شامة كاللؤلؤ على خدّ سوريا، حلب الشهباء، من لا يعشقها ويتمناها أو يرغب بزيارتها، فهي مدينة تحتضن تراثاً عريقاً وثقافة غنية، تزخر بالمناطق السياحية التاريخية والدينية والثقافية والطبيعية، التي ترضي عشاق الفن والجمال، وفي هذا المقال سنسلط الضوء على أهم الأماكن في مدينة حلب التي تجذب السياح الأجانب من كل حدب وصوب.
يحب الأجانب عموماً زيارة الأماكن التاريخية التي تحمل آثار عصور قديمة، فهي تشهد على حيوات سابقة وتروي قصصاً مثيرة، وفي حلب، كثيرةٌ هي هذه المعالم، من الجوامع والمساجد والكنائس إلى القلاع والمتاحف، وكل زاوية في المدينة تحمل عبق التاريخ وجماله.
ويعد الجامع الأموي الكبير في حلب من المناطق التي تجذب السياح الأجانب في المدينة، فهو من أعظم المعالم الإسلامية في المدينة، ويعد رمزاً للتاريخ والعمارة، يمتد على مساحة شاسعة بطول 105 أمتار وعرض 77.75 متر.
تصميمه يذكّر بجامع بني أمية الكبير في دمشق، فمنبره الخشبي يعود إلى القرن الرابع عشر، وقد زُيِّن بالعاج والأبنوس، ما يجعله قطعة فنية بحد ذاته، يضم الجامع ثلاثة محاريب تتموضع بشكل جميل، وعلى يسار المحراب تجد الحجرة النبوية، عمارته الفريدة وجوهره الروحي يجعله مقصداً دينياً وسياحياً مهماً.
اقرأ أيضاً: ما السرّ وراء عشق السوريين لـ«صابون الغار الحلبي»؟
أما كنيسة الأربعين شهيداً في باب الياسمين، فتحتضن بين جدرانها عبق التاريخ وروح الإيمان، تتميز بجمالها الفريد الذي يتجلى في الأيقونات والصور الرائعة التي تزين أركانها، ومن بين هذه الأيقونات تبرز صورة للسيدة مريم العذراء، من أعمال الفنان العظيم رافائيل والتي تعود لعصر النهضة.
وعلى الجدار الشمالي، توجد أيقونة ضخمة تمثل الدينونة الأخيرة، تتجسد فيها مشاهد مهيبة من السماء والمطر وجهنم، ليشعر الزائر عند الدخول إلى الكنيسة كأنه عبر إلى عالم آخر، وتغشى عليه هالة من السكينة والجلال.
ومن المناطق السياحية التي لا يفوّتها أي سائح، متحف حلب الذي يحتضن مجموعة من الآثار الفريدة، فعند المدخل يوجد نسخة من تماثيل واجهة القصر الملكي في تل حلف، التي تعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد،.
وفي أجنحته المتعددة، تبرز قاعة ما قبل التاريخ، التي تظهر أدوات الحياة اليومية للإنسان في عصور ما قبل التاريخ، من العصر الحجري القديم حتى الحديث.
أما جناح الآثار العربية الإسلامية، فهو ملاذ للزائرين الذين يودون استكشاف جماليات الحضارة العربية من خلال جرار وزجاجيات وكتابات تعكس تنوع الفترات الإسلامية، ومن بين كنوز هذا الجناح، يوجد قبر إسلامي بديع الكتابة يعود إلى القرن الثاني عشر.
إضافة إلى ذلك يوجد جناح الآثار القديمة وآخر للمكتشفات، فضلاً عن جناح الآثار الكلاسيكية وجناح الفن الحديث، وكلها تغري السياح الأجانب لاكتشافها والتعرف على تاريخها.
وبالطبع، لا يمكن إغفال قلعة حلب التي تعد من أضخم القلاع في العالم، يمكن الوصول إليها عبر مدرج يؤدي إلى بوابة مرتفعة في الوسط، يتميز مدخلها الأساسي بوجود أبنية ضخمة تحتوي على أبواب ودهاليز وقاعات للدفاع والذخيرة، وفي أعلى هذا البناء تقع قاعة العرش، المزينة بزخارف حجرية رائعة.
وتحتوي القلعة على العديد من الأبنية والغرف والممرات، إضافةً إلى نوافذ مستطيلة تطل على المناظر الخلابة لحلب القديمة، المعروفة بأسواقها المسقوفة وحاراتها وكنائسها ومساجدها.
اقرأ أيضاً: أهم المعالم السياحية في الساحل السوري
وتعد الخانات والقيسارات في حلب من المعالم الأثرية التاريخية الرائعة التي تجذب السياح أيضاً، فقد كانت الخانات تُستخدم لأغراض التجارة والصناعة والإقامة، وكانت فنادق في زمنها، يتكون الخان من طبقة أرضية تحتوي على سوق تجاري وإسطبلات لخيول المسافرين، وطبقة علوية تضم غرفاً لإقامة التجار والمسافرين.
ومن بين الخانات في حلب، يشتهر خان الحرير الذي يعود تاريخه إلى النصف الثاني من القرن السادس عشر، وهو معروف بكونه وجهة للهنود التجار الذين كانوا يحملون الحرير، أما خان الوزير، الذي بُني في 1683، فيعد من أشهر الخانات ويقع بين القلعة والجامع الأموي.
خان الشونة، المجاور لقلعة حلب، تم تحويله إلى سوق للحرف اليدوية التقليدية، ليساهم في إحياء التراث، بينما يتميز خان الجمرك، الذي أنشأه الوالي العثماني عام 1574، ببوابته المزخرفة ويعد من أجمل الخانات، وكان مقراً للعديد من التجار الأجانب.
اقرأ أيضاً: قصر العظم: كنز معماري وجنّة عشّاق الفخامة والأصالة
أما أسواق حلب فهي من أجمل الأسواق في العالم العربي والإسلامي، تضم حلب 37 سوقاً يمتد طولها على الجانبين لمسافة 15 كيلومتراً، وتغطي مساحة تبلغ 16 هكتاراً، تشكل هذه الأسواق ركناً أساسياُ من أركان السياحة في المدينة، وفيها يمكن استكشاف تنوع المنتجات والحرف اليدوية، والاستمتاع بأجواء تعكس التاريخ والثقافة.
ومن بين المعالم المحببة للسياح الأجانب في حلب، نجد الحمامات الشعبية القديمة، التي تتميز ببساطتها وجمالها، ويعد حمام النحاسين، المعروف بحمام الست، من أشهر هذه الحمامات، ويعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر، ولا يزال يحتفظ بوظيفته التقليدية، ويتميز بقبة مزينة بفتحات زجاجية تسمح بدخول الضوء إلى قاعة البراني الواسعة، ليضفي أجواءً مذهلة.
في الختام، لا تقتصر السياحة في حلب على هذه المناطق فحسب، إذ يوجد فيها حدائق ساحرة ومناطق سياحة طبيعية، عدا عن المطاعم والمقاهي والمنتجعات، وعلى الرغم من الحرب التي أنهكت حلب لسنوات، ودمرت قسماً كبيراً من مناطقها الرائعة فلم تعد كما كانت من قبل، لا تزال روحها الرائعة فيها، وبهمّة أبنائها ستعود لتكون مدينة سياحية مهمة في سوريا والعالم بأسره.
اقرأ أيضاً: معرة النعمان: مدينة أبي العلاء المعري، قيمتها التاريخية ورمزيتها!