الجامع الأموي هو شاهد على خلود الثقافة الإسلامية على مر العصور، ورمز من رموز النهضة العمرانية والدينية، يتوسط مدينة دمشق في بقعة تنبض حجارة شوارعها بالحضارة، حتى تخال نفسك في بقعة تتآخى فيها الأديان السماوية مع الحضارة البشرية، إنه جامع بني أمية الكبير المعروف باسم الجامع الأموي النقطة العلامة في سوريا الذي يقصده الجميع من مختلف أنحاء العالم للتمتع بتفرده العمراني والثقافي والديني!
يقع الجامع وسط مدينة دمشق القديمة، يحده جنوباً حي البزورية وغرباً سوق الحميدية وشرقاً مقهى النوفرة، وشمالاً غرباً المدرسة العزيزية وضريح صلاح الدين الأيوبي، يمتد على مساحة 15.7 كيلومتر مربع، ويحتوي ثلاثة مآذن أشهرها مئذنة العروس التي بقيت نموذجاً للمآذن الإسلامية في بلاد الشام وشمال أفريقيا حتى القرن 12 الميلادي، وأربعة أبواب تطل ثلاثة منها على صحن المسجد في حين يفتح الرابع على حرم المسجد.
ويتكون حرم الجامع الأموي من ثلاث أجنحة طويلة ورابع عمودي، ويحيط به 22 نافذة موزعة على الجدارين الجنوبي والشمالي، إضافة لنوافذ موجودة في جناح المجاز، والمطلاة جميعها بالزجاج المعشق، ويمتد صحن الجامع على مساحة طولها 132 متراً وعرضها 50 متراً، فيه ثلاث قباب صغيرة: قبة الخزنة وهي بناء مثمن الأضلاع يرفعه عن الأرض 8 أعمدة يعلوها تيجان كورنثية، وقبة الساعات في الجهة الشرقية، وقبة الوضوء التي تعلو مكان الوضوء.
نقوش عريقة على شكل رسومات نباتية ملونة ضمتها جدران وأعمدة وسقف الجامع، والتي شكلت أول أسس فن الزخرفة الإسلامي كالقيشاني والعجمي والمعشق والخط العربي والتيجان الكورنيثية، إضافة للآيات القرآنية التي تزين جدران وزوايا المسجد، إضافة لوجود لوحات فسيفساء رخامية وزجاجية كبيرة منها مصور يظهر نهر بردى محاطاً بالبيوت والمنازل والقناطر والأشجار، ليكون بذلك تحفة عمرانية وأثرية قل نظيرها.
روايات عديدة يطرحها المؤرخون حول ولادة الجامع الأموي، منها من يقول إن أبو عبيدة الجراح وحين دخوله دمشق فاتحاً عام 634 ميلادي، حول النصف الشرقي من الكنيسة لمسجد، في حين أبقى القسم الغربي للمسيحيين بحسب شروط الصلح التي تم الاتفاق عليها، ليأتي لاحقاً الوليد بن عبد الملك الذي استحوذ على هذا القسم بعد مفاوضات مع المسيحيين، وقام بهدم الكنيسة والمسجد الذي بناه أبو عبيدة، وأقام المسجد الأموي عام 706 ميلادي.
رواية أخرى تطرح نظرية أن الجامع كان عبارة عن معبد وثني قديم قام الإمبراطور ثيودور بتحويله لكنيسة كنيسة القديس يوحنا عام 379، ليقوم أبو عبيدة بن الجراح ببناء المسجد الأول في دمشق، إلى أن جاء الوليد بن عبد الملك وهدم الكنيسة والمسجد وأنشأ المسجد الأموي، في حين يؤكد بعض المؤرخين أن الوليد بن عبد الملك قام ببناء الجامع بشكل كامل دون وجود أي مباني سابقة في المكان، بعد أن هيأ عدداً كبيراً من العمال لبنائه على فترة امتدت حتى عشر سنوات.
اقرأ أيضاً: دولارات مزوّرة تغزو العاصمة دمشق وتربك التجار والصرافين
اكتمل بناء الجامع الأموي عام 715م وفق مخطط معماري شبيه بمخطط المسجد النبوي في المدينة المنورة، يتألف من ثلاثة مآذن وبيت للصلاة تعلوه قبة، ومحاطاً بالقناطر وصفوف من الأعمدة، إضافة لصحن الجامع المحاط بالأروقة، حتى تم لاحقاً إضافة مقصورة أمام المحراب بأمر من الخليفة سليمان بن عبد الملك.
وتعرض الجامع منذ تشييده لعدة حرائق، أولها عندما أشعل الفاطميون النار قرب الجامع ووصلت لداخله، ونشب عام 1339 حريق كبير قرب المسجد أدى لتضرر أجزاء منه، إضافة لحريق عام 1392 الذي سقطت على إثره المئذنة الشرقية ووصل الحريق إلى المقصورة.
أما أكبر الحرائق التي لحقت بالمسجد فكان عام 1400 حينما أحرق القائد المغولي تيمورلنك دمشق ووصل الحريق إلى المسجد الذي انهار بالكامل دون أن يبقى منه سوى الجدران، حتى تم إعادة بدء أعمال ترميمه خلال عهد الخاصكي، لكن عام 1893 نشب حريق جديد أدى لانهيار قبة المسجد وتدمير كبير في قاعة الصلاة، فما كان من أهالي دمشق إلا أن جمعوا مئة ليرة ذهبية وتطوعوا من داخل دمشق وخارجها لإعادة ترميم المسجد من جديد.
واليوم، وبعد ما يزيد عن 1300 سنة، مازالت مئذنة مسجد بني أمية الكبير تصدح بالأذان، جنباً إلى جنب مع أجراس كنائس باب توما، مؤكدة للعالم من مشرقه إلى مغربه أن سوريا كانت وستبقى مهد الحضارات وملتقى الأديان السماوية، والفسحة التي تنضح بالتعايش والسلام مهما جار عليها الزمان.
اقرأ أيضاً: العدو الإسرائيلي يتوغل في بلدة جديدة ويقصف سرايا عسكرية