عاشت سوريا خلال عام 2024 مرحلة اقتصادية دقيقة تخللتها تقلبات حادة في معدلات التضخم، حيث سجلت البلاد نسبة تضخم بلغت 57%، لتتجاوز بذلك معدل التضخم في لبنان البالغ 45.5%، بينما بقي أقل بقليل من نظيره في تركيا الذي بلغ 58.6% خلال الفترة ذاتها، وهذه الأرقام عكست واقعاً اقتصادياً صعباً عانته البلاد نتيجة الضغوط التضخمية المتراكمة والتي أدت إلى انكماش في القدرة الشرائية وتراجع الطلب على السلع الأساسية.
وبحسب تقرير أصدره مصرف سوريا المركزي عبر قنواته الرسمية على منصة تلغرام وفيسبوك، فإن الارتفاع المستمر للأسعار في سوريا خلال عام 2024 كان نتيجة مباشرة لارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل، مما ساهم في تضييق الخناق على المستهلكين الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن تلبية احتياجاتهم اليومية في ظل انخفاض الدخل الحقيقي.
وشهدت الأسواق المحلية ركوداً ملحوظاً مع انخفاض حركة المبيعات، الأمر الذي زاد من وطأة الأزمة الاقتصادية على مختلف الفئات الاجتماعية.
أما في شهر كانون الأول 2024، فقد بلغ معدل التضخم السنوي 6%، وهو انخفاض ملحوظ مقارنة بالمعدل البالغ 135% في الشهر ذاته من عام 2023، وقد جاء هذا التراجع مدفوعاً بجملة من العوامل، أبرزها التحسن الملحوظ في سعر الصرف وزيادة وفرة السلع في الأسواق، الأمر الذي أسهم في تخفيف الضغوط التضخمية بشكل جوهري وفق وكالة «سانا».
اقرأ أيضاً: لا زيادة لرواتب الموظفين في سوريا رغم التضخم وتحرير الأسعار
ومن أبرز الظواهر الاقتصادية التي رافقت هذه المرحلة هي تسجيل معدل تضخم شهري سلبي لأول مرة، حيث بلغ -13.8% في شهر كانون الأول 2024، مقارنة بنسبة 0.1% في تشرين الثاني من العام نفسه، وهذا الانخفاض الحاد في الأسعار كان نتيجة طبيعية للتحولات الاقتصادية التي أعقبت مرحلة التحرير، حيث شهدت الأسواق تدفقاً كبيراً للسلع، ما أدى إلى كسر الحلقة التضخمية التي كانت تحاصر الاقتصاد السوري.
وكانت قد عينت الحكومة الجديدة الدكتورة ميساء صابرين كأول امرأة تتولى منصب حاكم مصرف سوريا المركزي، بعد أن شغلت منصب النائب الأول لحاكم المصرف المركزي منذ عام 2018، قبل أن تخلف محمد عصام هزيمة، الذي تولى المنصب منذ عام 2021.
وهذا التغيير في قيادة المصرف يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى إعادة هيكلة المؤسسات المالية في البلاد، تماشياً مع التغيرات الاقتصادية التي تشهدها سوريا بعد سقوط نظام الأسد.
ختاماً، يشار إلى أن هذا المشهد الاقتصادي المتغير يعكس ديناميكيات جديدة قد تحمل في طياتها فرصاً وتحديات في آنٍ واحد، حيث يبقى السؤال الأبرز متعلقاً بمدى قدرة الإصلاحات الجديدة على تحقيق استقرار اقتصادي حقيقي ومستدام في سوريا خلال السنوات القادمة.
اقرأ أيضاً: الزيادة المرتقبة للرواتب لن تجاري نسب التضخم الشديد في سوريا