السبت 22 كانون الثاني/يناير 2022
أفرد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف لقضيّة كرد سوريا مساحة لا بأس بها خلال المؤتمر الصحفي السنوي في موسكو، أمّا تصوّرات رأس الدبلوماسية الروسيّة لا تكاد تختلف عن تصريحاته السابقة التي أطلقها في يوليو/تموز من العام الماضي، وهو ما يوحي، أو يوهم، بوجود تصوّر واضح ورأي ثابت مفاده دعم روسيا للحوار بين دمشق والإدارة الذاتية، وإمكانية الاستفادة من تجربة إقليم كردستان العراق لحل قضية كرد سوريا، فيما الثابت في تصريحاته هو مواظبته على العبارة الدوريّة التي تقول بأن الولايات المتحدة لن تحدد مصير سوريا، إشارةً إلى أن مفتاح الحل النهائي في يد موسكو.
كان مجلس سوريا الديمقراطية “مسد” قد طلب نهاية العام المنصرم خلال زيارة وفده الرسميّ إلى موسكو من الأخيرة المساهمة في إطلاق عمليّة حوار بين الإدارة الذاتية ودمشق، إلّا أن الطلب الذي لقي قبولاً روسيّاً ظاهرياً عُلّق على مشجب التواجد الأمريكي، في إشارات روسيّة متواصلة وواضحة حول وجوب طلب كرد سوريا إلى الولايات المتحدة بالخروج من شمال شرق سوريا، وهو على ما يحويه من مخاطر سيبدو قفزة في الهواء، ذلك أن تمسّك الكرد بأهداب القوات الأمريكية مبنيّ في جزء مهم منه على تعنّت دمشق، وعدم تحرّك روسيا في اتجاه استيعاب المطالب الكردية ودعمها.
ويمكن تكثيف السردية الكردية على النحو التالي: لم يساهم انتشار القوّات الروسية وتسييرها الدوريات المشتركة مع الأتراك في حماية الوجود الكرديّ، بل إنّ شكلاً من التسيّب الروسيّ المتعمّد بدا واضحاً لعموم الكرد، ومفاده، أن روسيا منحت تركيا أذونات ضرب نقاط قوات سوريا الديمقراطية وإفساح المجال أمام المسيّرات، الأمر الذي أعطى انطباعاً عامّاً حول لامبالاة روسيا لأحوال المدنيين وأنّها متواطئة مع تركيا في عملية “تأديب” الكرد، وهو ما انعكس تالياً على الصورة الوردية المنسوجة حول روسيا التي لا تتخلّى عن حلفائها، والافتراض هنا أن الكرد هم حلفاء مُحتملون لموسكو.
لكن ما يتبدّى بطأً روسياً متعمّداً في تيسير الحوار ولعب دور الوسيط، قد تواجهه تكتيكات موازية قد تساهم في تسريع وتيرة الحوار في حال أدركت روسيا خطأ حساباتها، من ذلك، ورغم صعوبة تحققه، الوصول إلى حوار بين شرق الفرات وغربها، والذي أشار إليه المبعوث الرئاسي الأميركي السابق إلى سوريا، جيمس جيفري، خلال مقابلة أجرتها معه “نورث برس” وهو تلاقٍ معقود على موافقة تركيّة: “هناك سوابق في مثل هذا التلاقي، وهذا ليس مستحيلاً لكنه صعب”، فيما قال مظلوم كوباني، قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” لـمعهد واشنطن للدراسات “إنه في حال التوصل إلى اتفاق بين شرق الفرات وغربها ستحل مشاكل سوريا تباعاً”، هل تعني هذه التلميحات أنّ مستحيلاً ما قد يتحقّق في هذا المسار برعاية أمريكيّة، أم أنها إشارات إلى إمكانية بلوغ أقصى مستويات البراغماتية؟ وما دور روسيا في حال المضيّ في هذا المسار الغامض؟
المسألة الأخرى التي بدأت تظهر بشكل أوضح في تصريحات لافروف هو الحديث عن انقسام كرديّ حيث أن “بعض كورد سوريا مقربون من أميركا، والبعض الآخر ينتمون إلى تركيا” وهو قول، على صحّته، يرمي إلى تحوّل روسيا إلى حلقة وصل بين الطرفين الكرديين، الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي، وبالتالي لا ينبغي أن يكون ثمة كرد مقرّبون لتركيا أو لأمريكا، إنّما كرد مقرّبون لروسيا، خاصّة وأن الوزير الروسيّ أشار إلى أن الأمريكيين “لم يجدوا أبداً حلّاً جيّداً للكرد”.
وأمّا الأحجية التي يطرحها لافروف الداعية إلى استنساخ تجربة إقليم كردستان العراق، فتبدو شديدة التعقيد لجهة أن ما يطرحه كرد سوريا يبدو أخفّ درجة مما هو عليه واقع إقليم كردستان، وبذلك ينبغي علينا تفسير هذه الأحجية بأن هناك توجّهاً روسيّاً يرمي إلى عزل كرد سوريا عن إثنيات المنطقّة، وهو ما يعني في صيغة ما، إنهاء صيغة “العيش المشترك” القائمة، وتقسيم المنطقة إلى كرديّة لا تتبع للنظام (قد تتبع لروسيا) وعربيّة تتبع لسلطة دمشق، رغم أنه تقسيم لمنطقة لا يقبل القسمة بالنظر إلى التداخل الإثنيّ وزيادة التواجد الكردي في بعض مناطق شمال شرق سوريا و تناقصه في بعضها الآخر.
وأمّا ما ذكره لافروف بأنه قبل عامين، خلال زيارته إلى دمشق وأربيل، دعم بقوة فكرة تكثيف الاتصالات بين كرد سوريا والعراق بهدف تبادل كرد العراق مع أشقائهم السوريين تجربتهم بشكل أنشط، فإنه يساعدنا أيضاً على تفسير مواقف موسكو التي تتغزّل بتجربة كردستان العراق، حيث أن الاستراتيجيّة الروسيّة تضع في حسبانها مسألة توسيع نفوذها داخل إقليم كردستان، فمن ناحية قد يحدث انكماش أمريكي وحركة انسحابات لاحقة تترك مناطق فراغ في سوريا والعراق وهو ما يعني ملئاً روسياً للفراغ وتسابقاً مع تركيا، ومن ناحية أخرى فإن روسيا هي الجارة الجديدة في سوريا للعراقَين العربي والكردي، وهو ما يستلزم تأمين علاقاتها مع جيرانها، بما يساند وجودها ويعوّم نظام دمشق.
في المآل، لا يمكن الثقة بالتصريحات الروسية غير المقرونة بأفعال على أرض الواقع، هذا ما يمكن تلمّسه كردياً، إلّا إذا اعتبرنا تصريحات الخارجية الروسية بالونات اختبار، أو أنّها جزء من رؤية أوسع تسعى إلى هندسة المنطقة تبعاً لمصالح موسكو في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي غير المعلوم، والذي يبدو أنّه سيؤرّق الروس طويلاً أو قد يدفعهم إلى نقل تصريحاتهم إلى حيّز التنفيذ وفق ما تقتضيه قواعد التنافس فيما خصّ احتواء كرد سوريا.
المصدر: نورث برس
- شورش درويش كاتب سوري
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.