يزدحم التاريخ عند أعتاب الجغرافيا السورية، ففي كل زاوية حكاية ومع كل حكاية تتفتح أبواب من النور والجمال، وهو الحال مع جسور دير الزور الأثرية إذ تحفل المحافظة بعدد من الجسور التي تسهل انتقال أبنائها بين ضفة وأخرى، لأن المدينة السورية ابنة النهر وأمه.
ويعبر نهر الفرات مدينة دير الزور الحانية والمليئة بالخير الذي ينضح من جباه أبنائها وأيديهم ويمنح المكان والأرض الخيرات التي طالما احتضنت السوريين ولم تبقِ منزلاً فيها خالياً من حكايا الجود والكرم.
وعند الحديث عن الجسور الأثرية في المدينة لابد من التطرق إلى جسور ثلاثة، بنيت في العهد العثماني، لكنها اختفت لاحقاً بفعل القدم وعدم الاهتمام بإعادة إحيائها، وأول هذه الجسور جسر العيور الخشبي والذي تم بناؤه في العام 1897 على فرع صغير لنهر الفرات، وعاش حوالي مائة عام لينهار في العام 1990 أثناء تجريف النهر، أيضاً لجسر الجورة الخشبي حكاية مشابهة لكنه انهار في العام 1958.
ومن جسور دير الزور الأثرية جسر الدوايات الذي تم بناؤه في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، ويستقر على الفرع الكبير لنهر الفرات، لكنه عايش فترات عديدة قبل أن يلاقي نفس المصير، فبعد بنائه في العام 1904 استطاع أن يخدم المنطقة لأكثر من عشرة أعوام، لكن لاحقاً عندما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها في العام 1918 دخل الجسر مرحلة التهدم عندما أخذت الأعمدة بالتآكل، لكنه لم يصمد طويلاً وانهار في العام 1922، بعد فيضان النهر والذي وصفه كل من عايشه بالفيضان الجارف، والذي أخذ معه كل شيء، وسمي العام بعام اللوفة نظراً لشدة برودته.
اقرأ أيضاً: مشروع لإعادة هيكلة القطاع المصرفي السوري بشراكة أوروبية
وفي جميع الحالات التي انهارت فيها هذه الجسور عاد الناس للتنقل بين ضفتي النهر أو الجزر الصغيرة بواسطة القوارب.
ومن الجسور الشهيرة في المحافظة الجسر المعلق، والذي تم بناؤه في العام 1925 خلال فترة الاحتلال الفرنسي، بإشراف المهندس مسيو فيفو، العامل لدى الشركة الفرنسية للبناء والتعهدات.
استغرق بناء الجسر ستة أعوام، وكان مبنياً على الطراز الحديث في ذلك الوقت ولم يكن له مثيل في العالم إلا جسر آخر بني على نفس الطراز في منطقة بجنوب فرنسا، لكن الجانب المظلم لبناء الجسر لا سيما أعمدته الاسمنتية، أنه تسبب بفقدان عدد من أبناء المدينة لحياتهم بسبب مشاركتهم في أعمال تشييد الجسر.
ومن الجدير بالذكر أنّ للجسر المعلق أربع قواعد لكل منها ركيزة يمتد طولها لـ25 متراً، وتبلغ أبعاد الجسر في الطول 476 متراً، أما عرضه فهو 4 أمتار ويبلغ ارتفاعه 36 متراً، وتم تزويد الجسر بالإنارة في أربعينيات القرن الماضي.
اقرأ أيضاً: التضييق الأمني وقلة فرص العمل يدفعان شباب دير الزور للهجرة
وفي السياق، يتذكر الأهالي حكاية طريفة ارتبطت بالجسر المعلق، فالأهالي وبعد الانتهاء من تشييد الجسر كان لديهم خشية من العبور فوقه، وذلك نظراً لكثرة اهتزازه، لا سيما عندما تعبره السيارات، وهو ما أربك المهندس الفرنسي مسيو فيفو، الذي لم يجد طريقة ليقنع الأهالي بأن الأهالي بأن العبور آمن تماماً سوى أن يركب قارباً مع عائلته ويقف تحت الجسر،
ثم طلب من ثماني سيارات أن تسير تباعاً فوق الجسر المعلق، الذي أخذ بالاهتزاز ولكن السيارات وصلت إلى الطرف الآخر من الجسر دون أي مشاكل، فكان برهاناً كافياً للأهالي بأن الجسر آمن، ومن ذلك الوقت وحتى انهياره بقي الجسر وسيلة الانتقال المفضلة عند الأهالي والعابرين بين ضفتي النهر.
وفي سياق منفصل أصبح للجسر جار مواز وهو جسر السياسة، الذي تم تخصيصه بعد بنائه في العام 1980 لعبور السيارات، في حين أصبح المعلق مخصصاً للمشاة فقط، وارتبط بالذكريات الجميلة، إذ قصده الجميع لالتقاط الصور التذكارية، أو للقفز عنه والسباحة في نهر الفرات.
اقرأ أيضاً: بقع نفطية في نهر الفرات بريف دير الزور تنذر بكوارث صحية وزراعية