السبت 19 آذار/مارس 2022
لم يكن من المتوقّع أن تصبح سوريا بلداً مصدّراً للمرتزقة بعد أن كانت مستوردة لهم، وعدم توقّع ذلك مبنيّ على أن سوريا لم تكن قد بلغت الاكتفاء الذاتي من المقاتلين بعد، على ما تقتضيه الحرب الأهلية البشعة من حاجتها للمقاتلين سواء أكانوا سوريين أم أجانب، وأما الأمر الآخر أنه ما من مصلحة لكلا طرفي النزاع المسلّح، النظام والمعارضة، الانخراط في حروب الآخرين وتصدير المرتزقة؛ فالمعارضة شاركت في حروب تركيا ومصالحها الاستراتيجية وأوهامها التوسّعية، فسار مقاتلوها المأجورون إلى حيث ينبغي الانضمام للقوات الأذربيجانية إبان حربها على أرمينيا في إقليم ناكورني قرباخ، وقبلذاك وعلى نفس المنوال وقف مسلحو المعارضة إلى جانب قوات حكومة الوفاق، حلفاء أنقرة في ليبيا، فيما أفادت تقارير عن تجنيد سوريين من مناطق سيطرة النظام لمصلحة روسيا ودائماً عبر شركة فاغنر للخدمات العسكرية وبعقود إكارة وتشغيل للمشاركة في الحرب الأهلية الليبية.
مطلع الغزو الروسيّ لأوكرانيا، أبدت وجوه في المعارضة المسلّحة، المحسوبة على تركيا، حماسة للذهاب إلى أوكرانيا، ظنّاً منها أن تركيا ستعلن اصطفافها إلى جانب أوكرانيا، لكن سرعان ما بردت همتهم حال معرفتهم بموقف تركيا غير المرحّب بقتال الروس والتورّط في حرب مع موسكو. هكذا تحوّل من ذهبوا إلى القوقاز وليبيا إلى وعّاظ تتحدّث عن أن “لا ناقة للسوريين ولا جمل” في الحرب الدائرة هناك، وكأن للسوريين مصالح وطنيّة في البلدان التي قاتلوا فيها خارج سوريا، وبطبيعة الحال ثمة أنباء تتحدّث عن عملية تسجيل أسماء الراغبين للذهاب إلى أوكرانيا، ربما هم بانتظار ما ستقرره أنقرة لاحقاً، خاصة وأن عملية التسجيل سريّة وهي مقتصرة على عناصر القوات الخاصة في “الجيش الوطني السوري” دون سواهم.
ومع إعلان الكرملين بأنه سيسمح للمقاتلين من سوريا والشرق الأوسط القتال إلى جانب روسيا في أوكرانيا، حتى تقاطر سوريون على مراكز التسجيل عبر شركة فاغنر وسواها من مقار تسجيل، مأخوذين بالرواتب والحوافز التي قد تنتشلهم من أوضاعهم المعيشية الكارثية، وكل ذلك في ظل دعم النظام لهذه الخطوة وتورّطه فيها.
رغم عمليات التسجيل والتي يُتوقع أن تبلغ ما يربو عن ثلاثين ألف مقاتل، إلّا أنه لم تسجّل حتى اللحظة عمليات نقل إلى ساحات المعارك، وفي الغالب قد يكون الغرض الأوّلي من هذه الخطوة الروسية تخويف أوروبا التي أبدت دعمها لطلب الرئيس الأوكراني فلودومير زيلنسكي بقبول المتطوّعين من خارج أوكرانيا للدفاع عنها، لذا قد يكون تلويح موسكو باستقدام مقاتلين أجانب أقرب إلى إيجاد توازن رعب مع الطرف المقابل لا سيما وأن السمعة السيئة للمقاتلين السوريين في ضفتي المعارضة والنظام تشي بما هو مطلوب على مستوى الدعاية التي تريد موسكو بثّها، ولعل حاجة روسيا للمقاتلين الأقل كلفة، ممن لا يثير مقتلهم ردود أفعال لدى الشارع الروسي، يدخل في استعداداتها أيضاً لاحتمالات فشل التفاوض مع كييف واستدامة الحرب وهو مقرون بمقدرة المقاومة الأوكرانية على تثبيط التقدّم الروسي وشن معاركها داخل المدن.
لا يملك النظام رفض الأوامر الروسيّة، هي أوامر بالمعنى الحرفيّ، خاصة تلك التي تخصّ تجنيد “مواطنيه” وإشراكهم في حرب مع بلدٍ أجبني لا يملك السوريين أي مشكلة أو خلاف معه كحال أوكرانيا، بالضبط كما لم يكن الائتلاف المعارض يملك حق القبول أو الرفض للأواكر التركية، ويشترك النظام ومعارضته الائتلافية في أنّهما لا يملكان سوى الموافقة والزعم بأنّهما يتفقان في أن يُزجّ بالسوريين في حروب الآخرين ويتحدّثان عن منافع وعوائد خيالية لصالح سوريا والسوريين من المشاركة في تلك الحروب القذرة.
قد يدرك النظام مغبّة الانزلاق إلى سابقة لم يكن، طيلة فترة حكمه الممتدّة على نصف قرن من الزمان قد تورّط فيها، ألا وهي الانخراط في أعمال عنف خارج سوريا والإقليم، ذلك أن المساحة المسموحة لأن يمارس النظام سياساته العنفية ومشاغباته كانت محدودة في الزمان والمكان، وقد كان النظام إلى ذلك يخشى التورّط في حروب مباشرة مع القوى الغربية أو التدخّل في صراعات القوى العظمى. كان النظام السوري على عكس نظام العقيد القذافيّ بذلك دقيقاً في حساباته وملتزماً بما يمكن تسميته قواعد المشاغبة، ولئن كان النظام اليوم منقاداً دون أن يملك من أمره شيئاً، وهو أمر معلوم للولايات المتحدة وأوروبا، فإن هذا الانقياد لا يعفيه من المساءلة والمحاسبة وحتى من العقوبات الغربية، فالنظام من خلال تحوّله إلى جزء من ترسانة روسيا العسكرية عبر إمداده بالمقاتلين إنما يعطي للولايات المتحدة الحق في أن تفكك تلك الترسانة، فالصراع الدائر في أوكرانيا في أحد وجوهه المكشوفة هو صراع روسي أميركي، وهو صراع لا يخاض على أرض أوكرانيا فحسب، فقد قررت واشنطن أن تلحق الضرر بالنفوذ الروسي المالي والسياسي والعسكري في كل مكان أمكنها أن تطاله. إنه صراع بلا حلبة. ولعل من المفيد التذكير بأن سوريا التي غدت حديقة خلفية لروسيا موضوعة على بنك الأهداف الأميركية المستقبلية، إن بواسطة ممارسة المزيد من العقوبات والتضييق على النظام أو عبر تقوية حضور المناطق الخارجة عن سيطرته أو باستخدام هاتين الورقتين معاً.
صور بوتين وأعلام روسيا والحماسة التي يبديها النظام للحرب والبروباغندا الرخيصة الموازية لانتصارات روسيا، ومراكز التجنيد الرديفة التابعة للجيش الروسي، تذكّر بما قامت وتقوم به المعارضة المسلّحة عبر رفع صور أردوغان ورفع أعلام تركيا وإرسال المقاتلين إلى حيث حروب تركيا، وفي الحالتين يتصرّف النظام و”الجيش الوطني” كشركتين أمنيتين باتت مهمتهما تقتصر على تأمين المرتزقة وزجّهم في حروب الآخرين.
المصدر: نورث برس
- شورش درويش كاتب سوري
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.