الأربعاء 27 تموز/يوليو 2022
أولاً: سياسياً:
الإعلان التركي عن عملية عسكرية شمالي سوريا خلق توتراً في كل الأطراف وخلط كل الأوراق. وقبل الإعلان عن العملية العسكرية التركية كانت هناك لقاءات أميركية تركية من خلف الكواليس وفيها قدم الأميركان نصيحة للأتراك أنه طالما أردتم القيام بعملية، والغاية إدخال مليون لاجئ سوري، ننصحكم بنقل العملية إلى سراقب وخان شيخون ومعرة النعمان وهناك لا داعي للإعمار كونها مدن معمرة وجاهزة ولا اتهام لكم بالتغيير الديموغرافي كون العائدون هم أبناء تلك المدن.
مواقف الأطراف
روسيا
روسيا لا تستطيع الإخلال بعلاقتها مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، يمكنها الضغط، إنما ضمن حدود لأنها تريد اجتذاب “قسد” من الحضن الأميركي, وفي الغرف المظلمة يهول الروس الخطر التركي لكن قيادات من “قسد” نقلت لنا أنهم يفهمون تلك اللعبة الروسية بتضخيم الخطر التركي وأن غاية الروس “دفعُنا لأحضان النظام وليس خوفاً علينا”.
لذلك لا تستطيع روسيا منح الضوء الأخضر لتركيا بعملية عسكرية والنقاشات التي جرت مع وزير الخارجية الروسي كانت تتعلق بصفقة يمكن قبولها روسياً مقابل العملية التركية:
جبل الزاوية وجبل الأربعين والوصول للطريق (M4) مقابل ضوء أخضر لعملية تركية على منغ وتل رفعت فقط … الأتراك رفضوا المقترح.
وقلنا يومها عن كلمة وزير الخارجية الروسي، وقوله إن “روسيا تتفهم هواجس الأمن القومي التركي” هي تصريحات دبلوماسية لا تعني موافقة روسية لكن هناك من سبح بتلك التصريحات (…) لكن خروج رئيس مؤتمر استانا ألكسندر لافرنتييف، في الثامن عشر من حزيران/ يونيو الماضي، وقوله: “العملية العسكرية التركية المحتملة في شمالي سوريا تفتقد إلى الحكمة، وستخلق تهديدات أمنية جديدة لتركيا، كما أنها قد تدفع الكرد إلى تأسيس دولة مستقلة، وسيكون لذلك عواقب على المنطقة بأكملها”, ولاحقاً قال، بما معناه، إن “أوراق القوة التركية لن تصرفها موسكو بصفقات مع تركيا في سوريا”.
البعض اعتبر تلك التصريحات تغيير بالموقف الروسي، لكن ما قاله لافرنتييف يعتبر استمراراً لما قاله وزير الخارجية لافروف قبلها بعشرة أيام في أنقرة عند لقاءه مع الوزير شاويش أوغلو
إيران:
إيران تعارض العملية العسكرية التركية لعدة أسباب:
الأول: العملية ستجعل الجيش الوطني على تماس مع بلدتي نبل والزهراء إذا ما سيطر على بلدات منغ وتل رفعت والقرى المحيطة بها.
الثاني: إن إيران تريد أن تعود تلك المناطق لنظام الأسد لا أن تزيد الحصة التركية وتزيد مناطق النفوذ التركي كون الصراع المستقبلي المتوقع سيكون بين تركيا وايران في سوريا, صحيح أنهما اليوم (تركيا وايران) ضمن محور أستانا لكن هذا لا يعني أنهما حلفاء, بل أن كل ما يجري حتى مع الروس يصنف ضمن لقاء المصالح والتعاون والمنافع ولا يمكن تصنيف الدول المنخرطة بأستانا على أنهم حلفاء.
وزيارة وزير الخارجية الإيراني لأنقرة كانت لسببين:
أولاً: تخفيف الآثار السلبية للعملية الاستخباراتية التي تعاون فيها الموساد الإسرائيلي والمخابرات التركية وأسفرت عن كشف خليتين و(8) أشخاص يتبعون للمخابرات الإيرانية وكانت مهمتهم اغتيال إسرائيليين في تركيا ومنهم قنصل إسرائيلي سابق يقيم في تركيا.
ثانياً: محاولة إقناع تركيا بوقف عمليتها العسكرية
أيضاً خرج وزير الخارجية الإيراني ليقول: “نتفهم هواجس الأمن القومي التركي”، وأيضاً فسرها البعض على أنها “موافقة إيرانية” وهذا خطأ آخر ارتكبه البعض.
فشل وزارة الخارجية التركية بالحصول على موافقات إقليمية ودولية خاصة مع الرفض القاطع الأميركي دفع الأتراك لرفع مستوى التعاطي وطرح الموضوع بقمة طهران الثلاثية.
في قمة طهران كانت المطالب مختلفة جذرياً بين المجتمعين وكانت لغة الجسد واضحة على وجوه الرؤساء الثلاثة وهي تُظهر قلقاً وعدم ارتياح واضح.
بوتين أراد من القمة مطلبين “وقف العملية التركية, وتلبية هواجس الأردن وإسرائيل بتحجيم التغلغل الإيراني بالجنوب السوري (…) فشل بوتين بالحصول على المطلبين.
رئيسي أراد من القمة أن تظهر كردٍّ على قمة جدة, وأراد من تركيا وقف العملية التركية ودعم روسيا تركيا لإيران بملف المفاوضات النووية (…) فشل رئيسي بتحقيق ما أراد.
أردوغان أراد من القمة الموافقة على عمليته العسكرية كهدف رئيسي وتأمين الإغاثة للسوريين كهدف ثانوي مرافق (…) أيضاً فشلت المطالب التركية.
القمة الثلاثية فشلت بكل المقاييس ولعدم الخروج بدون نتائج، صيغ بيان ختامي يُحمِّل 950 جندياً أميركياً مسؤولية كل الفوضى في سوريا ويطالب برحيلهم، وأضيفت بقية البنود التي لا يختلف عليها أحد، من وحدة سوريا والاستقرار وما إلى آخره من صف كلام غير مجدي.
ثانياً: عسكرياً:
إعلان الرئيس التركي عن العملية العسكرية في شمالي سوريا رافقه تصعيد عسكري من حيث التحشيد والتحصين والتعزيزات والتحالفات.
مبدئياً المناطق المؤهلة لعملية عسكرية تركية هي أربعة مسارح:
1- منطقة منغ وتل رفعت والقرى المحيطة بهما (غربي الفرات)
2- منطقة منبج (غربي الفرات)
3- منطقة عين العرب (كوباني) وعين عيسى (شرقي الفرات)
4- المناطق المحيطة بمنطقة نبع السلام قرب تل تمر (شرقي الفرات)
الأهداف التركية تقلصت مكانياً من عملية على طول الحدود وبعمق 30 كم ،كما قال الرئيس أردوغان إلى عملية على مناطق تل رفعت ومنغ وقد تشمل منبج، وهذا ما ظهر من خلال التصريحات المتتالية لبعض المسؤولين الأتراك, وزمنياً تأخرت العلمية حتى الآن ستون يوماً.
الجيش الوطني أعلن عن رفع حالة الجاهزية والانتشار, لكنه فعلياً ولغيابه عن مفردات العملية التركية ومسارحها لم يحدث أي تغير ملموس على الجبهات وبقيت التصريحات الإعلامية لبعض المكاتب الإعلامية والسياسية للفصائل هي جلُّ ما يمكن لحظه من استعدادات للعملية العسكرية المعلن عنها.
تركيا دفعت بتعزيزات عسكرية كبيرة وثقيلة للداخل السوري، تضاف لأكثر من 12 ألف جندي تركي على الأرض السورية وأكثر من 4 آلاف عربة وقطعة عسكرية وتضاف لأربع منظومات مدفعية وصاروخية ورادارية وتشويش تتواجد بالداخل السوري, مع وجود احتياطات تركية هائلة على الحدود من الجانب التركي, (مصدر استخباراتي أكد أن العملية التركية قد تتطور وتشمل مدينة حلب, أيضاً هذا الخبر إن كان حقيقياً فهو يحتاج لكثير من القراءة السياسية والعسكرية والمعاني نتحدث عنه لاحقاً).
“قسد” فعّلت من مفاوضاتها مع الأميركان والتحالف الدولي والروس وإيران ونظام أسد, وأنشأت غرفة عمليات مشتركة في محيط منغ وتل رفعت (مع النظام وإيران) وطالب النظام من “قسد” أن تسلم كل شيء وتصبح جزءً من النظام وهذا ما رفضته “قسد” لكنها وافقت على إدخال ميليشيات النظام لمواقع محددة كنوع من الحماية لمناطقها.
الروس دعموا مواقعهم في القامشلي بـ500 مظلي وعدد من العربات القتالية وزادوا من تواجدهم في عين عيسى وسط معلومات عن نشر منصات دفاع جوي.
الأميركان إضافة لزيادة جرعة الإمدادات العسكرية لقسد, عادت القوات الأميركية لمواقعها في قاعدتي خراب عشق ومعمل لافارج شرقي الفرات, جنوب كوباني.
لماذا لم تثمر المفاوضات بين النظام وقسد حتى الآن ؟
– انسحب وفد الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مساء الاثنين للأسباب التالية:
– مجلس سوريا الديمقراطية فاوض النظام على حل القضية الكردية بشكل حقيقي وأن يكون الحل وفق مفردات ترد في الدستور السوري وليس مجرد نقاش حول اللغة الكردية والثقافة الكردية.
– قسد ستبقى قوى عسكرية مستقلة بمناطقها وستعمل على تشكيل قيادة عسكرية عليا مستقبلاً تتشارك وتكون تابعة للجيش السوري الجديد وليس الحالي.
– الأمن الداخلي الأساييش ستبقى قوات مستقلة تابعة للإدارة الذاتية ولا تتبع لسلطة دمشق.
– أكد وفد “قسد” لدمشق أن إدارة مناطق ديرالزور والرقة والطبقة ستدار عن طريق إداراتها الذاتية التابعة لأهلها وسكانها من العرب العشائر.
وفد الإدارة الذاتية انسحب من المفاوضات بعد رفض دمشق القطعي لشروطه ومطالبه وأصر النظام على أن تنخرط كل قوات “قسد” ضمن جيش النظام بأسلحتها وأفرادها, وهذا ما اعتبرته قسد العودة لظروف ما قبل 2011 وهي ترفضه.
مفاوضات قسد مع التحالف والأميركان:
– الأميركان أبلغوا “قسد” أن العملية التركية توقفت أو تأجلت وحتى لو حصلت لن تشمل مناطق شرق الفرات, لكن الأميركان جددوا مطالبهم بوقف “قسد” لأي استفزاز للجيش التركي أو الجيش الوطني.
– طلب الأميركان من “قسد” عدم القبول بالمقترحات الروسية وعدم القبول بشروط النظام في المفاوضات الجارية وننصح بوقفها والرفض القطعي لانضمام “قسد” للنظام.
كانت المفاوضات الأقوى الاثنين لأن “قسد” تريد من الأميركان أن يوقفوا الطيران المسير التركي (بيرقدار) خاصة بعد قصفه سيارة أحد قيادات “قسد” ومرافقة لمظلوم عبدي
التصعيد الأخير والمسيرات والقصف الجوي الروسي:
فشل قمة طهران انعكس بشكل تصعيدي على الجميع في الميدان السوري بالشمال.
روسيا أرادت إيصال رسالة لتركيا فقصفت معسكراً للتركستان أخطأت صواريخها فطالت قرية الجديدة وتسببت باستشهاد 7 وجرح 12
ثم أقلعت طائرة الاستطلاع الروسية الاستراتيجية (البجعة) من قاعدة حميميم, وتلك الطائرة تتحرك قبل بدء العمليات العسكرية أو أثناء التحضير لعمل عسكري بما تستطيع جمعه من معلومات, وكانت رسالة روسية لتركيا, لكن إطلاق صاروخ دفاع جوي على الطائرة الروسية تعمد المرور قربها كان رسالة أقوى وصلت لجنرالات قاعدة حميميم.
تركيا أرادت إيصال رسالة لـ”قسد” فاستهدفت عربة تقل ثلاثة قياديات من (قسد) على الطريق الدولي ” M4″ بين القحطانية والقامشلي في ريف محافظة الحسكة.
الجيش الوطني وغرفة عمليات الفتح المبين (وبأوامر تركية) قصفوا جورين وسراقب ومعسكرات وتموضعات لميليشيات النظام (بعضها وصل لاستهداف مواقع بسلمى والصلنفة).
إيران حركت أدواتها في العراق ونظمت مظاهرات وهجمات بالمسيرات على القواعد التركية, وكان واضحاً أنها عملية إشغال إيرانية لتركيا واستخدام طهران لأدواتها في العراق للضغط على أنقرة.
الأميركان قد يكونوا أيضاً وراء التحرشات اليونانية الأخيرة التي زادت عمق مياهها الإقليمية البحرية من 6 إلى 12 ميلاً وبالتالي هو تحرش بالأتراك وأيضاً إشغالٌ جانبي للأتراك.
قسد ردت مساء الاثنين بعد قصوفات متفرقة من جانبها على نقاط تركية ومواقع للجيش الوطني، وقامت “قسد” بالهجوم مساء الاثنين على محور مارع وتقدمت قواتها إلى محور تل مالد وغابت عنه جاهزية الجيش الوطني وتكفل الأتراك بالرد عبر قصف عنيف شهده خط الجبهة.
كما حاولت “قسد” التقدم من محور آخر هو محور أناب بريف حلب الشمالي حيث دارت اشتباكات عنيفة, أيضاً تكفلت فيه المدفعية التركية لوقف هجوم وتقدم “قسد”.
النتيجة:
كل ما حصل يؤشر لاستخدام أوراق ضغط من قبل الأطراف على بعضها ولا يؤشر حتى الآن لبدء أي عمل عسكري, وإنما هي استعراضات وعرض أوراق قوة وفتح ملفات مؤثرة للأطراف على بعضها.
المصدر: نورث برس
- أحمد رحال كاتب سوري
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.