في أجواء تفاعلية تعكس تطلعات أبناء اللاذقية، شهدت المحافظة انعقاد جلسة حوارية نظمتها اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، بمشاركة ممثلين عن مختلف شرائح المجتمع، وجاءت هذه المبادرة في إطار تعزيز ثقافة التشاور والتشارك في رسم ملامح سوريا المستقبلية، انطلاقاً من إيمان عميق بأن بناء الوطن لا يمكن أن يتم دون حوار صادق يشمل الجميع.
بدأت الجلسة بنقاشات مستفيضة تناولت ستة محاور رئيسية، كان أولها العدالة الانتقالية، حيث جرى تسليط الضوء على أهمية استعادة الحقوق ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، إلى جانب تحقيق التصالح المجتمعي وتعزيز السلم الأهلي، كما تمت مناقشة الإصلاح الدستوري بوصفه حجر الأساس في بناء دولة تعكس طموحات مواطنيها، إضافة إلى محور آخر تناول إصلاح مؤسسات الدولة لضمان كفاءتها وشفافيتها.
ولم تغب قضايا الحريات العامة والشخصية عن الجلسة، إذ جرى التأكيد على ضرورة تهيئة بيئة سياسية تضمن حرية التعبير والعمل الحزبي، فضلاً عن بحث دور المجتمع المدني في بناء المرحلة الانتقالية، وتحديد المبادئ الاقتصادية التي ينبغي أن تشكل الإطار العام للنظام الاقتصادي المستقبلي في سوريا.
وفي حديثها، وصفت هدى الأتاسي، الناطقة باسم اللجنة التحضيرية، الجلسة بالحيوية والغنية بتنوع الآراء، مشيرة إلى أن مثل هذه النقاشات الحرة، التي لم تكن مألوفة لسنوات طويلة، تعكس الحاجة الماسة إلى فضاء ديمقراطي يعزز حق الاختلاف ويضمن وصول مختلف الرؤى إلى طاولة الحوار.
اقرأ أيضاً: اللجنة التحضيرية: سوريا لن تكون دولة حزب واحد والمعارضة طبيعية
وأكدت الأتاسي أهمية الاستماع إلى صوت الشارع السوري داخل البلاد وخارجها، مشيرة إلى التخطيط لعقد جلسات حوارية افتراضية تتيح للمغتربين واللاجئين المساهمة في رسم ملامح المرحلة القادمة.
من جهتها، شددت هند قبوات، عضو اللجنة، على ضرورة ترسيخ ثقافة الحوار القائم على تقبل الرأي الآخر، معتبرة أن أي عملية بناء حقيقية لا يمكن أن تتم في بيئة ترفض التعددية الفكرية، كما أكدت أن ما يُطرح في هذه الجلسات سيمثل الأساس لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني المنتظر، حيث ستسهم نقاشات أبناء المحافظات في صياغة رؤية شاملة لمستقبل سوريا.

الحاضرون عبّروا عن ارتياحهم لإتاحة هذه المساحة الحرة من النقاش، معتبرين أنها خطوة أولى في مسار طويل نحو بناء سوريا تسودها العدالة والحرية، وتركزت المداخلات حول ضرورة تعزيز الأمن والاستقرار، مع التأكيد على تحقيق العدالة الانتقالية عبر محاسبة المتورطين في الجرائم، واستعادة الحقوق دون اللجوء إلى أي شكل من أشكال المحاصصة، كما برزت دعوات إلى تكريس مفهوم المواطنة، بعيداً عن أي اعتبارات طائفية أو مناطقية.
وفي سياق متصل، لم تغب قضايا التنمية والإصلاح عن طاولة النقاش، حيث طالب المشاركون بوضع أسس واضحة لضمان الحريات الفردية والعامة، وصياغة دستور يحقق تطلعات جميع السوريين، فضلاً عن ضرورة دعم القطاعات الأساسية مثل التعليم، الإعلام، الزراعة، والصناعة، إلى جانب تحسين الخدمات العامة وتحقيق نهضة اقتصادية تعزز الاستقلال الوطني.
دور الشباب في بناء المستقبل كان أيضاً حاضراً في النقاش، حيث شددت عدة مداخلات على أهمية تمكين الجيل الجديد، وإشراكه في جهود إعادة الإعمار، مع وضع حد للتسريح التعسفي وإعادة الكفاءات إلى مواقعها، إضافة لتفعيل المؤسسات الخدمية وتعزيز قدرات الجيش الوطني.
وبالتوازي مع هذه الجلسة، عقدت اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني جلسة مماثلة في حماة، بحضور شخصيات مجتمعية ودينية وأكاديمية، حيث جرى التأكيد على أهمية الحوار الوطني كضرورة لا تحتمل التأجيل، من أجل الوصول إلى مخرجات تلبي تطلعات جميع فئات المجتمع السوري.
وفي هذه الجلسة، أشار رئيس اللجنة، ماهر علوش، إلى أن الحوار يمثل فرصة حقيقية لفتح قنوات التواصل بين الدولة والمواطنين، موضحاً أن كافة المقترحات والتوصيات التي تخرج عن هذه النقاشات سيتم تحويلها إلى محاور رئيسية خلال المؤتمر، لضمان تفاعل شامل وفعال يسهم في بناء رؤية موحدة لمستقبل سوريا.
وتطرق النقاش في حماة إلى قضايا مصيرية، مثل شكل النظام السياسي المقبل، ومدى الحاجة إلى دمج السلطات أو فصلها، وإمكانية تبني نظام برلماني أو رئاسي، فضلاً عن التساؤل حول طبيعة الحكومة المستقبلية، سواء كانت تكنوقراطية أو سياسية، كما دار جدل حول ضرورة مشاركة جميع فئات الشعب في السلطة، بما يضمن تحقيق العدالة والمساواة، مع التأكيد على محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وإعادة الحقوق إلى أصحابها.
اقرأ أيضاً: المتحدث باسم اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني: تأجيل المؤتمر كان لإنجاحه

إحدى القضايا التي أثارت اهتمام الحضور كانت مصير المهجرين، وإمكانية إعادتهم إلى منازلهم المدمرة، حيث برزت تساؤلات حول خطط إعادة الإعمار، وما إذا كانت ستقتصر على البنية التحتية أم ستشمل أيضاً الممتلكات الخاصة.
أما على صعيد العمل السياسي، فقد طُرحت مقترحات تدعو إلى إلغاء الأحزاب التقليدية، بحجة أنها تساهم في تشتيت الجهود الوطنية وتضعف الدولة، مع المطالبة بوضع رؤية وطنية موحدة قادرة على استيعاب الجميع تحت راية الوطن، بعيداً عن المصالح الفئوية الضيقة.
واختتمت الجلسات بآمال كبيرة في أن تسفر هذه النقاشات عن مخرجات عملية تسهم في وضع دستور وطني ديمقراطي يضمن الحريات السياسية، وحق التظاهر والتعبير عن الرأي، والمساواة بين مختلف فئات الشعب، مع التأكيد على تفعيل دور المرأة والشباب في بناء سوريا المستقبلية، وصولاً إلى مؤتمر وطني يقدم حلولاً واقعية ورؤى قابلة للتنفيذ، ترسخ لمستقبل قائم على العدالة والمواطنة والتنمية المستدامة.