شهدت سوريا خلال الربع الأول من عام 2025 ارتفاعًا مقلقًا في عدد حوادث السير، حيث استجابت فرق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) لأكثر من 600 حادث سير في العديد من المناطق السورية، أسفرت عن وفاة 39 شخصاً، بينهم 34 رجلاً و4 نساء وطفل، فيما أصيب 567 آخرون، بينهم 376 رجلاً و72 امرأة و119 طفلاً.
وتعد هذه الأرقام مؤشرًا خطيرًا على استمرار تدهور واقع السلامة المرورية، وتكشف عن فجوة كبيرة في آليات التنظيم المروري، وضعف البنية التحتية في مناطق تشهد أصلاً كثافة سكانية عالية بسبب النزوح.
الأرقام في ازدياد والأسباب واضحة!
وبالمقارنة مع العام الماضي، فإن وتيرة الحوادث لا تزال مرتفعة، وإن كانت أقل عدداً من حيث الضحايا في بعض المناطق، ففي الفترة ما بين يناير ومايو من عام 2024، سجلت في عموم البلاد 3279 حادث سير، أسفرت عن 129 وفاة و2189 جريحاً.
وتعكس هذه الأرقام، رغم اختلاف الرقعة الجغرافية والتوزيع السكاني، اتجاهاً ثابتاً نحو تفاقم الوضع، لاسيما في المناطق التي تفتقر إلى البنية التحتية المرورية، أو التي تعاني من ضعف في آليات الرقابة والتنظيم.
وتتصدر السرعة الزائدة أسباب الحوادث في كلا العامين، حيث أظهرت إحصائيات 2024 أن 634 حادثاً نتجت عن السرعة المفرطة، فيما حلت أسباب أخرى مثل عدم ترك مسافة أمان، والسير في الاتجاه المعاكس، وعدم التقيد بالإشارات الضوئية، والتوقف غير النظامي، في مراتب متقدمة ضمن مسببات الحوادث.
وهذه الأسباب مجتمعة تشير إلى تراجع ثقافة القيادة الآمنة، وغياب الردع القانوني الفعّال، بالإضافة إلى ضعف آليات الرقابة على السائقين، خاصة في ظل السماح لغير المؤهلين بقيادة المركبات.
اقرأ أيضاً: تعميم: منع تجوال الدراجات النارية غير المرخصة داخل دمشق
سوريا تحتل الصدارة مقارنة في لبنان
عند المقارنة مع دول الجوار، يتضح أن سوريا باتت تتجاوز معدلات الخطر في بعض المؤشرات، ففي لبنان مثلاً، سجلت منظمة “اليازا” خلال شهر آذار فقط 19 حالة وفاة و136 إصابة ناتجة عن 118 حادث سير، بينما بلغ عدد قتلى الحوادث حتى نهاية مارس 2025 نحو 90 شخصاً.
ورغم أن لبنان يعاني هو الآخر من مشاكل في البنية التحتية وتردي الخدمات، إلا أن عدد الضحايا هناك لا يزال أقل نسبياً مقارنة بعدد السكان، ما يعكس اختلافاً في مستوى التنظيم وفعالية الرقابة المرورية.
وتتعمق المشكلة في سوريا بسبب سوء تنظيم الطرقات وافتقارها للصيانة الدورية، فالحفر والمطبات العشوائية تنتشر بكثرة، وغالباً ما تكون سبباً مباشراً أو غير مباشر في الحوادث، خصوصاً في المناطق ذات الإضاءة الضعيفة أو غير المزودة بإشارات تحذيرية.
كما تعاني البلاد من غياب نظام موحد لإدارة السير، ما يؤدي إلى ارتباك في الحركة المرورية، خاصة عند التقاطعات ومفارق الطرق الرئيسية، ومن العوامل الأخرى التي تؤثر على واقع الطرق غياب إشارات السير الواضحة، وتداخل الصلاحيات بين الجهات المعنية، ما يُفقد عملية تنظيم المرور فعاليتها.
آليات فحص المركبات في سوريا
ولا تقل آليات الفحص الفني للمركبات إشكاليةً عن وضع الطرقات، إذ أصدرت الحكومة السورية في نظام الأسد المخلوع، قراراً يفرض بدلات جديدة للفحص الفني للمركبات، تراوحت بين 2000 و225 ألف ليرة، ما أثار استياء شريحة واسعة من مالكي المركبات الذين اعتبروا الكلفة باهظة.
ورأى البعض أن القرار، وإن حمل جانباً تنظيمياً من حيث إدخال أجهزة فحص حديثة، إلا أنه يثقل كاهل المواطنين، ما قد يدفعهم إلى تجنب إجراء الفحص الدوري.
وتؤكد مصادر في الجمعية الحرفية لصناعة السيارات أن الإقبال على صيانة المركبات انخفض بنسبة 60%، نتيجة ارتفاع أسعار قطع الغيار، وأجور العمال، وتدهور سعر الصرف، بينما تبقى السيارات التجارية والنقل هي الفئة الوحيدة التي تلتزم نسبياً بالصيانة كونها مصدر رزق لأصحابها.
ويؤكد مختصون أن السبب الرئيس لغالبية الحوادث يكمن في القيادة المتهورة وعدم فحص المركبات، حيث تسجل حوادث متكررة بسبب أعطال في المكابح، أو سوء حالة الإطارات والأنوار، فضلاً عن القيادة في حالات التعب أو تحت تأثير المسكرات.
وتشير الإحصائيات إلى أن العام الماضي شهد أكثر من 130 حادثاً بسبب سوء حالة الطريق وحده، و144 حادثاً بسبب عطل مفاجئ في المركبة، وهو ما يكشف عن حجم الإهمال في إجراء الصيانة الدورية.
اقرأ أيضاً: معدلات الجريمة في سوريا.. أرقام صادمة والحلول غائبة!
جهود إسعافية لا أكثر!
ورغم جهود فرق الدفاع المدني المتواصلة في الاستجابة السريعة للحوادث وتقديم الإسعافات الأولية، تبقى هذه الجهود إسعافية لا أكثر، إذ لا تغني عن ضرورة وجود استراتيجية وطنية للحد من الحوادث المرورية.
وتتطلب هذه الاستراتيجية تضافر جهود السلطات المحلية، والمجتمع المدني، والمؤسسات التعليمية والدينية، لتكريس ثقافة القيادة الآمنة، وزيادة التوعية حول أهمية صيانة المركبات، والالتزام بقوانين السير.
ويرى الخبراء أنه من الضروري أن تبدأ الجهات المسؤولة بمعالجة الأسباب الجذرية للحوادث، عبر تحسين البنية التحتية للطرقات، وتطبيق نظام فحص فني فعال ومدعوم، وتنظيم حركة السير بشكل أكثر صرامة، بالإضافة إلى تطوير منظومة إشارات المرور والرقابة على الالتزام بها.
وحتى يتحقق ذلك، ستبقى الأرواح تزهق على الطرقات، ويظل الحديث عن السلامة المرورية مجرد شعارات لا تحمي السائقين ولا المارة.