في أروقة السياسة والاقتصاد، تتشكل ملامح مستقبل سوريا بخطى متسارعة، حيث تتركز الجهود على إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات الأجنبية، والتكامل مع الأسواق الإقليمية والعالمية، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة، وهذه الرؤية تأتي مدعومة بخطط كشف عنها المدير الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عبدالله الدردري، خلال مشاركته في القمة العالمية للحكومات 2025 في دبي.
وأوضح الدردري أن سوريا تسعى إلى التحول نحو نموذج اقتصادي جديد يحقق التنمية المستدامة، ويرتكز على سيادة القانون، وحماية حقوق الإنسان، وتطوير البنى التحتية لربط الاقتصاد السوري بالاقتصادات المجاورة، وتندرج ضمن هذه الرؤية مشاريع كبرى تشمل شبكات الاتصالات المتقدمة، تحديث أنظمة النقل، وتطوير المطارات والموانئ.
وفي إطار التقديرات المالية، أكد الدردري أن البلاد تحتاج إلى استثمارات لا تقل عن 36 مليار دولار خلال العقد القادم، دون احتساب تكلفة إعادة بناء قطاع السكن، لكن تحقيق هذه الأهداف يتطلب نمواً اقتصادياً لا يقل عن 4% سنوياً، وهو تحدٍّ يتطلب جهوداً مضاعفة واستراتيجيات مدروسة.
وبحسب الدردري، تعتمد سوريا في تمويل إعادة الإعمار على ثلاثة مصادر رئيسية، الأول هو استثمارات رجال الأعمال السوريين في الخارج، حيث أبدى العديد منهم استعدادهم لضخ رؤوس أموالهم في البلاد شريطة توفير بيئة تنظيمية شفافة، وإطار قانوني مستقر.
اقرأ أيضاً: يونس الكريم: ماذا وراء الاستثمارات التركية بقطاع الكهرباء في إدلب؟
الثاني يتمثل في دعم المؤسسات الدولية، من خلال صناديق تمويل متخصصة مثل «صندوق تعافي سوريا المبكر»، إضافة إلى الاستفادة من برامج تمويلية تابعة لصناديق بيئية ومؤسسات اقتصادية عالمية، أما المصدر الثالث، فيشمل الاقتراض والخصخصة، حيث يجري تقييم الخيارات المتاحة للاستفادة من التمويل الداخلي والخارجي.
وفي هذا السياق، كشف الدردري عن خطط لإنشاء صندوق استثماري خاص بسوريا بهدف استقطاب رؤوس الأموال الخاصة، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة تلعب دوراً محورياً في تقليل المخاطر الاستثمارية عبر تقديم ضمانات وائتمانات للمستثمرين، مما يسهم في تسهيل تدفق التمويل الخارجي.
وضمن الأولويات التي تتصدر مشهد إعادة الإعمار، تأتي الحاجة إلى تحسين الخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل الصحة، والتعليم، والأمن، والرواتب، ما يتطلب إعادة هيكلة القطاع العام لضمان استمرارية دفع الأجور وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، كما شدد الدردري على ضرورة إنعاش القطاع الزراعي، عبر إعادة تأهيل البنية التحتية للري، وتطوير أنظمة الإنتاج الزراعي، بالتعاون مع جهات دولية متخصصة مثل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو).
أما فيما يتعلق بالقطاع الصناعي، فتبرز أهمية دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، عبر تأسيس صناديق دوارة وتقديم قروض ميسرة، لضمان عودة هذا القطاع إلى سابق عهده.
وإضافة إلى ذلك، دعا الدردري إلى تبني سياسات تعزز القيمة المضافة للموارد المحلية، بحيث لا يقتصر دور سوريا على تصدير المواد الخام مثل الفوسفات والنفط والزيتون، بل يتم توجيهها نحو التصنيع المحلي لزيادة العائدات الاقتصادية.
اقرأ أيضاً: أسعار العقارات في سوريا بعد سقوط الأسد
من ناحية أخرى، تواجه سوريا تحديات سياسية واقتصادية تتطلب معالجة دقيقة، فقد أشار الدردري أن التنسيق بين السياسات التجارية والصناعية ضروري لضمان حماية المنتج المحلي وتعزيز الصناعات الوطنية، كما نوّه إلى أن النظام المصرفي بحاجة إلى تحديثات جوهرية تتيح له تمويل المشاريع الكبرى بفاعلية.
ورغم الاستعداد الدولي لدعم سوريا في هذه المرحلة، يظل التحدي الأكبر مرتبطاً بقدرة المؤسسات المحلية على استيعاب الاستثمارات وإدارتها بكفاءة، وفي هذا الإطار، شدد الدردري على أهمية بناء دبلوماسية اقتصادية فاعلة تساهم في تعزيز التعاون مع الشركاء الدوليين ووضع البلاد على مسار التنمية المستدامة.
![وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني](https://www.syria-today.org/wp-content/uploads/2025/02/929555.jpeg-300x200.webp)
وفي سياق متصل، أشار وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إلى توجه القيادة الجديدة نحو خصخصة بعض المرافق العامة، مثل الموانئ والمصانع الكبرى، ودعوة الاستثمارات الأجنبية لتعزيز التجارة والانفتاح على الأسواق الدولية.
وأكد الشيباني، في حديث مع صحيفة «فاينانشال تايمز»، أن التحول الاقتصادي يتطلب إصلاحات تشريعية واضحة توفر بيئة قانونية مستقرة، تتيح للمستثمرين المحليين والدوليين العمل بثقة.
وجاء هذا التصريح بالتزامن مع مشاركة سوريا لأول مرة في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، حيث يسعى المسؤولون السوريون إلى تجديد الدعوات لرفع العقوبات المفروضة على البلاد، والتي تعتبرها حكومة تسيير الأعمال عائقاً رئيسياً أمام التعافي الاقتصادي.
اقرأ أيضاً: وزير الخارجية: آذار المقبل سيشهد ولادة حكومة تمثل جميع أطياف الشعب السوري
وفي حديثه، أكد الوزير الشيباني أن هناك استعداداً واضحاً من قبل العديد من الدول للاستثمار في سوريا، لكن هذه العقوبات تقيد حركة رؤوس الأموال وتؤثر سلباً على عملية إعادة الإعمار.
ومع كل هذه التحولات، يبقى المستقبل الاقتصادي لسوريا مرهوناً بمدى قدرة الدولة على تنفيذ الإصلاحات الموعودة، وخلق بيئة استثمارية مستقرة، وإعادة بناء جسور الثقة مع المستثمرين الدوليين، فبينما تترقب الأوساط الاقتصادية والسياسية مآلات هذه التوجهات، يبدو أن سوريا مقبلة على مرحلة جديدة تحمل في طياتها تحديات كبرى، ولكنها في الوقت ذاته تفتح الباب أمام فرص واعدة للنهوض مجدداً.
اقرأ أيضاً: المركزي يكشف معدلات التضخم في سوريا خلال 2024