الجمعة 5 نيسان/أبريل 2024
إيران أمام معضلة خطيرة بعد اغتيال إسرائيل لعدد من قادة “الحرس الثوري” داخل مبنى لقنصليتها، في دمشق: إذا لم تَرد، يعني قبولها بتجاوز تل أبيب لـ”خط أحمر” والاستعداد لاختراق جديد، لكن في الوقت نفسه، هي التي تمسكت بـ”الصبر الاستراتيجي” لا تريد الذهاب إلى حرب شاملة.
الاستشارات في طهران والاتصالات الدبلوماسية غير المعلنة ترمي إلى الجمع بين أمرين: الرد وتجنب المواجهة الشاملة. ماهي المناطق الممكنة لـ”الانتقام” الإيراني؟
الانتقام من أميركا
على عكس قرار الرئيس دونالد ترمب باغتيال قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني في بغداد بداية 2020، فإن إدارة جو بايدن نأت بنفسها عن قرار إسرائيل اغتيال الشخص الثاني في “الفيلق” العميد محمد رضا زاهدي، سواء لجهة المشاركة في الهجوم الذي نفذته طائرات “إف-35” أو بتقديم المعلومات الاستخباراتية.
بعد اغتيال سليماني، انتقمت إيران بقصف مواقع أميركية في العراق، لكن الرد كان “محسوبا ومدروسا” من باب “حفظ ماء الوجه” وبعلم طهران وواشنطن، وفق ما أعلنه ترمب ومسؤولون آخرون.
الآن، يفترض أن لا تكون المواقع الأميركية في الشرق الأوسط ضمن ساحة نطاق الرد الإيراني. لكن بعد رد إسرائيل على هجوم “7 أكتوبر” الذي شنته “حماس”، تقصدت تنظيمات موالية لإيران استهداف مواقع أميركية في سوريا والعراق، إضافة إلى استهداف الحوثيين لممرات التجارة الدولية والناقلات في البحر الأحمر.
وقد تقرر طهران تشجيع فصائلها أو عدم لجمها، لتنتقم من أميركا في سوريا والعراق للضغط على إدارة بايدن ودفعها لاستعجال قرارات الانسحاب وجعل اليد الإيرانية الأعلى في بغداد، خصوصا مع قرب زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى واشنطن يوم 15 من الشهر الجاري. بمعنى، قد تستثمر الصفعة الإسرائيلية للحصول على تنازلات أميركية.
الجولان
نظريا، يفترض أن يكون الرد الإيراني على ضربها في سوريا، بالانتقام المباشر من إسرائيل عبر سوريا. هذا يعني أن تسمح لتنظيماتها باستهداف إسرائيل بمسيرات أو صواريخ من الجولان السورية. لكن تقف أمام هذا الخيار تحديات كبيرة، هنا بعضها:
أولا، لا يبدو أن دمشق بصدد الانخراط المباشر في المواجهة الإسرائيلية- الإيرانية. كان هذا واضحا منذ حرب غزة. باستثناء البيانات الرسمية والإدانات، لم تحصل تطورات عسكرية كبيرة عبر جبهة الجولان.
ثانيا، تنتشر قوات روسية قرب الجولان منذ الاتفاق الأميركي – الروسي الشهير قبل ست سنوات الذي قضى بتخلي أميركا والغرب عن المعارضة السورية مقابل دخول الجيش السوري إلى الجنوب وإبعاد ميليشيات إيرانية منها. لن تكون موسكو مهتمة بتطورات في هذا المستوى خصوصا أنها كانت قد تدخلت لمنع استخدام إيران لجبهة الجنوب السوري ضد إسرائيل. على الأغلب، موسكو تريد أن تبقى طهران ضعيفة وبحاجة لها في سوريا، كما أن موسكو بحاجة لطهران في حرب أوكرانيا.
ثالثا، هناك “القوات الدولية لفك الاشتباك” (أندوف) التي عادت للعمل بتفاهم أميركي– روسي. صحيح أن إسرائيل اخترقت أكثر من مرة اتفاق “فك الاشتباك” الدولي الموقع في مايو/أيار 1974، وأن تل أبيب ضربت أصول معاهدة فيينا للعمل الدبلوماسي باستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، لكن حصول هجوم عبر خط فك الاشتباك في الجولان، سيشكل تطورا كبيرا له تداعياته الجيوسياسية والأممية.
الجنوب السوري ومظاهرات الأردن
منذ بدء حرب غزة قبل ستة أشهر، حاولت إيران تهديد الأمن القومي للأردن الذي تعتبره دول عربية أيضا خطا أحمر. حصل هذا عبر إرسال ميليشياتها جنوب سوريا (والعراق) أسلحة ومسيرات وذخائر إضافة إلى المخدرات عبر حدود الأردن. واضح أن مستوى آخر من التهديد دخلت طهران وميلشياتها فيه. ظهر هذا مجددا في دعم إيران وتنظيماتها للمظاهرات الأخيرة في الأردن. كانت طهران تريد أن تقول إنه في حال كان الهدف إحداث تحول استراتيجي وأن تخسر “حماس” في غزة، فإنها ستسعى للضغط على عمان والقاهرة لمنع خسارتها الورقة الفلسطينية.
وقد تسعى تنظيمات إيرانية لاستغلال الهجوم على القنصلية بدمشق لاستهداف قاعدة التنف على جانبي الحدود السورية- الأردنية خصوصا أن خطاب طهران يصفها بأنها “محطة تجسس إسرائيلية” وسهلت ملاحقة تل أبيب لإيران في سوريا.
جنوب لبنان
“حزب الله” هو الحليف الأبرز لإيران، وهو لاعب أساسي في “محور الممانعة”، لكنه لم يخض حربا شاملة نصرة لحركة “حماس”، شريكته في الحلف، بعد حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة. حافظ على مستوى من التصعيد رغم الضربات الإسرائيلية المؤلمة التي تعرض لها من قبل إسرائيل باغتيال قيادات وخبراء لديه وتجاوز تل أبيب لـ”قواعد الاشتباك” على جانبي الحدود وتوسيع مسرح الغارات إلى العمق اللبناني.
وفق هذه المعادلة، كيف يمكن لإيران أن تنتقم عبر “حزب الله” من دون جره إلى حرب شاملة، يبدو أنه لا يريدها إلى الآن؟ واضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كأنه يبحث عن حرب في الشمال، هل يمكن أن يوجه الحزب ضربة انتقامية لمقتل المسؤول الأول في “الحرس الثوري” الإيراني عن العلاقة مع الحزب والفصائل الفلسطينية، دون الوقوع في “فخ نتنياهو”؟
“حرب السفارات”
سبق أن شنت إيران وتنظيمات محسوبة عليها هجمات ضد سفارات غربية أو إسرائيلية. تحدثت تقارير كثيرة عن ضربات غامضة في العقود السابقة لبعثات دبلوماسية في بقاع الأرض الواسعة من بيروت إلى أفريقيا ومن أوروبا إلى أميركا الجنوبية.
وقد يكون أحد الخيارات الانتقامية إطلاق “حرب سفارات” وشن عملاء لإيران هجمات ضد دبلوماسيين إسرائيليين في العالم، باعتبار أنه من ذات الطينة وبكلفة أقل قياسا على الخيارات الأخرى، لكن هذا المسار الانتقامي يتطلب وقتا وترتيبات وظروفا مناسبة.
“الصبر الاستراتيجي”
الخيار الأخير أن تواصل طهران خيار “الصبر الاستراتيجي” كما تعاملت مع الضربات السابقة. تعرضت لهجمات في قلب طهران سواء خطف الأرشيف النووي واغتيال علماء أو مسؤولين داخل إيران وقياديين من “الحرس” في سوريا والعراق، لكنها التزمت ما تسميه “الصبر الاستراتيجي”، على اعتبار أنها تضع الأولوية لمد نفوذ بالتسويات والاختراقات والميليشيات في العالم العربي، وتواصل العمل على البرنامج النووي مع رهان على عامل الوقت والتغييرات الحاصلة في العالم والإقليم.
أي: معادلة الاستعجال بتوجيه الضربات الاستباقية للمصالح العربية في المحيط المجاور، والتريث و”الصبر الاستراتيجي” أو “حرب الظل” عندما يتعلق الأمر بأميركا وإسرائيل.
استطرادا، فان السوريين ضحايا “حرب الظل”. اسرائيل لم تقل إن “غارات القنصلية” استهدفت بناء يضم طابقين يسكن فيهما ستة مدنيين سوريين قتلوا بالقصف. ايران، لم تقل إن “الحرس” كانوا يقيمون في بناء مدني يسكن فيه ستة سوريين قتلوا بقصف القنصلية.
المصدر: المجلة
- إبراهيم حميدي كاتب سوري
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.