في ظل الحرب التي عصفت بسوريا لأكثر من عشر سنوات، باتت البلاد تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية هائلة جعلت الفقر واقعاً يومياً لمعظم السكان، وفي ضوء ذلك، يسلط تقرير أممي حديث الضوء على الوضع المتدهور، مشيراً إلى أن تسعة من كل عشرة سوريين يعيشون تحت خط الفقر، بينما تآكل الناتج المحلي الإجمالي إلى النصف، في حين أصبح التعافي الاقتصادي يتطلب جهوداً ضخمة واستراتيجيات غير تقليدية.
يشير التقرير إلى أن الاستمرار في النمو بمعدلاته الحالية سيؤدي إلى تأخير التعافي الكامل حتى عام 2080، ما لم يتم اتخاذ إجراءات فعالة لتحفيز الاقتصاد، ولتقصير هذه المدة إلى عشر سنوات فقط، ينبغي مضاعفة النمو الاقتصادي السنوي ست مرات، بينما يتطلب تحقيق مستوى النمو الذي كان متوقعاً للاقتصاد في حال عدم اندلاع الحرب زيادة هائلة بمقدار عشرة أضعاف.
بحسب التقرير المعنون «تأثير الصراع في سوريا: اقتصاد مدمر، وفقر متزايد، وطريق وعرة نحو التعافي»، فإن البلاد فقدت أكثر من نصف ناتجها المحلي الإجمالي منذ عام 2011، كما ارتفعت معدلات البطالة إلى ثلاثة أضعاف، حيث أصبح واحد من كل أربعة سوريين عاطلاً عن العمل، بينما تسبب تدهور البنية التحتية في تفاقم آثار الحرب بشكل كبير.
ويرى مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أخيم شتاينر، أن التعافي في سوريا يتطلب استثمارات طويلة الأمد تتجاوز المساعدات الإنسانية الطارئة، مشدداً على ضرورة توفير فرص عمل، وتنشيط القطاع الزراعي، وإعادة بناء البنية التحتية الحيوية مثل الصحة والتعليم والطاقة، وبدون رؤية وطنية واضحة وإصلاحات شاملة، سيكون تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي أمراً بالغ الصعوبة من وجهة نظره.
اقرأ أيضاً: الدردري يتحدث بالأرقام: 36 مليار دولار لإنعاش الاقتصاد السوري!
ويوضح التقرير أن الأزمة أدت إلى خسائر اقتصادية ضخمة تقدر بنحو 800 مليار دولار على مدار 14 عاماً من الصراع، كما أن ثلاثة من كل أربعة أشخاص يعتمدون حالياً على المساعدات الإنسانية، فيما يعاني الملايين من نقص الخدمات الأساسية مثل الصحة، التعليم، المياه، والطاقة.
كما تفاقم الفقر بصورة غير مسبوقة، إذ ارتفع من 33% قبل الحرب إلى 90% اليوم، بينما تضاعف الفقر المدقع ست مرات ليصل إلى 66%، وإلى جانب ذلك، تسببت الحرب في وفاة أكثر من 618 ألف شخص، واختفاء 113 ألف آخرين قسرياً، كما أن انهيار النظام الصحي أدى إلى فقدان العديد من الأرواح بسبب تدمير ثلث المرافق الصحية وتعطل ما يقارب نصف خدمات الإسعاف.
وكان الأطفال من أكثر الفئات تضرراً، حيث تشير التقديرات إلى أن ما بين 40% و50% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و15 عاماً غير ملتحقين بالمدارس، في حين تعرضت قرابة ثلث الوحدات السكنية للدمار أو لأضرار بالغة، مما أدى إلى نزوح ملايين الأشخاص الذين يحتاجون اليوم إلى دعم في مجال الإيواء.
كما تسبب الصراع في دمار واسع للبنية التحتية، حيث تضرر أكثر من نصف محطات معالجة المياه وأنظمة الصرف الصحي، مما حرم نحو 14 مليون شخص من الحصول على مياه نظيفة وخدمات صحية ملائمة، ولم يكن قطاع الطاقة أفضل حالاً، إذ انخفض الإنتاج بنسبة 80%، في حين أصيبت 70% من محطات الكهرباء وخطوط النقل بأضرار كبيرة، ما أدى إلى انخفاض القدرة التشغيلية للشبكة الوطنية إلى أقل من ربع طاقتها السابقة وفق التقرير.
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يعلن موعد تعليق العقوبات المفروضة على سوريا
أما مؤشر التنمية البشرية، فقد تراجع بشكل غير مسبوق، حيث انخفض من 0.661 في عام 2010 إلى 0.557 اليوم، وهو مستوى أدنى حتى من أول قيمة تم تسجيلها للمؤشر في سوريا عام 1990.
وفي ضوء هذه التحديات، يطرح التقرير رؤية لإعادة بناء الاقتصاد السوري، مشدداً على ضرورة تحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة من أجل توفير سبل العيش الكريم للسوريين، لكنه يحذر من أن استمرار النمو الاقتصادي بمعدله الحالي البالغ 1.3% يعني أن سوريا ستحتاج إلى 55 عاماً لاستعادة مستويات ناتجها المحلي الإجمالي قبل الحرب، بينما يتطلب تقليص هذه المدة إلى 15 عاماً رفع معدل النمو إلى 5% سنوياً، في حين يحتاج تحقيق المستوى الاقتصادي المتوقع لسوريا لولا الحرب إلى معدل نمو سنوي يبلغ 13.9% حتى عام 2034.