الثلاثاء 19 تموز/يوليو 2022
أبلغت دمشق المبعوث الأممي، غير بيدرسن، أنها لن ترسل وفدها إلى جنيف للمشاركة في الجولة التاسعة من أعمال اللجنة الدستورية في 25 يوليو (تموز) الحالي؛ أي تجميد مسار العملية السياسية السورية برعاية الأمم المتحدة.
السبب الفعلي لا يتعلق باعتراض دمشق على آلية عمل «الدستورية» أو مضمون «المناقشات» بين وفدين؛ أحدهما مسمى من الحكومة، والثاني يمثل «هيئة التفاوض» المعارضة. واقع الحال أن قرار دمشق جاء بناء على توصية من موسكو. وهو لا يتعلق، أيضاً، باعتراض روسيا على مضمون جهود الإصلاح الدستوري السوري ومسائل مثل السيادة والأجندات الخارجية و«الاحتلالات»؛ بل يخص موقف سويسرا من الحرب الأوكرانية وطلاقها مع الحيادية الأبدية. باختصار، موسكو ليست راضية عن «خروج سويسرا من حياديتها بالانضمام إلى العقوبات الغربية ضد روسيا» بسبب الحرب الأوكرانية.
في حال كهذه… ما الحل الروسي؟
معاقبة موسكو جنيف ومحاولة هز الوحدة الأوروبية ضدها بسبب أوكرانيا، وهي عاصمة أوروبية رئيسية للأمم المتحدة ومؤسساتها، شرط أن يكون هذا بأقل ثمن، ليس عبر انسحاب روسيا نفسها من مؤسسات الأمم المتحدة أو مقاطعة اجتماعاتها بشأن الأزمة السورية. فالعقاب جاء من الخاصرة الرخوة؛ البوابة السورية. وعليه؛ طلبت موسكو من دمشق رفض المشاركة في اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف تحديداً، واقتراح سوتشي أو موسكو أو دمشق أو الجزائر أو مسقط أماكنَ ممكنة لاستضافة «المناقشات الدستورية».
ما خلفية الموضوع؟
لدى انتهاء اجتماعات الجولة الثامنة من «الدستورية» في مايو (أيار) الماضي، اتفق بيدرسن مع رئيسي الوفدين؛ الحكومي أحمد الكزبري، والمعارض هادي البحرة، على عقد الجولة التاسعة بعد عطلة عيد الأضحى المبارك، بين 25 و29 يوليو الحالي. وقتذاك؛ همس المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرينتيف في الأروقة الأممية أنه لم يكن راضياً عن سرعة تعاطي السلطات السويسرية مع تأشيرات الدخول (فيزا) للوفد الروسي وبرود الاستقبالات والتشريفات.
ماذا يريد بيدرسن؟
أما بيدرسن؛ فإنه استند إلى ما هو متفق عليه بين السوريين والرعاة الإقليميين والدوليين في الجولة السابقة في يونيو (حزيران)، ووجه دعوات خطية إلى الكزبري والبحرة والمجتمع المدني لـ«عرض بعض الأفكار حول كيفية تسريع وتيرة عمل اللجنة لتحقيق الهدف المنصوص عليه في المعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية، للعمل بشكل سريع ومتواصل بهدف تحقيق نتائج وتقدم مستمر من دون تدخل خارجي أو أطر زمنية مفروضة من الخارج». والهدف الذي حدده بيدرسن هو تقديم مقترحات عملية لتعجيل المناقشات الدستورية ضمن 3 خيارات: مناقشة أكثر من عنوان في اليوم، ومناقشة فصل من فصول الدستور في كل جولة، وتقديم مسودات ومناقشة فصل واحد من فصول الدستور في كل دورة، حتى يتم استكمال الفصول كافة.
وبقيت الأجواء والاتصالات الدبلوماسية إيجابية، توحي بأن الاجتماعات حاصلة. وقال مسؤولون سوريون إن وفدهم سيشارك في الاجتماعات في حال تم حل «مشاكل لوجيستية للأصدقاء الروس».
بالفعل؛ سهلت السلطات السويسرية حصول الوفد الروسي على التأشيرات. لكن فجأة؛ وصل إلى جنيف من دمشق قرار المقاطعة بعد ساعات من «اختراق» تمثل في قبول غربي شروطاً روسية حول تمديد قرار مجلس الأمن لإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود لـ6 أشهر فقط.
ما إشكالات الفيتو الروسي؟
المشكلة في قرار مقاطعة اجتماعات «الدستورية» أن فيه إشكالات كثيرة. فهو بداية يُظهر حقيقة الاجتماعات ومحدودية جديتها، ويصطدم بالخطاب العلني لموسكو، ويحرج دمشق التي لا تجد حرجاً في الخروج من المظلة الأممية في مناقشة دستورها وشأن سيادي يتعلق بها. والأهم؛ أنه يتناقض مع وثائق العملية السياسية؛ إذ إن القرار الدولي «2254» نص على أن إصلاح الدستور السوري «عملية بملكية سورية وقيادة سورية» وليست روسية. وأكدت على ذلك خطياً وثيقة معايير العمل المنجزة بين الأطراف السوريين في عام 2019، كما أن المؤتمر الوطني السوري في سوتشي الروسية، بداية عام 2018 نص على أن الإصلاح يجري نقاشه في جنيف، إضافة إلى ورود ذلك في بيانات عدة من «ضامني» عملية آستانة، تشدد على أن عمل اللجنة الدستورية يجب أن يتم «دون تدخل خارجي».
ما الخيارات؟
مبعوث دولة غربية شارك في اجتماعات جنيف، قال بعد تلقيه رسالة من مكتب بيدرسن عن الإلغاء: «عندما تهاجم دولة أخرى ويكون استهداف المدنيين ركيزة أساسية للاستراتيجية العسكرية، سواء أكان ذلك في أوكرانيا أم في سوريا، فإن النفاق السياسي يأتي ميزةً أساسية متضمنة في سياستك الخارجية». أما بالنسبة إلى المعارضة التي وجدت في «مسار جنيف» منصة تعطيها معنى سياسياً وندية مع دمشق، فإن القرار وقع عليها مفاجأة. ويقول قيادي فيها إن الوفد الحكومي رهن المشاركة بـ«تلبية مطالب روسية. نحن أمام أزمة عميقة للغاية ستستمر لأكثر من بضعة أشهر، دون عقد اجتماع للجنة الدستورية. هذه الأزمة المصطنعة ليست من صنع أي طرف سوري، بل من طرف أجنبي هو روسيا. وهذا تدخل أجنبي صارخ في عمل ما يفترض أنه لجنة يملكها ويقودها سوريون. روسيا ليست طرفاً في اللجنة الدستورية كي تقرر عدم سفرهم».
لا شك في أن القرار الذي أبلغته دمشق، نيابة عن موسكو، إلى جنيف، سيكون على طاولة رؤساء «ضامني» آستانة؛ الرؤساء: الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب إردوغان، والإيراني إبراهيم رئيسي، في طهران الثلاثاء المقبل. صحيح أن طهران تبحث عن إنجاز في الملعب السوري، ومعها أنقرة في ذلك. لكن أغلب الظن أن العاجل والملح على المائدة الرئاسية سيكون مصير العملية العسكرية التركية المحتملة في شمال سوريا، ومجالات «التعاون العدائي» بين أنقرة وموسكو في أوكرانيا، مع وجود رغبة إيرانية في طرح ملفات أخرى تخص دورها وجولة الرئيس الأميركي جو بايدن.
معروف أن اللجنة الدستورية ليست لجنة ولا تعمل على الدستور، وهي ليست سوى ورقة توت تسمح لـ«اللاعبين» بالتظاهر بأن هناك عملية سياسية لتبرير الخيارات العسكرية والهندسات الاجتماعية، وكذلك تمنع عملية أخرى حقيقية من التبلور. فالثابت أن هناك من يريد عملية دستورية دون مظلة أممية. وفي وقت تستخدم فيه روسيا سوريا و«عمليتها السياسية» ساحة لضبط شركائها ومعاقبة خصومها و«اختبار» منافسيها، فإن اللجنة الدستورية مثال صغير على ذلك. وهنا؛ «إذا عرف السبب بطل العجب».
المصدر: الشرق الأوسط
- إبراهيم حميدي كاتب سوري
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.