الأربعاء 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2021
نشطت موسكو في الفترة الأخيرة في الشمال السوري سياسياً وعسكرياً، خاصة تجاه المكون الكردي السوري. فقد استقبلت في الأسبوع الأخير من الشهر المنصرم رئيس قسم العلاقات الخارجية في المجلس الوطني الكردي كاميران حاجو، ثم استقبلت في 5 الشهر الجاري وفد “جبهة السلام والحرية” المعارضة برئاسة أحمد الجربا، كما تستعد لمحادثات مع وفد من “مجلس سوريا الديموقراطية” (مسد) برئاسة إلهام أحمد.
رافق الجربا في زيارة موسكو وفد، اقتصر على كرديين من أربيل، وكان مرتاحاً جداً للمحادثات مع وزير الخارجية سيرغي لافروف ومن ثم مع نائبه والممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وإفريقيا ميخائيل يوغدانوف، حسب مصدر ل”المدن” في موسكو تابع زيارة الجربا عن كثب وتمنى عدم ذكر اسمه. وأصدرت الخارجية الروسية عقب المحادثات مع لافروف بيانًاً مقتضباً لوسائل الإعلام، من دون أن تصدر أي بيان بعد المحادثات التفصيلية عن الأوضاع في سوريا مع بوغدانوف. وذكر البيان أن المحادثات مع لافروف ركزت على ضرورة تحريك العملية السياسية على أساس قرار مجلس الأمن 2554، بما في ذلك إقامة حوار “دائم وبناء” بين السوريين بـ”مختلف الأشكال”. وكرر لافروف ما تردده روسيا دائماً عن تأكيدها على سيادة سوريا ووحدة أراضيها وضرورة تنشيط الجهود الدولية لتحسين الحياة الإنسانية في سوريا وإعادة بنائها بعد إنتهاء الحرب.
مصدر “المدن” يقول بشأن زيارة وفد “مسد” بأن إلهام أحمد كانت منذ حوالي الشهر في موسكو، وتعود إليها بعد زيارتها للولايات المتحدة، مما يعزز مصداقية الحديث عن تفاهم روسي أميركي ما بشأن المكون الكردي في سوريا. ويرى أن تنشيط اتصالات موسكو مع المعارضة والمكون الكردي السوري يهدف، بالدرجة الأولى، إلى تجميع القوى السياسية والعسكرية العاملة في شمال شرق سوريا للوقوف بوجه الحملة العسكرية التركية المحتملة، على الرغم من انخفاض معدلات هذا الاحتمال لأسباب متعددة. لكنه لا يستبعد أن يكون تنشيط هذه الاتصالات يستهدف ما هو أبعد من ذلك، تكرار سيناريو درعا الروسي في شمال شرق سوريا، على أن تلعب روسيا دور الضامن للاتفاق بين القوى الكردية والنظام السوري. وفي هذا السياق يجري الحديث عن تفاهم روسي أميركي في إبعاد التشكيلات الكردية المسلحة إلى مسافة ما عن الحدود التركية، مما يهدئ من المخاوف التركية وهو ما يشكل مصلحة مشتركة للروس والأميركيين كلٍ لأسبابه. فمن مصلحة روسيا عشية لقاء منصة أستانة الشهر المقبل، أن تهدئ من مخاوف شريكيها التركي والإيراني. فالعلاقات الروسية التركية تمر بمرحلة تراجع لا تريد له روسيا أن يتعمق، سيما أنها تعتبر هذه العلاقات مع إردوغان إنجازاً إستراتيجياً لن تتخلى عنه، حتى بسبب تعارض مصالحهما في سوريا، وهو ما لا تراه تركيا، بل ترى فيه سياسة تكتيكية لن تتخلى من أجلها عن علاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب، وعن عضويتها في حلف الناتو. ومن الجانب الإيراني، أثارت مخاوف جدية لدى الإيرانيين تسريبات الإسرائيليين عن اتفاق جديد إسرائيلي روسي في لقاء بوتين بينيت بشأن الضربات الإسرائيلية لأهداف إيرانية في سوريا، ردت عليه موسكو بأنها تسريبات أجهزة أمنية عسكرية إسرائيلية. كما عمدت إلى واستبدال الاقتراح الإسرائيلي بلقاء مسؤولي الأمن القومي في روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة بلقاء ثنائي عقد في موسكو مع مدير CIA وليم بيرنز مطلع الشهر الجاري.
في العودة إلى زيارات الوفود السورية الأخيرة إلى موسكو، ولدى سؤال “المدن” عن سبب هذه الزيارات وما إن كانت روسيا تستعد لتكرار سيناريو درعا في شمال شرق سوريا، قال المستشرق وخبير المجلس الروسي للشؤون الدولية كيريل سيميونوف، بأنه يعتقد بأن نشاط موسكو هذا مرتبط بتحضير أنقرة لعملية عسكرية تود روسيا الحؤول دونها. وتحاول موسكو، برأيه، العمل مع جميع أطياف القوى العسكرية والسياسية العاملة في شمال شرق سوريا من أجل إيجاد صيغة ممكنة لحل سلمي دون الوصول إلى اندلاع صراع عسكري بين النظام السوري وحلفائه وتركيا وحلفائها، لن تتمكن موسكو من عدم الانخراط فيه، وليس بالطيران وحده. وبشأن احتمال تكرار سيناريو درعا، قال سيميونوف بأن هذا الاحتمال يمكن أن تكرره روسيا في هذه المنطقة، لكن “الكثير هنا يعتمد على الموقف الذي ستتخذه الولايات المتحدة”.
المعلق والمتابع لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة NG الروسية إيفور سوبوتين قال ل”المدن” بأن الاتفاقيات التي عقدتها “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) مع روسيا والولايات المتحدة بشأن تخفيض التوتر في شمال غرب سوريا، تحمل طابعاً عاماً، ولا تحتوي على مضمون ملموس، ما يحافظ على مشكلة تكرار الاشتباكات المسلحة كما هي في هذه المنطقة. روسيا كان بودها، بالطبع، أن تتواصل “قسد” مع دمشق الرسمية على مستوى من الاتفاق الذي يسمح بدمج قوات منطقة الحكم الذاتي هذه في الجيش السوري الرسمي. لكن حتى الوقت الراهن نرى أن العروض التي تقدمها روسيا لم تناسب قيادة هذه المنطقة، وليس من أساس لكي نتوقع إمكانية التوصل لمثل هذه الاتفاقية في الفترة القريبة.
وبالنسبة للشائعات عن عملية تركية قريبة، يعتقد سوبوتين بأنها مضخمة، وإذا ما حدثت فلن تكون واسعة كما كانت عليه حملة “نبع السلام”. فما كانت أنقرة تقوم به في عهد دونالد ترامب، قد يكون من الصعب القيام به في عهد جوزيف بايدن برأيه.
في مواصلة لحديثه مع الصحيفة الروسية عن زيارته لموسكو أواخر الشهر المنصرم، وفي رد على سؤاله عن سبب زيارته لموسكو، قال كاميران حاجو بأن روسيا دولة مهمة جداً في الصراع السوري، والمسالة الكردية “حرجة للعايةً” في الوضع السوري. ولذلك هم بحاجة دوماً للتواصل مع روسيا ومواصلة العلاقات معها.
ولدى سؤاله عن أن موسكو لا يعجبها نشاط الولايات المتحدة على الاتجاه الكردي، وما إن كان الدبلوماسيون الروس يحدثونهم عن ذلك، قال بأنهم على علم بهذا الأمر، لكنهم مشارك صغير في هذه اللعبة الكبرى، ويحاولون الحفاظ على علاقاتهم مع الجميع، مع روسيا ومع الولايات المتحدة.
وعن رأيه في ما تقوله موسكو بأنه لولا الولايات المتحدة، لكان نشط الأكراد أكثر في الحوار مع دمشق، نفى أن يكون الأمر متعلقاً بحزب الاتحاد الوطني، لكنه يقول بأن الولايات المتحدة لا تسهل حوار التشكيلات الكردية الأخرى مع النظام السوري، إلا أنها لا تعرقله في الوقت عينه، خاصة إدارة الرئيس جو بايدن. موقف إدارة دونالد ترامب كان واضحاً جداً: أنتم لا يمكنكم القيام بأي شيء.
وعن ما إذا كان هناك من تغيير في موقف واشنطن حيال دمشق، وما إن كانت مستعدة للحوار مع السلطات السورية، قال بأنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة سوف تتحدث مع دمشق. لكنه واثق من أن ملك الأردن عبد الله لم يكن ليتصل هاتفياً ببشار الأسد من دون ضوء أخضر أميركي. وذكّر بعدد اللقاءات الكبير التي عقدها وزير خارجية النظام خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليستنتج بأن هناك تغييراً في الموقف الأميركي حيال دمشق.
المصدر: المدن
- بسام مقداد كاتب سوري