التأثير السياسي على الواقع الاقتصادي.
ويقول شادي أحمد، محلل اقتصادي سوري، المقيم في دمشق، في تحقيق نشرته وكالة “نورث برس” المحلية السورية (معارضة)، إن محاصيل القمح والشعير استراتيجية، لأنها تحقق اكتفاء ذاتياً، وكانت تدخل في منظومة التصدير السورية.
ويشير “أحمد” إلى أن سوريا كانت تنتج أكثر من مليون طن من القطن سنوياً، لكن ذلك تراجع كثيراً حتى وصل في السنوات الأخيرة إلى 20 و25 ألف طن.
وبالنسبة للقمح بلغت نسبة إنتاجه في عموم البلاد قبل الأزمة السورية 4,1 مليون طن تقريباً سنوياً، وتراجع الإنتاج إلى 1,2 مليون طن في العام المنصرم، ومليون وتسعمئة ألف طن تقريباً في العام الذي قبله، حسب المحلل الاقتصادي.
ويلفت “أحمد” النظر إلى أنّ منطقة الجزيرة في البلاد هي الأكثر انتاجاً للمحاصيل آنفة الذكر إضافة للشعير بنسبة 70 بالمئة.
ويعتاش على الزراعة في منطقة شمال شرقي سوريا أكثر من 75 إلى 80 % من السكان، كونها تمثل مع الصناعة، القاطرة الرئيسية للتنمية المستدامة والاستقرار المالي والاقتصادي، وتؤمن المواد الأولية للصناعة التحويلية، وكان للجفاف تأثير كبير عليها، حسب سليمان بارودو الرئيس المشارك لهيئة الاقتصاد في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
وفي 2022، استلمت شركة تطوير المجتمع الزراعي في “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، حوالي 139400 طن من القمح في صوامع الجزيرة السورية، وأكثر من 56 ألف طن في “إقليم الفرات” (تقسيم خاص بالإدارة الذاتية يشمل كوباني وصرين وريفهما).
وبنفس العام، احتلت سوريا مرتبة متقدمة ضمن قائمة أكثر اقتصادات العالم تضخماً، بعد فنزويلا والسودان ولبنان، بنسبة أكثر من 130 بالمئة، حسب موقع “تريندينع إيكونوميك” الاقتصادي.
أسباب مجتمعة للتراجع
ويضيف المحلل الاقتصادي “الزراعة التي كانت تشكل 27 بالمئة من الناتج الوطني في سوريا، تقلصت نسبتها لتصل إلى ما لا يتجاوز 16 بالمئة”.
ويرجع المحلل السبب إلى واقع الأزمة عموماً، والظروف المناخية كـ “قلة الأمطار” التي أثرت بشكل كبير، فضلاً عن الافتقار الكبير للأدوات الزراعية، والسماد ذو النوعية الجيدة جراء الحصار المفروض على البلاد، وقلة المازوت الذي يُعتمد عليه للري.
ويرى أن العام الأكثر تأثيراً هو “انعدام التخطيط الزراعي على مستوى البلاد عموماً”، ولا تعاون بين إدارة الجزيرة والسلطة المركزية في هذا المجال.
بين عامي 2009 و 2010، احتلت سوريا المرتبة الثانية عالمياً بعد الهند بإنتاج ألياف القطن العضوية، إذ بلغ الإنتاج حوالي 20 ألف طن، حسب بورصة الأقمشة العالمية.
ويوضح “أحمد” أنه في السابق كان الإنتاج يصدر لجميع دول العالم، إذ أن سوريا وصلت لمراتب متقدمة بإنتاج القطن، واحتلت المرتبة 32 عالمياً بإنتاج القمح، “كانت حاجة بلادنا نصف ما كنا ننتجه، لذا كان لدينا فائض للتصدير إلى العراق ومصر وحتى أسيا وإيطاليا التي تصنع به المعكرونة”.
خسارة الزراعة الحقيقة
ولا يحقق المزارع ربحاً أكثر من 20 بالمئة، لأن هامش الربح الحقيقي لا تحدده عوامل كتكلفة الإنتاج، فالمتحكم الحقيقي بالأسعار هو الحلقات الوسيطة بين المزارع المنتج والمواطن المستهلك، كضامني الأراضي وأسواق الهال، والتي لها النصيب الأكبر من الربح، وفقاً للمحلل.
ويتخوف “أحمد” من المخاطر الكبيرة جراء استمرار الوضع هكذا، والتي لا يتوقع أن تصل لحد “المجاعة”، نظراً لاستمرار الإنتاج، إلا أن الوفرة والأسعار التي كانت موجودة باتت من الماضي.
ولعل أبرز المخاطر التي يجد المحلل أن إماراتها بدأت بالظهور هي أن لا يعود الإنتاج الزراعي كما كان سابقاً عاملاً مؤثراً في الاقتصاد، وأن تفقد السلالات الأصيلة للزراعات التي تمتلكها سوريا، لأنها تتكاثر عاماً بعد عام بالزراعة المتكررة.
ويشير إلى أن بذرة القمح السورية عمرها 7 آلاف عام، ومثل هذه السلالات إن اختفت سنة أو سنتين ستفقد خاصيتها وجودتها، لذا يوجد ما يسمى “بنك البذور الزراعية”.
ولا يحبذ “أحمد” أن تدخل الاعتبارات والخلافات والصراعات السياسية وغير السياسية في القطاعات الاقتصادية، لأن “ذلك خسارة للجميع في نهاية الأمر”.
ويضيف: “الزراعة لم تعد تعتمد على مجهود المزارع لأنها تحقق فقط الاكتفاء الذاتي له، لكن إذا أردنا الوصول لاكتفاء ذاتي للبلاد، يجب أن يكون هناك استثمارات كبيرة ناجحة في مجال استصلاح الأراضي والري والشبكات الكبيرة جداً”.
ومن جانبه، يذكر “بارودو” لنورث برس، أن هناك مشاريع في 2023 لتحقيق الاكتفاء الذاتي عبر دعم المعامل الموجودة في منطقة شمال شرقي سوريا، وفتح خطوط جديدة لها، وإنشاء أخرى جديدة، بهدف ترشيد الإنفاق وتعظيم الإيرادات بشكل عام.
وبدوره يرى يحيى السيد عمر، وهو باحث في الاقتصادي السياسي مقيم في إستانبول، أنّ “الزراعة منخفضة التكنولوجيا كثيفة العمال، لأنها تعتمد على اليد العاملة وأي تراجع فيها يؤثر سلباً على الزراعة وبشكل مباشر”.
وفي سوريا، قل المزارعون لعدة أسباب، أبرزها الهجرة التي كانت موجودة قبل عام 2011، بشكل هجرة من الأرياف للمدن، وتحولت لخارجية يطلق عليها اللجوء، وذلك بحسب “عمر”.
ويعتبر الباحث، أن الزراعة السورية تراجعت بشكل حاد حتى وصلت لمرحلة “الانهيار”.
الليرة السورية تحتضر
وفيما يتعلق بالليرة السورية، يقول “عمر” إن الدولار الذي كان بـ 50 ليرة سورية اليوم يتجاوز الخمس آلاف ليرة سورية وهي أعلى فئة نقدية في سوريا.
ويرجع الباحث السبب لانهيار الإنتاج والتحول للاستيراد، ما يعني تراجع عرض الدولار في السوق، وارتفاع عرض الليرة السورية، نتيجة الاعتماد على تمويلها لتغطية العجز، فضلاً عن تراجع الثقة بالنظام الاقتصادي والسياسي، الأمر الذي أسفر عن تخلي الأفراد عن الليرة مقابل الدولار وهو ما يعرف بـ “الدولرة”.
ويجد “عمر” أن لارتفاع الدولار تأثير على الزراعة، لأن تكاليف الأخيرة من أسمدة وحوامل طاقة وغيرها تسعّر بالدولار، في حين أن مخرجات الزراعة ما تزال تسعّر بالليرة السورية، وهذه “خسارة محققة للمزارعين تدفعهم للعزوف عن عملهم، وإيجاد سبل أخرى للعيش”.
وتوقع “عمر” أن يستمر تراجع الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، حتى الوصول لتحسُّن اقتصادي ملموس ينعكس على زيادة الإنتاج، وذلك لن يحدث دون حل سياسي جذري للوضع العام في سوريا، وهذا لن يتحقق في المدى المنظور.
وفيما يتعلق بآثار استمرار تدني قيمة الليرة فله آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية، فهو يرفع من معدلات الفقر والبطالة والتضخم، كما يزيد من معدلات الهجرة واللجوء ويعرقل الإنتاج، وينعكس على ارتفاع الأسعار، وبالتالي تنعكس الضغوط الاقتصادية سلباً على الاستقرار السياسي، وفقاً للباحث.
ويقول: “من غير الممكن معالجة تدني قيمة الليرة حالياً، لأن جوهر الحل يكمن بزيادة عرض الدولار في السوق، وذلك يتطلب الإنتاج والتصدير وتقليل قيمة الاعتماد على التمويل بالعجز، وهذا غير متاح”.
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.