وسط مشهد سياسي متغير في المنطقة، تواصل تركيا تأكيد مواقفها الحاسمة تجاه التطورات في الشمال السوري، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يوارب في تصريحاته الأخيرة، بل عبّر بوضوح عن أن بلاده «لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء أي تهديد يمثله وجود تنظيمات إرهابية» في تلك المنطقة، ملوحاً باتخاذ كافة الإجراءات الضرورية إذا لزم الأمر.
وفي رحلة عودته من جولة آسيوية شملت ماليزيا وإندونيسيا وباكستان، كشف أردوغان للصحفيين عن موقفه من الحكومة الجديدة، التي يقودها الرئيس أحمد الشرع، مشيراً إلى أنها «تبدو عازمة على خوض معركة حقيقية ضد هذه التنظيمات» على حد قوله.
وما بعد اللقاء المشار إليه، أثيرت الكثير من التساؤلات حول مستقبل قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، خصوصاً في ظل التهديدات التركية المتكررة بضرورة تفكيكها أو نزع سلاحها، في الوقت الذي تتواتر فيه تقارير عن نية الولايات المتحدة تقليص وجودها العسكري في سوريا.
وفي سياق متصل، شدد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال لقاء مع نظيره البريطاني ديفيد لامي، «على أهمية دعم الإدارة السورية الجديدة»، وهذا اللقاء الذي جرى على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن في دورته الحادية والستين، كان مناسبة لتأكيد الموقف التركي بشأن وحدة سوريا السياسية، حيث نقلت مصادر دبلوماسية أن فيدان شدد على «ضرورة الوقوف إلى جانب القيادة الجديدة في دمشق لضمان استقرار البلاد».
اقرأ أيضاً: رفع القيود على تصدير البضائع السورية لتركيا والأردن
ولم تقتصر التحولات السياسية على المواقف الدبلوماسية، بل امتدت إلى الجوانب الاقتصادية، فقد أعلنت وزارة التجارة التركية إلغاء القيود التجارية التي كانت مفروضة على سوريا خلال العهد السابق، في خطوة تهدف إلى استئناف العلاقات الاقتصادية الطبيعية بين البلدين، وجاء في بيان صادر عن الوزارة، أن تركيا ألغت كافة اللوائح التي كانت تعيق التبادل التجاري، بما في ذلك القيود المفروضة على الصادرات وعمليات الترانزيت عبر أراضيها باتجاه سوريا.
وأشار البيان إلى أن هذه الخطوة «تأتي ضمن خارطة طريق تم الاتفاق عليها بين أنقرة والحكومة السورية الجديدة، حيث تم إلغاء تعميم صادر عام 2021 يتعلق بالمعاملات الجمركية بين البلدين، واستبداله بتعميم جديد صدر في الثامن من فبراير الجاري ليشكل المرجعية الجديدة لتنظيم التجارة البينية».
وكان أردوغان قد أعرب في مؤتمر صحفي بإسطنبول قبيل انطلاق جولته الآسيوية عن ثقته بأن «سوريا ستتمكن من استعادة استقرارها في وقت قريب»، مؤكداً أن الرئيس الشرع «يخوض الآن معركة مفتوحة ضد التنظيمات التي يرى أنها لا مكان لها في سوريا المستقبل» حسب تعبيره.
اقرأ أيضاً: قاعدة عسكرية سورية روسية جديدة قرب الحدود مع تركيا: تعقيد جديد أم استجابة لمطالب أنقرة؟
وشدد الرئيس التركي على أهمية توحيد القوى المسلحة تحت راية الجيش السوري النظامي، باعتباره الضامن الوحيد للاستقرار المستدام، وحول مكافحة “الجماعات المسلحة”، معتبراً أن التنظيمات الإرهابية ينبغي أن تتخلى عن سلاحها أو يتم إجبارها على ذلك، مشيراً إلى أن ثمة تطورات إيجابية، حيث بدأت بعض المجموعات المسلحة في حل نفسها والانضمام إلى الجيش النظامي، معلنة التزامها بوحدة البلاد.
ختاماً، يذكر أن أردوغان كان قد أكّد أن هناك إجماع مشترك مع القيادة السورية الجديدة على ضرورة القضاء على تنظيمات مثل «داعش» و«بي كي كي» و«اي بي جي» و«بي واي دي»، مشدداً على أن أنقرة «لن تتهاون في دعم أي جهود تهدف إلى تحقيق هذا الهدف، لأن استمرار وجود هذه الجماعات يشكل تهديداً مباشراً لتركيا نفسها».
اقرأ أيضاً: مؤتمر باريس: قرار هام لدعم سوريا ورفع العقوبات عنها