الجمعة 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2021
سوريا اليوم – متابعات
اشتعلت “معركة دينية” جديدة بين الحكومة السورية وبين المعارضة السورية، بعد الأزمة التي أحدثها مرسوم سوري أخير مثير للجدل بإلغاء منصب مفتي الجمهورية.
وجاءت المعركة الجديدة على خلفية توزيع كتب مدرسية دينية في مدارس الشمال السوري، طبعتها وزارة التربية التركية، اعتبرها السوريون مسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
وكانت الأزمة السابقة التي بدأت بإلغاء الرئيس السوري بشار الأسد منصب مفتي الجمهورية ومناصب مفتي المحافظات بموجب المرسوم التشريعي رقم 28 لعام 2021 يوم 15 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، ونقل صلاحيات الإفتاء إلى “المجلس العلمي الفقهي” التابع لوزارة الأوقاف بالحكومة السورية، بعد أزمة تسبب بها المفتي السابق أحمد حسون.
ورد “المجلس الإسلامي السوري” (معارض) على القرار الحكومي السوري بإعلانه انتخاب رئيسه الشيخ أسامة عبد الكريم الرفاعي مفتياً عاماً للجمهورية العربية السورية بعد 5 أيام.
إلا أن توزيع بعض الكتب المدرسية الدينية في مدارس الشمال السوري الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، والتي حملت رسوماً توضيحية اعتبرها كثير من السوريين في مناطق المعارضة والحكومة على السواء مسيئة للرسول، أشعل المعركة الجديدة بين الحكومة والمعارضة.
غضب ومظاهرات وحرق للكتب
وشهدت مناطق المعارضة في شمال سوريا تظاهرات وحالة من الغضب، احتجاجاً على توزيع كتب مدرسية تحوي “صوراً مسيئة” للرسول، بعد أن وزعت الكتب الدينية المخصصة للصف الأول الابتدائي في مدارس عدة، تقع تحت سيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها في شمال سوريا، بينها مدينة جرابلس الحدودية، التي سارع السكان فيها إلى إحراق الكتب.
وبحسب مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن قوات تابعة لـ”الجيش الوطني” و”الشرطة العسكرية” التابعين للمعارضة السورية، أجرت عمليات دهم وبحث عن مصادر الكتب، بهدف مصادرتها من مديريات التربية والمدارس قبل توزيعها على باقي الطلاب ضمن مناطق سيطرتها.
وقال أحد سكان المدينة مصطفى عبد الحق لوكالة “فرانس برس“: “فوجئنا صباحاً بوجود الكتب (..) التي تحوي صوراً تُجسد النبي، وهو أمر لا نرضى به”، مشيراً إلى أن ناشطين وسكاناً تواصلوا في ما بينهم وتم “جمع الكتب وحرقها” في وسط المدينة.
ويمتنع المسلمون عن تشخيص النبي محمّد صلى الله عليه وسلم عبر رسوم أو أفلام وقصص دينية، ويرون فيها إساءة.
وتحظى تركيا بنفوذ متزايد في مناطق في محافظة حلب (شمال)، سيطرت عليها تدريجاً إثر هجمات عسكرية عدة شنتها منذ عام 2016 وحررتها من تنظيم “داعش” الإرهابي، على غرار مدن جرابلس واعزاز، ثم مناطق سيطرت عليها من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في عفرين.
وإلى جانب رعاية تركيا مجالس محلية أنشأتها لإدارة تلك المناطق ووجود عسكري لقواتها، ضاعفت أنقرة استثماراتها في قطاعات عدة، مثل الصحة والتعليم، كما توجد مكاتب بريد واتصالات وتحويل أموال تركية ومدارس تعلّم باللغة التركية.
وأوضح مسؤول التربية والتعليم في مدينة الباب جمعة كزكاز أنه “يجري البحث مع مديرية التربية في غازي عنتاب والمستشار التركي في المنطقة من أجل تعديل المنهاج”، مشيراً إلى أن دوائر التربية في المجالس المحلية “تتبع للولايات التركية القريبة مثل غازي عنتاب وكيليس وشانلي أورفا هي التي ترسل الكتب والمطبوعات”. وأضاف: “ننتظر حالياً قراراً منهم” بشأن الخطوات المقبلة.
وأفاد مراسل “فرانس برس” عن دعوات الى التظاهر في مناطق عدة، بينها مدينة الباب إذا لم يُمنع توزيع الكتب أو سحبها من التداول.
المعارضة تستنكر
يشار إلى أن الكتبُ التي تحوي الصور، أعدها “مركز الاستشراف للدراسات والأبحاث“، الذي يُعرف نفسهُ، كمؤسسة متخصصة في البحث العلمي والدراسات المستقبلية والخدمات الأكاديمية في المجالات المعرفية المختلفة، ويديره الأكاديمي السوري المعارض د. عماد الدين الرشيد.
ونقلت شبكة “السورية نت” (معارضة) عن الناشط فايز الدغيم أنه بعد التواصل مع القائمين على إعداد الكتاب، تبين “أن الخطأ تصميمي وسوء استخدام صور بجانب بعض الكلمات والأسئلة”، أوهم الناظر أنها تمثل حالة النبي محمد وأهل بيته.
وأكد فايز الدغيم أن “الخطأ غير مقصود وهو غير مُراد قطعاً”، حسبما نقله عن مسؤولي “مركز الاستشراف”، مشيراً إلى أن تهويل الحادثة وتشبيهها بالرسوم المسيئة في الصحف الدانماركية “أمر غير سليم”.
وكان الدغيم نوه إلى أن “الرسوم وإن كانت توضيحية ولا علاقة لها بالرسول الكريم، فيجب حذفها لأن الصور والرسوم تعلق في ذاكرة الطفل قبل المعلومة وسيربط ذكر الرسول الكريم بما شاهده على الكتاب من رسوم”.
من جهته أوضح مدير “مركز الاستشراف”، عماد الدين الرشيد، في تسجيل صوتي وصل إلى “السورية نت”، أن “الموضوع جرت عليه نقاشات مطولة، وطُلبَ من الجهات المعنية سحب كتب السيرة التي تحوي هذا النوع من الشرح أو التعليم وإعادة النظر في الإشكال، وذلك بعد الاعتراض الكبير”.
وأشار إلى أهمية الوعي والمرونة التي ظهرت لدى الأهالي والقائمين على الموضوع.
والرشيد، حاصل على درجة الدكتوراة في الحديث النبوي من جامعة الجنان في مدينة طرابلس اللبنانية، ودكتوراة في الفقه وأصوله من جامعة دمشق، وكان نائب عميد كلية الشريعة للشؤون العلمية في جامعة دمشق بين عامي 2007 و2008، ورئيس قسم علوم القرآن والسنة في كلية الشريعة بجامعة دمشق بين عامي 2004 و2007، وحالياً رئيس أكاديمية “باشاك شهير” للعلوم العربية والإسلامية في إستانبول.
تبرير الخطأ.. ثم الاعتذار!
وكان مركز الاستشراف للدراسات والأبحاث قام في بداية الأزمة بإصدار بيان “لتبرير” الخطأ، يحمل توقيع مديره د. عماد الدين الرشيد (سوري)، ورئيس مجلس الإدارة يوسف أوزترك (تركي).
وقال المركز إنه قام بتأليف عدد من الكتب المدرسية بتكليف من وزارة التربية التركية، ومن بينها كتب السيرة النبوية للمرحلة الابتدائية “وقد احتوت مقدمات كل درس صوراً معاصرة مع أسئلة عليها؛ لتهيئ التلميذ للدخول إلى الدرس، وليست هذه الرسوم من أحداث السيرة ولا تعبر عنها، فأشخاصها معاصرون لباساً ومكاناً وزماناً، ولا يحتاج الإنسان إلى أدنى جهد من أجل أن يكتشف أنها لا تعبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحداث حياته، والفقرات التالية لفقرة التمهيد هي التي تحمل أحداث السيرة وتعبر عنها مضموناً.
وأضاف “فهم بعض من اطلع على مقدمات الدرس لغيرتهم على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنّ هذه المقدِّمات تُشكِّل الدرس، أو أنَّها تُعبِّر عن مضمونه ومحتواه الأساسي، ولو قرأ الأسئلة التحفيزية التي تحت الصور لظَهر له حقيقة هذه الصور، وأنَّها مدخل تربوي ليكون الطالبُ الصغير مستعدًا لفهم مضمون الدرس بعد ذلك، ولو تابع قراءةَ الدرس لتيقن من ذلك”.
وأوضح المركز أنه “حين تتابعت عليه التساؤلات بان له أنّ وضع التهيئة بهذه الصورة وتحت عنوان الدرس هو جزء كبير من تعزيز هذا الوهم، فطَلب من وزارة التربية سحب الكتاب لمعالجة الأمر. هذا ومجلس إدارة المركز يؤكد أنّ الغاية من كتب السيرة أساساً تعظيمُ النبي صلى الله عليه وسلَّم في نفوس أبنائنا، مع عوامل جذبٍ واهتمام، وإذا كان شكلُ الإخراج قد يوهم، إلا أنَّ المتابعة تُظهر الغاية من تأليف كتب السيرة النبوية بشكل واضح، والله من وراء القصد”.
إلا أن المركز عاد، وأصدر بياناً آخر قدم فيه “اعتذاره للشعب السوري في المناطق المحررة، وذلك بسبب الخطأ غير المقصود الحاصل في أحد كتب مناهج السيرة النبوية، والذي أُلف بتكليف من وزارة التربية التركية”، وسعى لتبرئة وزارة التربية التركية من المسؤولية عن الخطأ.
وقال المركز “نؤكد عدم تقصدنا للخطأ غير المتعمّد الحاصل في كتاب السيرة؛ حيث أرسل إلى وزارة التربية التركية الملف غير المعتمد بصيغته النهائية، فقد جاءت الملاحظات والتصحيحات من الوزارة على بعض الصور، وبعد تصحيحها تم رفع الملف بصيغته القديمة خطأ إلى الوزارة من غير تصحيح، وبالتالي فإنّ وزارة التربية التركية ليس لها علاقة بهذا الخطأ”، بحسب تعبيره.
وشدد المركز على “أننا في هذه المرحلة نقوم بتدقيق جديد للكتب؛ وذلك للتأكد مرة أخرى من سلامتها من مثل هذه الأخطاء غير المقصودة”.
استنكار المعلمين
وعلق معلمون في مدينة الباب بمناطق المعارضة السورية على الحدث ببيان نقلت عنه “السورية نت” قولهم فيه: “طال انتظارنا لوضع مقررات في مادة التربية الإسلامية في مناطق المحرر، تتوافق مع مبادئ شرعنا الحنيف وأسس ثورتنا المباركة، لكن سرعان ما انقطع أملنا وخاب رجاؤنا، بعد الاطلاع على بعض مضامين هذه المناهج المطبوعة”.
واعتبر البيان الرسوم “مخالفة لمبادئ شرعنا الحنيف وموروثنا الفكري والثقافي والحضاري المعروف بوسطيته واعتداله”.
كما استنكر البيان الرسوم، وطالب بتغيير المنهاج ووضع منهاج من قبل لجان مختصة “من أهل العلم ورجالات المعرفة، تحت إشراف المجلس الإسلامي السوري باعتباره المؤسسة الشرعية الثورية الممثلة لأبناء الشعب السوري الثائر”.
وتدير مكاتب التربية في المجالس المحلية بريف حلب العملية التعليمية بدعم تركي، إذ يرتبط كل مجلس محلي بإحدى الولايات التركية الحدودية مع سورية، وهو ما جعل دور وزارة التربية في “الحكومة المؤقتة” التابعة للمعارضة السورية ثانوياً، حسبما يقول مطّلعون، ويقتصر على عمليات التنسيق أحياناً وتسيير الأوراق والشهادات.
الحكومة السورية تهاجم
ورغم أن أطرافاً في المعارضة السورية نفسها انتقدت توزيع الكتاب، إلا أن “المجلس العلمي الفقهي” التابع لوزارة الأوقاف في الحكومة السورية استغل المناسبة، باعتبار هذه أول مهمة له بعد تفويضه بمهام الإفتاء في سوريا، وأصدر بياناً هاجم فيه إصدار وزارة التعليم التركية للصف الأول الابتدائي “كتاباً في السيرة النبوية يحوي رسوماً وصوراً مسيئة لمقام النبوة يتم توزيعه على المدارس في مناطق سيطرة الإرهابيين وعملاء الاحتلال التركي في شمال سوريا”، بحسب تعبيره.
وبدأ المجلس بيانه بالآية الكريمة (إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً).
وأبدى المجلس (الحكومي) “استنكاره الشديد لهذه الإساءة والتطاول الخطير على مقام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم”، مؤكداً “أن مثل هذه الأفعال تفضح الوجه الحقيقي للإخوان المجرمين وأذنابهم الذين يتسترون بلباس الدين”، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في سوريا، والتي تتهمها دمشق بالهيمنة على المعارضة السورية.
وأضاف المجلس “إن مثل هذه الخطوة تأتي ضمن سياق استهانة هؤلاء ومن ورائهم الاحتلال التركي بكل الحرمات والمقدسات بدءاً من سفك الدماء إلى احتلال الأراضي وصولاً إلى الإساءة لمقام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما يؤكد المجلس على رفعة وسمو مقام الأنبياء جميعاً ومقام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم أعظم وأجلّ من أن تنالهم أو تطاول قممهم أمثال هذه التصرفات التي لا تمت للدين ولا للأخلاق ولا للإنسانية بصلة. ولن تفلح محاولات الاحتلال التركي العثماني وأذنابه في تخريب عقول الأجيال وتشويه مقدساتهم كما لم تفلح سابقاً في تزوير التاريخ وقلب الحقائق، وإن احتلالهم للأراضي السورية ومحاولاتهم لطمس الهوية لا محالة زائلة بإذن الله ونصره وتأييده مصداقاً لقول الله تعالى: (ولينصرنَّ الله من ينصره إنَّ الله لقوي عزيز)”.
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.