في ظل التغيرات المتسارعة التي تشهدها الساحة السورية، تتجه الأنظار نحو مؤتمر الحوار الوطني المرتقب، والذي يُنظر إليه كخطوة مفصلية نحو إعادة بناء جسور الثقة بين مختلف مكونات المجتمع، وبحسب مصادر خاصة لتلفزيون سوريا، حدّد الموعد الأولي لانعقاد المؤتمر يومي 24 و25 شباط الجاري، حيث ستتاح الفرصة للمشاركين للقاء والتفاعل في اليوم الأول، بينما خُصص اليوم الثاني لمناقشة محاور جوهرية تمس مستقبل البلاد.
ويأتي هذا المؤتمر في سياق جهود اللجنة التحضيرية التي أنهت جولات تمثيلية شملت جميع المحافظات، بمشاركة أربعة آلاف مواطن ومواطنة، لضمان اتساع نطاق التمثيل المجتمعي وتنوع وجهات النظر، ووفقاً للمعلومات الواردة، سيتم خلال المؤتمر مناقشة ستة ملفات رئيسية تشمل العدالة الانتقالية، وإعادة بناء الدستور والمؤسسات، وضمان الحريات الشخصية، وتحسين الأوضاع الإنسانية، وتعزيز دور منظمات المجتمع المدني، إلى جانب طرح المبادئ الاقتصادية الضرورية لتحقيق استقرار طويل الأمد.
ومن المتوقع أن يجتمع في المؤتمر نحو ستمئة شخصية من مختلف أنحاء سوريا، حيث سيتم توزيعهم إلى مجموعات متخصصة لمناقشة القضايا المطروحة بعمق أكبر، ما يسهم في تحقيق مقترحات عملية قابلة للتطبيق.
وقد أشار المتحدث باسم اللجنة التحضيرية، حسن الدغيم، في تصريحات سابقة إلى أن اللجنة تلقت عدداً كبيراً من المقترحات من المواطنين، ما ساعد على بلورة مسارات النقاش وتحديد الأولويات، مؤكداً أن المشاركة الواسعة عكست رغبة حقيقية لدى السوريين في الانخراط بالحوار الوطني والسعي نحو مرحلة انتقالية مستقرة.
اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة تتابع الحوار السوري «عن كثب» وبيدرسون في دمشق قريباً
وأضاف الدغيم: إن القضايا المتعلقة بالعدالة الانتقالية وصياغة دستور جديد، بالإضافة إلى الإصلاح المؤسسي والاقتصادي، كانت في صدارة الاهتمامات التي طرحها المشاركون خلال اللقاءات التمهيدية، لكنه أشار أيضاً إلى أن الأولويات قد تختلف بين منطقة وأخرى، خصوصاً فيما يتعلق بإعادة الإعمار وتحسين الخدمات العامة، فضلاً عن الجدل حول بعض القوانين المثيرة للجدل مثل العزل السياسي.
ومع اقتراب موعد انعقاد المؤتمر، تؤكد اللجنة المنظمة على أهمية ترسيخ ثقافة الحوار كأداة رئيسية لحل الأزمات الوطنية، مشددةً على أن المؤتمر لن يكون مجرد لقاء بروتوكولي، بل محطة ضرورية لتقديم حلول عملية قابلة للتنفيذ، كما أوضح الدغيم أن النقاشات التي ستُجرى خلال المؤتمر لن تقتصر على استعراض المشكلات فحسب، بل ستسعى إلى اقتراح آليات تطبيقية لإحداث تغيير إيجابي ملموس.
بدوره، شدد رئيس اللجنة، ماهر علوش، على أن سوريا تمر بمرحلة تاريخية تتطلب مشاركة الجميع في صياغة مستقبلها، وذكر في تصريح سابق أن المؤتمر لا يهدف فقط إلى جمع الآراء، وإنما إلى تحويل تلك الآراء إلى خطط قابلة للتنفيذ عبر ورشات عمل تضمن تفاعل جميع فئات المجتمع، مشيراً إلى أن السوريين لم تُتح لهم فرصة حقيقية للحوار المباشر منذ عقود، ما يجعل هذا المؤتمر فرصة استثنائية لمناقشة المسائل المصيرية التي تشغل الرأي العام السوري.
كما لفت علوش إلى أن السوريين ظلوا يتساءلون عن مستقبلهم وسط الأزمات المتراكمة، مؤكداً أن هذه اللحظة تتيح لهم إثبات قدرتهم على مواجهة التحديات والعمل المشترك لإعادة بناء الدولة على أسس صلبة، وأضاف أن الهدف الرئيسي للمؤتمر يتمثل في بناء دولة قائمة على العدالة والحرية والمساواة، وهي المبادئ التي دفع السوريون ثمناً باهظاً لتحقيقها.
اقرأ أيضاً: الحوار الوطني: مشاورات بناءة وشفافة في اللاذقية وحماة
وأشار إلى أن اللجنة التحضيرية حرصت على وضع الأسس التي تضمن نجاح المؤتمر، عبر استمرار اللقاءات في مختلف المحافظات وجمع أوراق عمل تعكس تطلعات مختلف الأطراف المشاركة، أما عن آلية التمثيل، فقد أكد علوش أن الهدف الأساسي هو ضمان شمولية المشاركة بعيداً عن الحسابات النسبية أو التقسيمات التقليدية، بحيث يكون لكل صوت مكانه في عملية الحوار.
وفي هذا السياق، كانت اللجنة التحضيرية قد عقدت أولى جلساتها في مدينة حمص منتصف الشهر الجاري، بحضور خمسة من أعضائها السبعة، حيث اجتمعوا مع شخصيات تمثل أطيافاً متعددة من المجتمع السوري، بما في ذلك شخصيات مدنية وعسكرية، وواصلت اللجنة جولاتها في باقي المحافظات، حيث التقت بممثلين عن مختلف الشرائح لضمان اتساع قاعدة المشاركة.
جدير بالذكر أن الرئاسة السورية كانت قد أعلنت قبل أسابيع عن تشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر، والتي تضم أسماء بارزة مثل حسن الدغيم، وماهر علوش، ومحمد مستت، ومصطفى موسى، ويوسف الهجر، وهند قبوات، وهدى الأتاسي، في خطوة تهدف إلى تهيئة الظروف الملائمة لعقد حوار وطني شامل يمهد الطريق أمام مستقبل أكثر استقراراً لسوريا.
اقرأ أيضاً: تفاصيل اتفاق الحكومة وقسد لاستئناف استجرار النفط والغاز