هناك أكلات عدة تتشابه بين المطبخين الحلبي والشامي، لكن كل مدينة تتميز بطريقتها الخاصة في تحضيرها، أو هكذا يقولون، ولكن عموماً يعدّ المطبخ الشامي صحياً أكثر ويستخدم التوابل بطريقة أقل مقارنة بالمطبخ الحلبي، الذي يعتمد بشكل كبير على الدسامة والتوابل.
وتعدّ الكبة اللبنية من الأطباق الشهيرة التي يتجادلون حولها، وتُحضَّر من اللحم والبرغل الناعم والبصل والتوابل، وتعتبر أكلة سورية أصيلة، لكن، يظل النقاش قائماً حول أصلها، حيث يتنافس المطبخان على نسبتها إليهما.
ومع ذلك لا تختلف الكبة اللبنية كثيراً بين الشام وحلب، ففي حلب، طريقة التحضير مختلفة، إذ تعجن جميع المكونات معاً وتكوّر وتوضع في اللبن، بينما في الشام، تُعجن المكونات أولاً ثم يُحشى البرغل باللحم المفروم مرة أخرى قبل إضافة الكبب إلى اللبن، وقد تختلف بعض التوابل قليلاً بين المنطقتين وحسب الرغبة.
أما المجدرة، أيضاً لا تختلف كثيراً بين المدينتين، حيث يمكن تحضيرها من الأرز أو البرغل مع العدس، وهذا ما يفعله الدمشقيون، ولكن، يميل الحلبيون إلى إعداد مجدرة الأرز أكثر، وفي المنطقتين تُقلى جوانح البصل بالزيت أو السمن وتضاف إلى وجه المجدرة.
اقرأ أيضاً: الباطرش الحموي وسر الوصفة
وقد تختلف أطباق الفطور خاصة في يوم الجمعة بين حلب ودمشق، ورغم أن التسقية أو الفتة بالسمن تعتبر أكلة سورية أصيلة، يزعم الشوام أنها تعود لهم، بينما يعتمد الحلبيون على فطور الفول بالطحينة أو المامونية الحلبية الأصيلة، التي تُصنع من السميد والسكر والفستق الحلبي وماء الزهر، وغالباً ما تُؤكل مع جبنة الموزاريلا أو الجبنة المشللة.
وذكرنا أن المطبخ الشامي يُعرف بتنوع الأكلات النباتية الصحية، ومنها يبرز أبو شلهوب، المصنوع من البرغل والكوسا، وهناك أيضاً أكلة حرق أصبعه، التي تُعدّ من العدس والمعكرونة والبصل وبعض أنواع الخضار حسب الرغبة، وتشبهها أكلة الست زبقي.
وتعد المسقّعة من الأطباق الصحية الشهيرة، حيث يتم قلي الثوم والبصل بزيت الزيتون حتى يأخذان اللون الأحمر، ثم يُضاف الباذنجان والفلفل الأخضر وقطع الطماطم، وتُغمر المكونات بالماء وتُترك على نار هادئة حتى تنضج، هناك أيضاً الفول الأخضر المقلي مع الثوم الأخضر، خاصة في فصل الربيع، واليالنجي، وهو ورق العنب المحشي بالأرز والخضار مع إضافة دبس الرمان وملعقة من القهوة التي تضفي طعماً رائعاً، وبالطبع، لا تخلو الموائد في دمشق من الأطباق الدسمة مثل الشاكرية والشيش برك، والكبب والمشاوي بأنواعها.
اقرأ أيضاً: الحرحورة الحمصية هكذا ظهرت إلى الوجود
أما في حلب، ورغم وجود الأكلات النباتية، إلا أن اللحوم تطغى على موائدهم، تتباهى النساء الحلبيات بأنواع الكبب والكباب التي لا تعد ولا تحصى: كبة مشوية، كبة مقلية، كبة بسماقية، كبة سفرجلية، وكباب بالباذنجان، ولحمة أو كباب بالكرز، هذه الأكلة الأخيرة تعد غريبة الأطوار بالنسبة لأهالي دمشق كونها تحتوي على الطعم المالح والحلو والحامض في آن واحد، لكن، عندما يتذوقونها، يجدونها لذيذة، “وقد لا يعترفون”.
من جهة أخرى، تتميز الأكلات التقليدية الأخرى في حلب مثل منسف الفريكة، الذي يُعد من طبقتين، الأرز والفريكة، ويتوّج بقطع اللحم المسلوق والمكسرات، كما يوجد طبق اللبنية –الذي يختلف عن الكبة اللبنية – ويُحضر بطبخ اللبن مع النشا أو البيض والثوم، ويُسلق بجانبه اللحم أو الدجاج مع البرغل بالشعيرية.
كما أن أكلة التريد أو الثريد، التي تتكون من البيض المقلي مع اللبن والثوم، تحتل مكانة خاصة في قلوب أهالي حلب، ولا يمكن نسيان “زنود الست”، التي تُحضر من اللحم والبصل والبقدونس والفلفل الأخضر، ثم تُشوى في الفرن بعد تشكيلها على شكل أسطواني، “السندوانة” أيضاً أكلة شهيرة، تُصنع من محشي المعى من الأرز واللحم والحمص، المقلي بالسمن.
حتى الأطباق النباتية مثل الفاصولياء والفول الأخضر يضيفون إليها اللحم المفروم، ومن بين الأطباق الشهيرة كذلك، نجد “عش البلبل”، وهو لحم بعجين مورق، والذي يُعده الحلواني بطريقة احترافية، ولا ننسى أكلة “ضرب قتل”، التي تتكون من البيض المقلي بالدهن، إضافة إلى “القشة”، التي تشمل الرأس والمقادم والكرش المحشوة بالأرز.
اقرأ أيضاً: المعاجيق في سلمية أو المعجوقة السلمونية
وفي قائمة الحلويات، تخفّ شرارة الحرب قليلاً ولكن لا تنطفئ، ففي دمشق تعد البلورية إحدى أشهر الحلويات، وعلى الرغم من شهرتها الكبيرة في المدينة، إلّا أن أصولها تعود إلى مدينة حلب، تُصنع البلورية من عجينة الكنافة المحشوة بالفستق الحلبي، ويجب خبزها على نار منخفضة حتى تبقى لون العجينة بيضاء، ثم تُغمر في القطر وتترك جانباً حتى تبرد.
المعمول يشتهر في دمشق أيضاً، ويعدّ أحد أنواع الكعك المحشو بالتمر أو الجوز أو الفستق الحلبي، ويُحضّر عادةً في الأعياد، أما تاج الملك “عش البلبل” يُحضّر من عجينة الكنافة، ويُشكل على شكل أعشاش صغيرة، يُدهن بالزبدة ويُخبز حتى يتحمر، ثم يُحشى بالفستق الحلبي.
وتشتهر حلب أيضاً بحلويات مميزة، مثل القطايف الحلبية، التي تُحشى بالجبنة وتُقلى وتُغمس بالقطر، وقادو قوقو، وهي حلوى تشبه الكنافة وتحشى بالجبنة وتُطهى بالفرن، وتتميز البقلاوة الحلبية بطبقاتها الرقيقة وحشوتها الغنية بالجوز أو الفستق.
ختاماً، تميز هذه الصراعات اللطيفة مكونات المجتمع السوري في كل منطقة، وتعطي الحياة لمسة من الفكاهة والحب، ومهما مرّت الأيام، سيبقى أهالب حلب والشام مصرين على إيجاد اختلافات ولو بسيطة ليتباهوا بتميزهم عن بعضهم البعض، وتبقى الأطباق شاهدة على تاريخ طويل من التنافس والمحبة والطعم اللذيذ.
اقرأ أيضاً: من الفلافل إلى تماري الكعك.. أشهر أكلات الشارع السوري!