14 عاماً عانى فيها الشعب السوري ويلات الحرب على كافة الأصعدة الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، منهم من تهجر من منزله بحثاً عن مكان أكثر أماناً لهم ولأولادهم، ومنهم من عاش الفقر في أروقة حياته حتى بات في موقف لا يطلب فيه سوى لقمة العيش، وآخرون عانوا من الاعتقال التعسفي سنوات طويلة دفاعاً عن رغبتهم في مستقبل أكثر حرية للأجيال القادمة، ولكن ومع كل هذه المآسي ومن رحم المعاناة اجتمع عدد من الشبان السوريين، وأسسوا منظمة الدفاع المدني السوري أو ما تعرف بـ الخوذ البيضاء لتقديم الغوث للسوريين في المناطق التي تعاني أهوال الحرب.
انطلقت المنظمة عام 2012 على يد مجموعة من المتطوعين السوريين للقيام بعمليات الإنقاذ وتقديم المساعدة للمتضررين من القصف الجوي والبري، وتعويض النقص الذي تسبب به إيقاف الخدمات الحكومية الأساسية في المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة مثل الإطفاء والرعاية الصحية.
ومع تصاعد وتيرة الحرب، تم تشكيل فرق تطوعية محلية تعمل على إنقاذ الناس من الأنقاض وتقديم الإسعافات الأولية وإطفاء الحرائق، تبعها إنشاء مركز للاستجابة لحالات الطوارئ ليكون نقطة انطلاق أولى مراكز الدفاع المدني في محافظة حلب.
ومع بداية عام 2013، وفي طريق تشكيل الخوذ البيضاء بدأت الفرق التطوعية بتوحيد جهودها لتكون أعمال الإنقاذ أكثر تنظيماً، بالتنسيق مع المجالس المحلية في المحافظات والمدن والبلدات لتفعيل العمل على الأرض ليكون أكثر فاعلية، وتم إنشاء المزيد من مراكز الدفاع، والعمل على تدريب الفرق المتخصصة بالبحث والإنقاذ والمساعدة الطبية وخدمات الإسعاف بمساعدة مانحين دوليين.
اقرأ أيضاً: الدفاع المدني يكشف عن إنجازاته منذ سقوط نظام الأسد
الحرب التي بدأت تتوسع رقعتها عام 2014 خلقت حاجة ملحة لتوسيع نطاق المنظمة الجغرافي، وإنشاء مديريات للدفاع المدني في مختلف المحافظات السورية، والتي عانت صعوبات كبيرة لجهة التنسيق المشترك بسبب القيود التي فرضها نظام الأسد لجهة محاصرة المناطق وقطع أواصر التواصل فيما بينها.
ورغم هذه الصعوبات، وفي تشرين الأول 2014، عقد 70 من قادة الفرق التطوعية في مختلف الجغرافيا السورية اجتماعهم التأسيسي الرسمي الأول في مدينة أضنة التركية، ووضعوا ميثاقاً لتأسيس مؤسسة تعمل تحت القانون الإنساني الدولي، أطلقوا عليها اسم “الدفاع المدني السوري“، والتي اتخذت من الآية القرآنية التالية شعاراً لها: “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”.
ومع انتشار صور رجال الدفاع المدني السوري أثناء عمليات الإنقاذ وهم يرتدون خوذاً بيضاء، بات السوريون يطلقون على المنظمة اسم “الخوذ البيضاء“، كرمز لعملهم الإنساني الذي يقومون به.
لاحقاً سعت المنظمة لتطوير هيكلها المؤسسي بما يواكب متطلبات العمل الإنساني المتزايد في سوريا، ووسعت عملياتها وأنشأت مكاتب خارج سوريا في كندا وهولندا والولايات المتحدة لتعزيز وجودها على المستوى الدولي، وما تزال تعمل بشكل مستمر على تطوير عملها المؤسسي وتكاتف الجهود لتسريع خطوات إعادة الإعمار.
اقرأ أيضاً: “فاجعة دركوش”.. تشتت في المشافي ومأساة نزوح تنتهي في مياه العاصي
ومنذ تأسيسها حتى الآن ساهمت منظمة الخوذ البيضاء في إنقاذ أكثر من 128 ألف شخص، وقدمت ما يزيد عن 421 ألف استشارة صحة عامة، و5.600 استشارة صحة إنجابية، و12.500 خدمة طبية طارئة بشكل شهري، إضافة لإخماد ما يزيد عن 13 ألف حريق، والاستجابة ل 70 ألف حادث سير، وإزالة حوالي 26 ألف من الذخائر غير المتفجرة.
المنظمة التي عانت صعوبات كبيرة لجهة تأمين لوازم عملها اللوجستية من آليات ومواد طبية ومستلزمات الإغاثة، فقدت أيضا حوالي 308 من متطوعيها، أغلبهم كانوا ضحايا قصف استهدفهم أثناء عملهم على إنقاذ المدنيين من تحت الأنقاض.
واليوم تضم المنظمة ما يقارب 3300 متطوع ومتطوعة من مختلف مكونات الشعب السوري، موزعون على الجغرافيا السورية، يعملون يداً بيد لإنقاذ حياة الناس ومساعدتهم على التعافي من آثار الحرب، ونشر التوعية والتدريب لتعزيز قدرة المجتمع السوري على مواجهة التحديات.
ومع بداية مرحلة جديدة استعادت فيها سوريا حريتها، وبدأت بطريقها نحو التعافي وتجاوز آثار الحرب وإعادة النهوض من الرماد، تعمل منظمة الخوذ البيضاء على تكثيف الجهود بشكل إسعافي لتوفير الرعاية الطبية الطارئة، وإصلاح ما تدمر من البنية التحتية، واتخاذ أقصى ما يمكن من إجراءات لمساعدة ملايين العائلات على العودة إلى ديارها، جنباً إلى جنب مع العمل على بناء نظام دفاع مدني قوي قادر على النهوض بمتطلبات المرحلة القادمة.
اقرأ أيضاً: أردوغان: لن نسمح بوجود تنظيمات إرهابية شمالي سوريا