إنها دمشق المدينة التي تنام على وسادة من التاريخ، وتحتفظ بين أزقتها بعدد من الأماكن المعمرة، التي تجسد روح البلاد وعراقتها الثقافية والاجتماعية على حد سواء، ومن جملة هذه الأماكن مجموعة من المقاهي التي حملت الإرث الثقافي والسياسي والفني للمدينة.
وفي السياق تبرز أسماء مقاه ثلاثة، تعتبر علامة فارقة بين مقاهي دمشق، مقهى النوفرة والهافانا والروضة، والتي ارتبط اسم كل واحدة منها بقصص جزء منها انتقل على ألسنة الناس وجزء آخر احتفظت به الجدران فأكسبها الثقل الذي ارتبط بها.
أيضاً يجد البعض في المقاهي الثلاثة أنها استطاعت أن تختزل ذاكرة الأماكن التي جاورتها، لاسيما أن أبوابها بقيت مفتوحة طيلة فترات التحولات الكبرى في دمشق.
وفي السياق يشهد مقهى النوفرة على خمسة قرون من الزمن بوصفه أقدم مقهى في دمشق، إذ يتجاوز عمره الـ500 عام، ويقع في حي النوفرة المجاور للجامع الأموي، مطلاً على ساحات مرصوفة بأحجار البازلت السوداء.
وكان المقهى اكتسب اسمه من النافورة التاريخية التي كانت تتدفق بالمياه قبل أن يجف نهر يزيد، لكن اسمه بقي مرتبطا بذاكرة المكان.
اقرأ أيضاً: ترخيص بريطاني جديد يخفف القيود المفروضة على 8 بنوك سورية
وفي ذات السياق يتميز المقهى بعمارته الدمشقية التقليدية، ذات السقوف العالية من الخشب المزخرف والجدران المزينة بصور لشخصيات تاريخية من أمثال عنترة بن شداد، لاسيما أن مقهى النوفرة يشتهر بتقليد الحكواتي، وهو ميزة عن بقية مقاهي دمشق تجعله قادراً على اجتذاب الزوار، الذين يقعون تحت تأثير قصصه وإيماءاته الدرامية وصوته الجذاب، ويطلبون إليه في بعض الحالات تحرير البطل من الأسر قبل الفجر.
وكان للمقهى حضور لافت على مر التاريخ وارتبط اسمه بشخصيات أدبية مثل شوقي بغدادي، كما أصبح وجهة للسياح والمثقفين الباحثين عن جو تقليدي بعيداً عن ضوضاء العصر.
اقرأ أيضاً: أشهر المقبلات السورية التي لا يمكنك تفويتها!
وفي سياق مواز شكل مقهى الروضة ملتقى للسياسة والأدب وكان قد تأسس في العام 1938 على أنقاض سينما صيفية في منطقة قريبة من البرلمان السوري، مما جعله ملتقى للسياسيين والنخب الفكرية، واشتهر المقهى بجلساته التي جمعت بين كبار السن والمفكرين مثل الشاعر نصر الدين البحرة، ودارت فيه نقاشات سياسية وأدبية شكلت جزءاً من تاريخ سوريا الحديث.
أما مقهى الهافانا بني في العام 1945 في شارع بور سعيد، وتأثر اسمه بحب صاحبه الأصلي للمدينة الكوبية “هافانا”، الذي أراد أن يكون المقهى مركزاً ثقافياً كالمراكز الموجودة في كوبا.
وسرعان ما تحول المقهى إلى ملتقى لأعلام الأدب والسياسة، مثل الشاعر محمد الماغوط ومؤسس حزب البعث زكي الأرسوزي، بل وشهد المؤتمر التأسيسي للحزب عام 1947.
ويتميز المقهى بتصميم يعود إلى الأربعينيات، مع واجهة زجاجية تطل على الشارع، وجدران مزينة بصور لرواده التاريخيين مثل بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي، في الثمانينيات، وكاد المقهى يختفي بسبب محاولات تحويله إلى متجر، لكن حملة قادها مثقفون أدت إلى استملاكه من قبل وزارة السياحة وترميمه.
اقرأ أيضاً: مشروع لإعادة هيكلة القطاع المصرفي السوري بشراكة أوروبية