السبت 12 آب/أغسطس 2023
مشهد سوريا اليوم رسمت معالمه قوتان رئيسيتان هما: النظام وحلفاؤه من جهة، والمجموعات المسلحة وداعميها من جهة أخرى، وهي معالم لم تستقر بعد من جراء استمرار الصراع بينهما. وحتى ما تم التوصل إليه عبر مسار أستانا من تحديد لمناطق خفض التصعيد أو التوتر، لا يعدو كونه نوعاً من الاعتراف بأن سوريا الدولة والمجتمع قد تغيرت كثيراً بحيث صارت لا تشبه نفسها قبل الأزمة. سوريا اليوم صارت موزعة إلى مناطق نفوذ شبه متبلورة، منطقة نفوذ أمريكي في الشمال الشرقي محمولة على قوات سوريا الديمقراطية وحلفائها، منطقة نفوذ تركية في الشمال الغربي من سوريا، محمولة على مجموعات متطرفة وإرهابية غير مستقرة، ومنطقة نفوذ روسية إيرانية محمولة على النظام السوري، يضاف إليها منطقة الاحتلال الإسرائيلي. بطبيعة الحال ليست مناطق النفوذ هذه على المستوى ذاته، من الناحية السياسية، ولا من ناحية دورها في صوغ شكل سوريا في المستقبل.
فيما يخص منطقة النفوذ الروسي الإيراني وهي المنطقة الأهم ليس فقط من ناحية عدد السكان المتواجدين فيها، وشمولها للمدن السورية الرئيسة، بل أيضاً من ناحية ما تمتلكه من عوامل القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية. أضف إلى ذلك أن النظام في هذه المنطقة هو قوة حقيقية سوف يستخدم لمقاومة أي مطلب يتعلق بتغيير تكوينه السياسي الأمني، أو يحد من سلطته. لقد استخدم النظام هذه القوة في محادثات مسار جنيف، بدعم قوي من إيران التي تحسب قضية بقاء النظام قضيتها، وهي لن تتساهل بشأنها لاعتبارات استراتيجية تتعلق بالمجال الحيوي لنفوذها.
من جهة ثانية فإن كلّاً من النظام وإيران بحاجة حيوية للدور الروسي، وبالتالي لا يمكنهما تجاهل مصالح روسيا الاستراتيجية في سوريا، وهي ليست بالضرورة متطابقة مع مصالح إيران، ولا مع مصالح النظام ذاته. روسيا بلا شك استفادت من الأزمة السورية لكي تعوّم نفسها كقوة عظمى على المسرح الدولي، بعد الإهانات السياسية التي ألحقتها أمريكا بها في البلقان وليبيا وجورجيا، وكان أول رد اعتبار لها بهذا المعنى، وفي هذا السياق تدخلها في جورجيا، وفي سوريا، وفي أوكرانيا، وهذا ما وجّه رسائل واضحة تجاه كل من يحاول المسّ بالمصالح الروسية، وأن لا تساهل بعد الآن في كل ما له علاقة بهذه المصالح.
وإذا كانت إيران ومعها النظام السوري، على الأرجح، سوف يقاومان إلى النهاية أي احتمال لإجراء تغييرات أساسية في بنية النظام السياسي في سوريا، تحوله من نظام استبدادي شديد المحافظة، متمركز حول الرئيس، إلى نظام منفتح على خيارات ديمقراطية يمكن أن تفتح احتمالات للتعددية السياسية ولتبادل السلطة سلمياً عبر صناديق الاقتراع، فإن روسيا لديها رؤية مختلفة بعض الشيء، تلحظ ضرورة انفتاح النظام على إجراء تغييرات حقيقية في بنيته.
تعتقد روسيا أن ضمان مصالحها وحمايتها على المدى البعيد في سوريا لا يضمنها النظام الحالي، فهو نظام آيل إلى الزوال في المستقبل. وهي إذ ترى ضرورة استمرار رأس النظام فذلك بهدف الحفاظ على تماسك الدولة، فهو اللاحم الأكبر والأقوى لهوياتها الصغرى، وكذلك لأجهزتها وبصورة خاصة للجيش والأجهزة الأمنية، التي تشكل العمود الفقري لبقاء السلطة المركزية. إن إزاحة الرئيس في هذه الظروف، بحسب القيادة الروسية، سوف يعني انهيار الدولة وفشلها كما حصل في ليبيا وفي اليمن ويحصل اليوم في السودان. من هذا المنطلق رفضت روسيا أية دعوة لإزاحة الرئيس في بداية أية عملية تسوية للأزمة، كما كانت تطالب بذلك دول إقليمية وبعيدة، وترجع صداه بعض قوى المعارضة السورية، وبصورة خاصة معارضة ما يسمى بمنصّة الرياض وهيئتها العليا للمفاوضات. ورفضت موسكو أيضاً أية عملية انتقال سياسي تفضي إلى إزاحته من رأس السلطة والنظام، بل على العكس كانت ترى ولا تزال بضرورة قيادته لأية عملية إصلاح سياسي محتملة في المستقبل. لهذه الاعتبارات تركز روسيا في كل نشاطها السياسي المتعلق بالأزمة السورية على ضرورة أن يجري التغيير السياسي بصورة بطيئة، يبدأ بتوافق السوريين على دستور جديد، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تقود مرحلة انتقالية يتم الاتفاق عليها أيضاً، حتى موعد الانتخابات القادمة، التي سوف يكون من حق الرئيس أن يرشّح نفسه فيها.
من الواضح أن الرؤية الروسية بدأت تحظى بقبول أطراف دولية عديدة، فلم يعد يحظى مطلب إزاحة الرئيس في بداية أية عملية سياسية بالأولوية في كل من فرنسا وبريطانيا وأمريكا، وهي دول فاعلة في الأزمة السورية. وذهب الرئيس الفرنسي الجديد، ماكرون، أبعد من ذلك إذ وجد في بقاء الرئيس السوري في موقعه ضرورة لئلّا تتحول سوريا إلى دولة فاشلة. يلاحظ الأمر ذاته بالنسبة للسعودية وبقية الدول العربية التي طبّعت علاقاتها معه، وكذلك لتركيا وغيرها من الدول.
المصدر: نورث برس
- منذر خدام كاتب سوري
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.