الثلاثاء 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2022
لم يكن مفاجئاً قيام نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي إيثان غولدريتش بزيارة للمنطقة واللقاء مع بعض الأطراف السورية، لطالما كانت تلك الزيارات روتينية وتعيد تأكيد المؤكد، وتعيد ترسيخ قناعات بأن الإدارة الأميركية ما تزال تهتم بالملف السوري، وأنها تسعى جاهدة لإيجاد حلول عادلة لقضيته المحقة، لكن ما لفت الانتباه بالزيارة الأخيرة هي كثافة اللقاءات وتعدد أطياف من تم اللقاء بهم، في وقت تتحضر فيه الإدارة الأميركية الديموقراطية لانتخابات نصفية قد تعصف بأكثريتها الحالية، وتنقل أحد المجلسين أو كلاهما لنفوذ الجمهوريين، مع ما يرافق هذا التغيير، إن حصل، من استبدال لرؤساء اللجان المنبثقة عن تلك المجالس.
التقى غولدريتش بوفد من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وبوفدين من الإدارة الذاتية (أحدهما لقسد والآخر لمسد)، إضافة للقاء مع رئيس الهيئة التفاوضية ورئيس الحكومة المؤقتة، وكذلك التقى الموفد الأميركي بالعاصمة القطرية الدوحة كلاً من الرئيس السابق للائتلاف الوطني الشيخ معاذ الخطيب ورئيس الهيئة التفاوضية السابق الدكتور رياض حجاب.
في إسطنبول ووفقاً لمصادر من داخل الائتلاف، أنه كانت هناك عدة أسئلة لدى قيادة الائتلاف والهيئة التفاوضية حول فحوى زيارة نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي غولدريتش بهذا التوقيت، هل هناك رسالة يحملها الموفد الأميركي؟ هل هناك خطة عمل أميركية جديدة اتجاه الملف السوري؟ هل الأمر يتعلق بنتائج الانتخابات الأميركية النصفية وتقديم وجهة نظر أخرى تتناسب مع الموازين السياسية الجديدة بواشنطن؟
تقول المصادر إن الاجتماع بين المسلط وغولدريتش لم يكن مختلفاً عن كل الاجتماعات السابقة مع المسؤولين الأميركيين من حيث تكرارهم الثوابت الأميركية بضرورة إيجاد حل سياسي لقضية الشعب السوري، ودعم عمل اللجنة الدستورية، واستمرار العقوبات الأميركية بحق أدوات النظام وداعميه من حزب الله وإيران وكل من يخرق قانون قيصر، ودعم عمل مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسن ومبدأ الخطوة بخطوة، وأكدت الخارجية الأميركية: “التزام الولايات المتحدة بعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254″، مشدّدة على “الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار على الصعيد الوطني”.
لكن كل ما سبق ليس بجديد، والجديد كان بسؤاله عن موقف الائتلاف من الأحداث الأخيرة بالشمال السوري، والاقتتال الذي حصل في عفرين ومحيطها بعد العملية العسكرية التي قام بها تنظيم هيئة تحرير الشام الموجود على قوائم الإرهاب الدولية، ضد منطقة غصن الزيتون، مؤكداً رفض واشنطن لسيطرة الجولاني على تلك المناطق، ومؤكداً على ما ورد بتغريدة السفارة الأميركية بدمشق، واستفسر غولدريتش أيضاً عن نتائج اجتماع قادة الفصائل مع الجانب التركي في مدينة غازي عنتاب عقب عملية الجولاني؟
بالتأكيد الموفد الأميركي لم يكن ينتظر جواباً وهو القادر على إحضاره من مصادره الحقيقية، وهو العارف أن مؤسسة الائتلاف بعيدة كل البعد عن الملف العسكري بشقيه الميداني والبروتوكولي، وأنه يستقي معلوماته عن الحراك المسلح عبر وسائل التواصل الاجتماعي كبقية السوريين، لكن يبدو أن الموفد الأميركي أراد بسؤاله إحراج الائتلاف وتذكيره بواجباته وتقصيره وابتعاده عن ملفات تخص حياة السوريين.
من جهته الائتلاف عبر عن فحوى اللقاء على لسان رئيس الائتلاف الشيخ سالم المسلط بالقول: بحثنا مع المبعوث الأميركي إيثان غولدريتش ضرورة تفعيل ملف المحاسبة الدولية لمجرمي النظام، وأهمية دور الولايات المتحدة في دعم وتسريع الانتقال السياسي في سوريا وفق القرارات الدولية، وأنه بحث مع المبعوث أهمية إيجاد ضغط دولي حقيقي لإطلاق سراح المعتقلين من سجون النظام السوري، والتعاون الدولي من أجل تخليص سوريا من الإرهاب والميليشيات الطائفية، وعصابات المخدرات التي يقودها النظام السوري لإغراق المنطقة بها، وضرورة العمل على طرد إيران وروسيا من بلادنا، وكان رئيس “الحكومة السورية المؤقتة” عبد الرحمن مصطفى، قد أجرى لقاءً مع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا إيثان غولدريتش، ناقشا خلاله آخر التطورات في الشمال السوري (سيريا نيوز).
من جهته قال الدكتور بدر جاموس رئيس الهيئة التفاوضية بتصريح خاص عقب لقاءه بالمبعوث الأميركي غولدريتش: لحظنا بالاجتماع أن الولايات المتحدة لم تغير مواقفها حيال النظام، والتأكيد على عدم وجود تطبيع أو رفع للعقوبات بدون عملية سياسية وحل سياسي مقنع للسوريين.
في لقاءات الدوحة التي قام بها نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي غولدريتش، ووفقاً لمصادر مقربة من الشيخ معاذ الخطيب والدكتور رياض حجاب، أكدت أن اللقاءات الأميركية معهما عادة ما تكون دورية، ولدى قرب أي استحقاق هام للقضية السورية لما تشكله تلك الشخصيات من أوزان سياسة هامة لدى شرائح كبيرة من السوريين ولدى الأميركان أيضاً، وأكدت المصادر أن اللقاء الأخير معهما وبشكل منفرد، يأتي في إطار التحضير الأميركي للاستحقاق الانتخابي وإطلاع الأطراف على المستجدات، وأن الشيخ معاذ والدكتور رياض يشكلان موقعاً مهماً للأميركان في أي خطة جديدة حيال الملف السوري، وأن هناك نصائح يتم تبادلها، لكن بتقاطع المعلومات لما دار في اجتماع الموفد الأميركي في شمال شرقي سوريا وحسب المتوقع (وليس المؤكد) في اجتماعات الدوحة، يبدو وكأن هناك ربط بمضمون الاجتماعين وتحفيز أميركي لفتح أقنية تواصل بينهما وبين قيادة مسد في شرقي الفرات.
في الخامس من الشهر الحالي كان هناك اجتماع بين المبعوث الأميركي غولدريتش وبين قيادة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” حضره كلاً من بدران جيا كرد ونائب الرئيس المشترك فنر الكعيط وروبيل بحو وعضو الهيئة الإدارية كلستان علي، وبهذا الاجتماع تم مناقشة وضع منطقة شرقي الفرات ومخيمات اللجوء المتواجدة فيها، وتأكيد “قسد” على ضرورة ترحيل “الدواعش” الأجانب من مخيمات وسجن غويران، وتم طرح ونقاش عمل الطائرات المسيرة التركية التي تستهدف استقرار المنطقة، كما تم مناقشة الملف الاقتصادي لشرقي الفرات، وطالبت قيادة “قسد” بتقديم دعم عسكري لقواتها من أجل إنهاء ما تبقى من خلايا نائمة لتنظيم “داعش”، وتم التطرق لموضوع سجناء التنظيم وإمكانية تشكيل محكمة لهم إما في محاكم دولهم بعد استعادتهم من سجون قسد، أو عبر تشكيل محكمة جامعة داخل الأراضي السورية لمحاكمة عناصر التنظيم ممن ترفض دولهم استقبالهم وإعادتهم لأراضيها.
غولدريتش وفق مصادر خاصة، قال إن أميركا تعد خططاً طويلة الأمد تجعل المنطقة أكثر أماناً، وتلحظ بشكل خاص التنسيق مع الجانب التركي لإنهاء عمل طائراتها المسيرة في سماء شرقي الفرات، مؤكداً أن الخطط تشمل مكافحة “داعش” ونشاط إيران بمنطقة شرقي الفرات، وكذلك الخلايا النائمة التي تم كشفها مؤخراً من بعض العشائر والتي يقف خلف تجنيدها وتشغيلها الحرس الثوري الإيراني وبعض عملاء إيران في شرقي الفرات، وارتباط خلايا إيرانية مع تنظيم “داعش” في مناطق البادية السورية وشرقي الفرات، خاصة بعد الوثائق التي تحصل عليها التحالف الدولي وتثبت علاقة إيران بتجنيد خلايا إرهابية للعمل ضد الوجود الأميركي في شرقي الفرات، إضافة لوثائق أخرى تثبت علاقة إيران مع تنظيم “داعش”، وإسنادها مهمة للتنظيم لضرب الاستقرار في مناطق شرقي الفرات، وقال إن الإدارة الأميركية خصصت ميزانية مالية لدعم الاستقرار في المنطقة، وأنهم سيزيدون من دعمهم للمخيمات التي تأوي النازحين في شرقي الفرات.
الاجتماع الثاني كان الأهم، وكان مخصصاً للقاء غولدريتش مع قيادة مجلس سوريا الديمقراطية “مسد” واللقاء مع إلهام أحمد، وفيه نوقشت قضايا مستقبل المعارضة السورية، وأنه بظل صعوبة عقد لقاءات لقسد ومسد مع الجيش الوطني والائتلاف، فهناك ضرورة وحاجة لعقد لقاءات بين شخصيات معارضة مستقلة لا تنتمي لمؤسسات المعارضة الرسمية الحالية (ملمحاً لإمكانية تغييرات مستقبلية ببنية وتشكيل أجسام المعارضة الحالية)، وأكد المسؤول الأميركي على ضرورة عقد لقاء بين إلهام أحمد وبين مسؤول بالمعارضة السورية مقترحاً اسم (ر.ح) والاجتماع به بأسرع وقت ممكن وأن ضرورة عقد اللقاء بينهما ستكون وفقاً للقرار 2254 ومفرزاته، ويبدو أن الجانب التركي قرأ رموز الزيارة الأميركية لشرقي الفرات إن لم يكن أيضاً علم بمحتواها، فقامت طائرات البيرقدار المسيرة التركية بقصف مواقع وعربات لقوات قسد أثناء وجود الموفد الأميركي في المنطقة وقتلت أحد القياديين، برسالة واضحة المعالم من أنقرة لواشنطن، فكانت عملية القصف فرصة لقيادة مسد بالشكوى للمسؤول الأميركي من هجمات المسيرات التركية، والطلب من واشنطن ممارسة نفوذها لدى الجانب التركي لوقف تلك الهجمات التي تعكر استقرار المنطقة وتمنع تحركات قسد في مواجهة تنظيم “داعش” والخلايا النائمة لإيران (وفقاً لوجهة نظر قيادة مسد).
البعض قرأ زيارة المبعوث الأميركي على أنها مسعى لتشكيل جبهة موحدة من شرق وغرب الفرات ضد نظام الأسد، لطالما حاولت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الدفع نحو مفاوضات كردية_كردية تمهيداً لخطة تلحقها باجتماعات ومفاوضات بين الائتلاف وقيادة قسد ومسد، لكن كل تلك الجهود كانت تفشل لأنها تحتاج لتوافق مسبق بين واشنطن وأنقرة، وهو أمر عصي بالوقت الحالي، والبعض الآخر لا يرى بتلك الزيارات سوى جولات إعلامية لإظهار اهتمام واشنطن بالملف السوري خاصة مع اقتراب الانتخابات النصفية؟ وكلاهما مصيب لكن المرجح وبعد أحداث الجولاني بالشمال أن تدفع واشنطن نحو تغيرات بنيوية في جسم المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، وهذا يتطلب اجتماعات مكثفة وتنسيقاً خاص مع المملكة العربية السعودية وتركيا، إذا ما أرادت واشنطن بالتعاون مع بعض عواصم المنطقة السعي لكسر الجمود السياسي للحل السوري في ظل تشابكات أميركية روسية في أوكرانيا، وأميركية إيرانية في الملف النووي الإيراني في فيينا، لكن المعضلة الأميركية اليوم هي بإصرار موسكو على نزع علم الأمم المتحدة عن طاولات المفاوضات السورية بعد جرها لعواصم غير محايدة، إضافة لتساؤل أميركي بات يتردد صداه: ماذا لو رفض النظام حضور المفاوضات؟؟ ماهي أدوات الضغط لدى المعارضة وأصدقاء المعارضة حيال هذا المأزق فيما لو حصل؟
المصدر: نورث برس
- أحمد رحال كاتب سوري
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.