الخميس 13 كانون الثاني/يناير 2022
يمتاز الإخوان المسلمون في سوريا عن بقيّة أطياف المعارضة، في أنّ سلوكهم السياسيّ لا يمكن توقّعه لجهة الانعطافات والمبادرات التي تأتي بلا تنسيق مع من يفترض أنّهم حلفاؤهم، أو بمعنى أكثر ضبطاً، تعلو مصالح الجماعة أوّلاً عن بقية المصالح حتى تلك التي تسمّى “المصلحة الوطنيّة”، وإذا كان شكل التنظيم اللامركزيّ للجماعة قد أوجدته طبيعة الظروف وتناسل التنظيمات عن التنظيم الأم (المصريّ)، فإن المرجعية الأعلى القائمة على رعاية مصالح الجماعة تبقى هي المحدّد الأساسيّ لسياسة الجماعة.
وكان الفرع السوريّ للجماعة قد سطّر بياناً شجب قصف إسرائيل مرفأ اللاذقيّة حمل عنواناً: “كيانٌ يدمن العدوان.. وعصابة تدمن القتل والترويع” وجاء الموقف مبالغاً في ردّ فعله على القصف، رغم أنّه ليس الأوّل من نوعه، ورغم أن الجماعة ذاتها صمتت أحياناً، وصفّقت لقصوفات مشابهة أو أشد وقعاً أحياناً أخرى، كما في قصف الولايات المتحدة لمطار الشعيرات فضلاً عن دعوة الجماعة ورغبتها العارمة، في وقت سابق، لتدخّل الناتو وترحيبها الثابت بالتدخّل التركي والموقف الموارب من تدفّق الجهاديين إلى سوريا.
تسبّب البيان في حدوث انقسامات جليّة بين مستنكر لموقف الجماعة وساخر من رهافة حسّها الوطنيّ هذا، وبين مؤيّد لبراغماتيها وقدرتها على الاستدارة، فيما يحاول آخرون تفهّم سلوك الجماعة بعيداً عن الشجب أو القبول.
وتفهّم موقف الجماعة يعني البحث في تحالفاتها التاريخية مع إيران، فالقصف الإسرائيلي طاول المصالح الإيرانيّة في مرفأ اللاذقية، وطبقا لوكالة رويترز استهدف شحنة أسلحة إيرانيّة، وما دفاع الجماعة وموقفها الذي فاق في “حرصه” موقف دمشق إلّا برهان آخر على مياه بدأت تجري في ساقية طهران، ذلك أن الجماعة الحاضرة في جلسات أستانا، هي في مكان ما، شريكة إيران في مسائل خفض التصعيد ورسم خطوط السياسة العامّة للمعارضة والأهم أنّ الإخوان كانوا إلى جانب روسيا وتركيا شريكاً في رحلة إعلان إيران طرفاً رسمياً في سوريا بعد أن استُبعدت عن مفاوضات جنيف.
تفهّم بيان الإخوان يقودنا إلى البحث في الوشائج والعلاقات بين الجماعة والجمهورية الإسلاميّة، بعيداً عن تعارض ذلك مع مصالح الفرع السوريّ، والتعارض يبدو قليل الأثر قياساً إلى المصالح المشتركة، فقد بنيت العلاقة باكراً بين الخمينيّة وبين الجماعات والمنظّرين السنّة، إذ سبق للخميني أن التقى بأبو الأعلى المودودي في مكة عام 1963، أما المرشد الأعلى الحالي للجمهورية، آية الله خامنئي، فقد كان أحد جسور تلك العلاقة، فبعد أن دشّن مجتبى نواب صفويّ، زعيم ومؤسس جماعة “فدائيان إسلام” (فدائيو الإسلام) العلاقة بالحركات الإسلامية في الجوار، لاسيما تنظيم الإخوان بطبعته المصريّة الأولى، ولقائه بسيد قطب في مصر ضمن جولة في البلدان العربيّة وتقاطع برنامجيهما، ساهم خامنئي بدوره في نقل أدبيات قطب إلى الفارسيّة وأبدى إعجاباً لافتاً فقد كان الخامنئي الذي ترجم بعض أعمال قطب واستهلها عام 1966 بترجمة كتاب “المستقبل لهذا الدين” وأسبغ على قطب لقب “المفكّر المجاهد”، ومع تولّيه المنصب الأول في الجمهورية الإسلامية وإعلانه مرشداً عامّاً، أمر بتدريس كتب قطب في مدارس الإعداد العقائدي للحرس الثوري الإيراني، ثم وإمعاناً بالافتتان تم إطلاق اسم خالد الإسلامبولي، قاتل الرئيس السادات، على أحد شوارع طهران.
ومع انتصار الخمينية 1979، تأسّس الفرع الإخواني في إيران باسم “جماعة الدعوة والإصلاح” وقد تحالف مع الجمهورية الفتيّة وقبل ذاك ساهم منظّروا الجماعة في أعمال الثورة، بيد أنّ الشقاق بينها وبين الخميني جاء بسبب ميل قائدها الكرديّ، أحمد مفتي زادة، إلى المزج بين الحقوق القومية الكردية والمطالب الخاصة بأهل السنّة والجماعة، وهو ما دفع الخميني إلى زجّه في السجن لعقد من الزمان، ليخرج وهو في هزيعه الأخير، فيما فشلت الوساطات الإخوانيّة للإفراج عنه، والغريب أن الوشائج لم تنقطع رغم التضييق والاعتقالات بل نمت بشكل مطرد، خاصة في عهد الأمين العام للجماعة الكرديّ عبدالرحمن بيراني، والمعروف بتنكّره للمطالب الكردية، وهو بذا يمثّل النموذج الأكثر قبولاً للإخوان كتنظيم دولي يزدري النضال القوميّ وبين الجمهورية الإسلاميّة، أمّا وصوله إلى رئاسة الجماعة فقد خفّف التوتر الذي كان قد تسبب به سجن وتعذيب سلفه مفتي زادة.
من اللافت أنّنا نعثر على أمر يبدو ملتبساً بعض الشيء وهو وقوف الجماعة إلى جانب إيران الخمينية في حرب الخليج الأولى بالضد من عراق صدّام حسين، وإن تحوّل لاحقاً إلى موقفٍ يدعو للتوسّط بين الطرفين.
والحال، أنه وخلال تاريخ من العلاقات المميزة لم تنقطع الشعرة الواصلة بين الجماعة والجمهورية، وهي هنا بالتأكيد ليست “شعرة معاوية” فالجماعة لا تجيّش طائفياً تجاه الشيعة إلّا بالمقدار الذي تطلّبه الدعاية ومساحات التنافس كما في حالة سوريا، والجماعة أيضاً قادرة على ضبط الكلام الذي يوضع في فم جمهورها، كما في حالة تراجع الكلام الطائفيّ والنغمة المبتذلة التي سادت خطاب الإخوان فيما خص العلويين، فيما أفضى التراجع إلى تأليب الجماعة بالضد من قوىً كردية لتحل بذلك محل “النظام النصيري”. وأما ما جاء في بيان الإخوان فإن السطور تقودنا إلى فهم العلاقة القائمة وتلك القادمة بين الجماعة وإيران، وإذا كان صحيحاً أن الإخوان جمّدوا أنشطتهم المعارضة غير مرّة مع سقوط نظام صدام 2003 والحرب على غزّة، وسعوا من خلال “إعلان دمشق” الولوج إلى مصالحة مع النظام، إلّا أن كل محاولاتهم لم تلقَ أذناً صاغية في دمشق، ولم تقده وساطات تركية سابقة إلى دمشق كذلك، وبالتالي يبقى الرهان على إيران مرّة أخرى لأجل العودة إلى دمشق، وربّما المصالحة المنفردة دوناً عن بقية المعارضة.
بيان المرفأ أو رسالة الإخوان ليست موجّهة للنظام هذه المرّة، بل إلى إيران. ثمّة توسّل ظاهر في البيان، ولغة تقول أن المعركة لا ينبغي أن تكون مع النظام إنّما مع “العدوّ الصهيونيّ الغاشم”، وإيران التي لن تخرجها طلعات إسرائيل الجوّية ولا الضربات الموجّهة وضرب خطوط الإمداد، فبإمكانها أن تعتمد على الإخوان أيضاً وليس على النظام فحسب، أما البحث عن تسوية بين النظام والإخوان فلا يمكن أن تحدث دون رعاية إيرانية تؤسس لجبهة “مقاومة” يبقى النظام فيها في مكانه فيما يتواجد الإخوان في المتن الاجتماعي “المقاوم”.
هل يمكن في إزاء هذه اللوحة استحضار حالة “حماس” حيث الجسد الجهاديّ السنّي المعتد بقبضة إيران الشيعية؟
المصدر: نورث برس
- شورش درويش كاتب سوري
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.