وسط التطورات السياسية والعسكرية المتسارعة التي تشهدها سوريا، تتجه الأنظار نحو محافظة السويداء حيث تلوح في الأفق بوادر تحول جوهري في المشهد الأمني والعسكري للمنطقة، وبعد سنوات من التوتر وعدم الاستقرار، تتوالى الأنباء عن خطة لإعادة هيكلة التشكيلات المسلحة في المحافظة ودمجها ضمن وزارة الدفاع السورية، في خطوة قد تُعيد رسم الخارطة الأمنية في الجنوب السوري.
وفي التفاصيل، أكد سليمان عبد الباقي، قائد الفصيل العسكري المسمى «تجمع أحرار جبل العرب»، أن هناك محادثات جارية بين ممثلين عن الفصائل العسكرية في السويداء ووزارة الدفاع السورية، بهدف الوصول إلى آلية جديدة تضمن إدماج هذه الفصائل ضمن تشكيلات الجيش النظامي.
وأشار عبد الباقي إلى أن الضباط المنشقين سيتمكنون من العودة للخدمة ضمن التشكيل العسكري الجديد، وهو ما يراه خطوة إيجابية نحو توحيد الصفوف وإعادة تأهيل الكوادر العسكرية التي لعبت أدواراً مختلفة خلال السنوات الماضية.
لكن، وعلى الرغم من هذه الجهود، فإن المشهد لا يخلو من التوترات والاختلافات في وجهات النظر، فقد اتهم عبد الباقي بعض “الفصائل المسلحة” في السويداء بأنها لم تكن تحمل أجندات وطنية حقيقية، بل كانت مرتبطة بجهات أخرى تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة، دون أن تمثل القوى الثورية الحقيقية.
وفي سياق متصل، رفض نسيم أبو عرة، أحد القياديين في ما يعر ف بالـ «اللواء الثامن»، ما جاءت به تصريحات رسمية عن رفض الفصيل الذي ينتمي إليه الانضمام إلى وزارة الدفاع السورية، وأوضح أبو عرة في تسجيل مصور أن أبناء الجنوب كانوا من أوائل الداعين إلى تشكيل وزارة دفاع وطنية تعمل وفق قواعد عسكرية منضبطة، وتستفيد من خبرات الضباط والثوار السابقين، مع التأكيد على تمثيل كافة مكونات المجتمع السوري دون أي تهميش أو إقصاء.
اقرأ أيضاً: الشرع يدعو إلى رفع العقوبات عن سوريا
وجاءت تصريحات أبو عرة رداً على تصريحات لوزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، والتي قال فيها إن نحو 100 فصيل مسلح في سوريا وافقوا على الاندماج ضمن الوزارة، بينما لا تزال هناك مجموعات أخرى ترفض ذلك، من بينها «اللواء الثامن» بقيادة أحمد العودة، الذي قيل إنه قاوم ضغوط وضع وحدته تحت سلطة الدولة.
ووسط هذا الجدل، تكشف بعض المصادر أن هناك انقسام داخل الفصيل حول مسألة الانضمام، فبينما يرى البعض ضرورة الحفاظ على استقلالية الكيان العسكري، يعتقد آخرون أن الانضمام إلى وزارة الدفاع أمر لا مفر منه، خاصة في ظل المتغيرات التي تشهدها البلاد، وكشف أحد القادة الذين غادروا «اللواء الثامن» أن الخلاف الأساسي مع وزارة الدفاع يتمثل في الطريقة التي تريد بها الوزارة دمج العناصر، حيث تطالب بانضمامهم كأفراد، بينما يرغب «اللواء» في الانضمام ككتلة واحدة تحت قيادة موحدة.
وأضاف المصدر أن دمشق تحاول تجنب أي صدام مع الفصائل التي حاربت ضد النظام السوري سابقاً، لكنها في الوقت ذاته لا تمنح أي فصيل امتيازات خاصة أو القدرة على فرض شروطه، كما أشار إلى أن هناك جهود تُبذل لتفكيك «اللواء الثامن» تدريجياً عبر تقسيم عناصره على مختلف التشكيلات العسكرية، سواء في وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر من داخل «اللواء» أن الوزارة طلبت من الفصيل إرسال مجموعات صغيرة للاندماج ضمن القوى الأمنية والعسكرية بشكل تدريجي، ووفقاً للمعلومات، فقد انضمت بعض مجموعات «اللواء» بالفعل إلى وزارة الداخلية، بينما لا تزال مجموعات أخرى بانتظار تعليمات الانضمام إلى وزارة الدفاع.
اقرأ أيضاً: كيف خان الأسد عائلته والمقربين منه وقادة الجيش في الساعات الأخيرة قبل فراره من سوريا؟
وتشير بعض التقارير الإعلامية إلى أن بعض مناطق الجنوب السوري شهدت بالفعل انتقال عناصر من «اللواء الثامن» إلى تشكيلات أمنية جديدة، حيث انضمت بعض المجموعات إلى إدارة الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية، في حين أن بعض القرى والبلدات شهدت تفكيك فصائلها العسكرية وإعادة توزيع أفرادها.
ختاماً، يمكن القول إن مستقبل “الفصائل المسلحة” في الجنوب السوري بات مرتبطاً بشكل وثيق بالقرارات السياسية والعسكرية القادمة، حيث ستحدد الأيام المقبلة ما إذا كان سيتم دمج الفصائل بالكامل ضمن وزارة الدفاع أم سيتم تفكيكها وإعادة توزيع عناصرها على مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية.