الأربعاء 23 آذار/مارس 2022
سوريا اليوم – دمشق
تَعدّ الخياطة روضة علي (40 عاماً) كل شهرٍ قائمةَ باحتياجاتِ محلها الصغير الذي يشكل غرفةً من بيتها في العشوائيات بمنطقة المزة بدمشق، كإبر كبيرة وصغيرة وعلب خيطان بألوان مختلفة وأقمشة حسب الطلب وغيرها.
وتنطلق السيدة الأربعينية كلَ شهرٍ إلى سوق “تفضلي ياست” وسط العاصمة دمشق، لتشتري مستلزمات عملها من السوقٍ الذي معظم زبائنه من النساء وجميع بائعيها رجال.
“تفضلي يا خانم، تفضلي يا ست”، لا تسمع في سوق النسوان أو سوق الحرير أو سوق تفضلي يا ست، سوى هذه الكلمات التي تتردد تحت سقف ذاك السوق الذي يقع في آخر سوق الحميدية بالقرب من الجامع الأموي، فيه كل ما تحتاجه النساء.
واللافت أن لا نساء يبعن في هذا السوق، إنما هي مهمة الرجال منذ مئات السنين، قبل حتى أن يتم تجديد وترميم السوق أيام سيطرة الدولة العثمانية على سوريا وسمي بسوق النسوان إذ أن زبائنه من النساء.
وفي دمشق، لا تزال الأسواق القديمة المغطاة تقدم احتياجات الزبائن بالرغم من أن الزمن والحرب غيرت ملامح بعضها وأغلقت بعض المحال وتراجعت حركة العمل نتيجة تردي الوضع المعيشي للسكان وانخفاض القدرة الشرائية، بحسب ما جاء في تحقيق أعدته ونشرته وكالة “نورث برس” المحلية السورية.
“المنافسة كانت قليلة”
وفي سوق النسوان، يقول أبو عمر (70 عاماً) وهو بائع أقمشة وأدوات خاصة بالحلاقة النسائية والخياطة، “لا أعرف نفسي أو لا أجد نفسي إلا وأنا في هذا السوق، ورثت المهنة عن جدي ووالدي”.
ويشير الرجل السبعيني الذي اكتفى بالتعريف عن نفسه بأبو عمر، إلى أن السوق تغير كثيراً، “كان عدد المحال قليلاً ولم تكن كل هذه البضائع في السوق”.
ويضيف: “رحل من رحل عن السوق بفعل ارتفاع الأسعار والحرب، وتوفى الكثير من التجار القدامى وبقي أولادهم فقلبوا المحال وضاعت الطاسة”.
وفي السابق، كان كل تاجر أو صاحب محل يبيع صنفاً معيناً من البضائع المخصصة للنساء، وبالتالي كانت “المنافسة قليلة، لكن اليوم كله يبيع كلشي وهذا في علم التجارة خطأ”، على حد قول أبو عمر.
ويعارض محمد (40 عاماً) وهو الابن الأكبر لأبي عمر، كما أنه حاصل على إجازة في التجارة والاقتصاد، كلام والده، ويتحدث بضحكة عن الاختلافات والخلاف الدائم حول مبادئ البيع والشراء والمواد التي يجب أن يبيعه.
ويقول لنورث برس: “لأبي زبائنه ولي زبائني رغم تواجدنا في نفس المحل التجاري، لكن الخياطين القدامى والنساء الكبيرات في السن يفضلن التعامل مع أبي ويسألن دائماً وين الحجي؟ أما الصبايا يسألن عني؟”
وتتميز دمشق منذ تأسيسها ووجودها بأنها مدينة التخصصات، لكل صنف تجاري أو اقتصادي سوق خاص به، وبالتالي انعكس ذلك على اختصاصات التجار أيضاً والعائلات، فكل عائلة تخصصها.
مهن الأجداد لا زالت حاضرة
وفي سوق البزورية، حيث هناك ما تشتهي النفس من أنواع توابل دمشقية قديمة وجديدة، تختلط الروائح على الزبون، لكنها تبقى مميزة عند كل تاجر هناك.
ويعمل يوسف أحمد (60 عاماً) وهو اسم مستعار لتاجر، في سوق البزورية الذي يلاصق سوق الذهب القديم منذ أن كان عمره 12 عاماً.
وسمي هذا السوق بالبزورية لأنه مختص بالتوابل والبهارات والبذور جميعها، وكان قديماً يقتصر على عدد قليل من المواد مثل البذور والمواد العطرية، أما حالياً أصبح يباع فيه الشوكولا بأنواعها والموالح والسكاكر والبهارات والحلويات.
السوق من حيث الشكل لم يتغير كثيراً، سوى أن عدد المحلات قد ازداد وباتت أكثر تنظيماً، “لكن في الماضي كان أجمل”، بحسب قول “أحمد”.
ويضيف “أحمد”: “لم أفكر أبداً طوال 60 عاماً بتغيير مهنتي لشعوري بالمسؤولية تجاه هذه المهنة كونها مهنة أجدادي قديماً وتعلقت بها ولم أستطع تغييرها وأولادي وأحد أحفادي يعملون معي هنا”.
ورغم ارتفاع الأسعار كثيراً، مازال هذا السوق يعج بالزوار، إذ أن أسعاره تعتبر أرخص مقارنة بباقي المحال، بحسب أصحاب محال في سوق البزورية.
ومنذ 20 عاماً، عندما أتى إلى دمشق، اعتاد أبو علي (50 عاماً) والذي يسكن في منطقة المزة 86 غرب العاصمة، أن يزور سوق البزورية شهرياً ليلبي مستلزمات عائلته، ويقصد محل “أحمد” دائماً، وفقاً لما يذكره لنورث برس.
ولكن “قديماً كانت ألف ليرة سورية تكفي لأن تشتري كل ما تريد من السوق، اليوم كل شهر يحتاج المنزل من السوق ما يقارب 100 ألف ليرة سورية لعائلة متوسطة”، يقول أبو علي متحسراً على أيام خلت لن تعاد مرة ثانية.
ركود في العمل
وفي سوق مدحت باشا الذي أسسه والي الشام مدحت باشا، في يوم من أيام التاريخ البعيد، كان يباع فيه قديماً اللبس العربي والعباءات الرجالية والكوفيات والمناشف، أما حالياً دخلت عليه الألبسة النسائية الجاهزة والعطورات والسجاد.
وأعادت محافظة دمشق هيكلتيه وأبوابه منذ أعوام قليلة ولم يعد مخصصاً لمرور السيارات.
ولسوق مدحت باشا عدة تسميات، فهو يعرف باسم السوق الطويل لأن غطاء السوق يمتد من باب الجابية إلى باب شرقي، ويسمى أيضاً بالسوق المستقيم.
وعن حركة العمل في السوق، يقول مصطفى محمد (40 عاماً) إن السوق يشهد ركوداً حالياً في مهنته الأصلية التي تتمثل ببيع الزي العربي القديم كالشروال والستر المطرزة والعباءات، وذلك لارتفاع سعرها ولعدم وجود سياح منذ بدء الحرب السورية.
ويشير “محمد” الذي ورث مهنته عن أبيه وجده إلى أن السوق كان ملجأ للسياح من كل دول العالم ولسكان المنطقة الشرقية الذين مازالوا يحافظون على هذا التراث بلباسهم.
“لكن عدم قدرتهم على القدوم إلى دمشق بكثرة وغلاء الأسعار جعل بعض الباعة يستغنون عن هذه المهنة ويستبدلوها بتجارة الألبسة الجاهزة”.
وعند التاجر “محمد”، يجلس الحاج أبو محمد الخيال (70 عاماً) قادماً من مدينة الرقة، ليشتري الشراويل والعباءة، فهو تقليدٌ سنوي، حيث يشتري في كل عام من نفس المحل منذ 40 عاماً، من أيام والد التاجر مصطفى وجده.
ويقول مستذكراً أيام السوق في الماضي، “السوق كان أجمل وكان الناس فيه أكثر، الأقمشة التي كانت موجودة سابقاً كانت أكثر جودة”.
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.