الخميس 5 كانون الأول/ديسمبر 2024
سوريا اليوم – واشنطن
كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الولايات المتحدة قدمت عروضاً لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، مقابل التخلي عن تحالفه مع إيران وإغلاق خطوط إمداد الأسلحة، مشيرة إلى أنه مع التطورات الأخيرة في سوريا تصبح محاولات قطع العلاقات بين دمشق وطهران “أقل احتمالاً”.
وفي تقرير لها، قالت الصحيفة إن سوريا تعرضت، على مدى الأشهر الماضية، لقصف إسرائيلي متصاعد، في وقت كانت فيه الولايات المتحدة ودول الخليج العربي “تتودد للنظام السوري دبلوماسياً خلف الكواليس، في نهج سري ومزدوج، بهدف الضغط على الأسد لحمله على التخلي عن تحالفه مع إيران وحزب الله”.
وأضافت الصحيفة أن “المبادرات تجاه الأسد، كانت نتاج ما رأته إسرائيل وحلفاؤها فرصة نادرة، ولكنها مع ذلك محفوفة بالمخاطر، مع تفكك الشبكة الإقليمية الإيرانية تحت وطأة الهجوم الإسرائيلي”، موضحة أن إسرائيل وحلفاءها “كانوا يأملون في إجبار الأسد على الخروج من التحالف مع إيران”، بحسب ما ترجم ونقل موقع تلفزيون سوريا (معارض) اليوم الخميس.
ووفق مسؤولين أميركيين سابقين ودبلوماسيين أوروبيين ومسؤولين إسرائيليين تحدثوا إلى “نيويورك تايمز”، فإنه “مع تزايد التحديات التي تواجه نظام الأسد، تصبح محاولات قطع العلاقات بين النظام السوري وإيران أقل احتمالاً”.
وقالت المصادر إنه “على الرغم من أن شركاءه التقليديين أصبحوا ضعفاء جداً، إلا أنه من المتوقع أن يصبح الأسد أكثر إحجاماً عن التخلي عن إيران وحلفائها، الذين ما يزالون يشكلون أفضل رهان له للقتال مرة أخرى من أجل بقاء نظامه”، مشيرة إلى أن الهجوم على حلب دفع إيران وروسيا إلى “إصدار تعهدات جديدة بمساعدة الأسد، مما يشير إلى أن التحالف سوف يتحدى محاولات حله”.
ونقلت الصحيفة عن المسؤول السابق في البيت الأبيض والخارجية الأميركية، أندرو تابلر، قوله إن “الجهود الإقليمية الطويلة الأجل، التي تهدف إلى إجبار الأسد تدريجياً على التحول، تبدو الآن غير محتملة دون إظهاره استعداده للانفصال الصعب عن إيران”.
وأضاف المسؤول الأميركي السابق أنه “كيف يمكنه أن يفعل ذلك في ظل الظروف الحالية؟ إيران أصبحت الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى لبقائه في السلطة”.
إسرائيل لم تتمكن من قطع خطوط إمداد “حزب الله” عبر سوريا
وقالت “نيويورك تايمز” إنه قبل تقدم فصائل المعارضة السورية المسلحة، صعدت إسرائيل هجماتها على سوريا لأسابيع، حيث ضربت كل مكان من العاصمة دمشق إلى مدينة تدمر، في عمليات تستهدف إيران و”حزب الله” وحلفاءهما، بهدف “إثبات أنها لن تتسامح مع أي تهريب للأسلحة من سوريا إلى لبنان”، وفق ما قال أحد المسؤولين الإسرائيليين.
وأضاف المصدر أن “هذا النهج كان به خلل كبير”، موضحاً أنه “حتى مع عملياتها المكثفة، لم تتمكن إسرائيل من إغلاق خط الإمداد من إيران إلى حزب الله، والذي يشمل مئات الكيلومترات من الحدود المخترقة، والأنفاق السرية، وحلقات التهريب، والجماعات المسلحة”.
وأشار المصدر إلى أنه “لهذا السبب، استندت الجهود الدبلوماسية التي بذلتها إسرائيل في حملتها العسكرية، بوساطة الولايات المتحدة وقادة دول في الخليج العربي، الذين يتوقون أيضاً إلى تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة”.
ماذا تضمنت عروض واشنطن للأسد؟
ووفق مصادر “نيويورك تايمز”، ركزت العروض على المساعدات الاقتصادية الخليجية، وانسحاب القوات الأميركية المنتشرة شمال شرقي سوريا، بالإضافة إلى خطط لرفع أو تقليص العقوبات الأميركية ضد النظام السوري.
وقال الباحث مالك العبدة إن الوسطاء “قدموا عروضاً للأسد مفادها أن: حليفتك إيران أصبحت ضعيفة، لذلك اسمح لنا بالدخول”، مضيفاً أن “دفع الأسد إلى القيام بذلك يتطلب تحولاً أكثر دراماتيكية في ميزان القوى”.
وذكر مسؤولون أميركيون وأوروبيون للصحيفة أن “الجهود التي تبذلها دول الخليج، وخاصة الإمارات العربية المتحدة، لمحاولة إبعاد الأسد عن حلفائه الإقليميين ليست جديدة”، مشيرين إلى أن “القنوات الخلفية التي أنشئت في السابق للمفاوضات، والتي يتوسط فيها مسؤولون خليجيون، وخاصة الإمارات، يتم استخدامها مرة أخرى”.
وحذّر دبلوماسيون وخبراء إقليميون من أن استمرار القصف الإسرائيلي لمحاولة إبعاد الأسد عن إيران، في وقت يواجه فيه تقدم المعارضة في شمالي البلاد “يهدد بتصعيد العنف الذي قد يطلق العنان للفوضى التي قد تمتد تداعياتها إلى ما هو أبعد من سوريا”.
روسيا والحد من نفوذ إيران في سوريا
وقال مسؤولان إسرائيليان إن إسرائيل “تحتاج إلى حكومة مركزية قوية في سوريا، لتنفيذ خطتها للضغط على الأسد، وقطع طرق الإمداد من إيران إلى لبنان”، وأضافا أن إسرائيل والولايات المتحدة “تواصلان جهودهما، لكن فرص نجاح هذه الخطة تبدو متضائلة أكثر”.
وذكر دبلوماسيان أوروبيان أن إسرائيل تضغط أيضاً للحصول على المساعدة من روسيا، التي تعتبر الحليف العسكري الأكثر أهمية للأسد، والذي هو بدوره يشكل أهمية بالغة لموسكو، بسبب ميناء المياه الدافئة الذي تشغله على الساحل السوري.
وأوضح المصدران أن موسكو “قامت بمحاولات للحد من النفوذ الإيراني في سوريا، من خلال زيادة الدوريات في جنوبي البلاد بالقرب من الحدود الإسرائيلية، ومنع الميليشيات المدعومة من إيران من العمل هناك”، مشيرين إلى أن “معظم الخبراء الإقليميين رأوا أن هذا غير مجدٍ، حيث ما تزال الميليشيات المتحالفة مع إيران تعمل على طول الحدود الجنوبية لسوريا”.
ولفتت “نيويورك تايمز” إلى أن “العلاقات بين روسيا وإيران معقدة، حيث تتنافس الدولتان على الموارد في سوريا، في حين تعتمد روسيا على إيران في الحصول على تكنولوجيا الطائرات المسيّرة الرخيصة لحربها في أوكرانيا، وفي الحصول على المساعدات في العمليات العسكرية لدعم الأسد، وهو الدور الذي أصبح أكثر أهمية مع تعرضه لضغوط متجددة من جانب المعارضة”.
إيران تستطيع تهديد النظام من الداخل
في مقابل ذلك، قال مالك العبدة إن روسيا “تعلم جيداً أنه من دون وجود قوات إيرانية على الأرض، فإن سوريا ستكون تحت سيطرتها”، مضيفاً أن الأسد “لا يعتمد على إيران وحزب الله عسكرياً فحسب، بل مالياً أيضاً”.
وذكرت مصادر أخرى أن النفط الذي تقدمه إيران للنظام السوري، في تحدٍ للعقوبات الدولية، لا يدعم الاقتصاد السوري فحسب، بل يدعم أيضاً شبكات السوق السوداء التي يستفيد منها العديد من شخصيات النظام السوري.
ويشارك العديد من القادة العسكريين والميليشيات المتحالفة مع النظام السوري بشكل كبير في الإنتاج المربح لمادة “الكبتاغون” المخدرة، التي هي تجارة مزدهرة تسهلها شبكات مرتبطة بحزب الله والميليشيات المدعومة من إيران.
وأكد الدبلوماسيون أن “هذه الشبكات غير المشروعة والسرية تجعل من الصعب على دول الخليج العربية إغراء نظام الأسد بالمساعدات وأموال إعادة الإعمار”.
وقال مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إميل هوكاييم، إنه “حتى لو أراد الأسد أن يحاول فك تشابك شبكات المحسوبية والأمن هذه، فإنه قد لا يتمكن من ذلك”.
وأوضح الباحث أنه “من المحتمل أن الأسد لا يعرف جيداً من هم الأشخاص في دائرته الأولى والثانية الذين يعملون في جيوب إيران أو روسيا”، مؤكداً أن إيران “ما تزال جزءاً لا يتجزأ من العديد من الأجهزة الأمنية والميليشيات، ويمكنها تهديد النظام من الداخل”.