الأحد 15 كانون الثاني/يناير 2023
بينما كانت الأنظار تتجه إلى موسكو لمعرفة مصير اللقاء المرتقب بين وزيري الخارجية التركي والسوري برعاية ومشاركة روسية، كانت الاستعدادات على أشدها في واشنطن لاستقبال مولود تشاووش اوغلو للبحث في الملفات العالقة بين أميركا وتركيا، خصوصاً اندفاعة رجب طيب أردوغان للتقارب مع رئيس النظام السوري بشار الأسد والموقف من الحرب الروسية على أوكرانيا والتوتر المستجد مع اليونان، فضلاً عن التشدد الداخلي عشية الانتخابات العامة التي ستجري مطلع الصيف المقبل.
يوحي الإعلان عن الزيارة التي ستبدأ يوم الأربعاء وما رافقه من مواقف، باحتمال إحراز تقدم ما في التفاوض المباشر عبر القناة الدبلوماسية البديلة والذي تكثف بعد انتهاء الانتخابات النصفية الأميركية التي فشل فيها الحزب الجمهوري في استعادة الغالبية الكاملة في الكونغرس، ما دفع أردوغان الذي كان يراهن علنًا على تلك الغالبية إلى ترميم الجسور مع إدارة جوزيف بايدن وكلف مستشاره المقرب الناطق باسم الرئاسة إبراهيم قالن، الأكاديمي الذي يعرف واشنطن كطالب واستاذ في جامعاتها، بمتابعة الملف مع “صديقه” مستشار الأمن القومي جايك سوليفان. ويرى المتابعون أن التواصل المكثف بين الرجلين نجح في تحقيق اختراق استدعى توجه أوغلو إلى العاصمة الأميركية للإعلان عنه بعد وضع اللمسات الرسمية عليه.
ويبدو جلياً أن واشنطن، وعلى الرغم من الموقف العالي النبرة الذي اتخذته من مبادرة أردوغان نحو الأسد، تريد توفير عرض ايجابي لائق لأنقرة، فبعد الخطوة الرمزية التي أعلنتها وزارة الخارجية الأميركية مؤخراً بتبني التهجئة التركية للاسم الرسمي للبلاد وتغييره من (Turkey) إلى (Turkiye)، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن إدارة بايدن أشعرت لجنتي الشؤون الخارجية في مجلسي الشيوخ والنواب في الكونغرس يوم الخميس الماضي، بنيتها بيع أربعين طائرة من طراز “إف. 16” المطورة إلى تركيا وأربعين طائرة من طراز “إف. 35” الى اليونان، على أن تقدم الطلب رسمياً عند وجود أوغلو في واشنطن. ويلاحظ ان الربط بين الصفقتين من شأنه تسهيل الشق التركي منها بعد ظهور ممانعة مبدئية لها في مجلس الشيوخ. وكانت تركيا تقدمت في تشرين الأول/أكتوبر 2021 بطلب شراء الطائرات مع 79 طاقماً تقنياً لتحديث الطائرات التي تملكها من الطراز نفسه مع 900 صاروخ جو – جو و800 قنبلة ذكية في صفقة تبلغ قيمتها حوالي 27 مليار دولار. وعلى الرغم من المعارضة التي أبداها رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ روبرت مانينديز الذي قال في بيان مكتوب أنه يرفض الصفقة “ما دامت تركيا تمانع في انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمالي الأطلسي وتتجاهل المعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان وتستفز جيرانها من أعضاء الناتو” يمكن لإدارة بايدن أن تتوصل الى مخرج مقبول معه في حال تقديم تركيا لتنازلات محددة.
تأخذ واشنطن بعين الاعتبار في علاقتها مع أنقرة جملة معطيات تجعل من الأخيرة نقطة تقاطع إلزامية إقليمياً ودولياً ولا ترفض في المبدأ مبررات اردوغان الذي يسوّق لفكرة سد الفراغات الروسية ودرء “التمدد” الإيراني سواء في البلطيق أو سوريا، من موقعه كحليف ثابت لها في “الناتو”، وتتفهم بالطبع حاجاته الدعائية عشية انتخابات عامة حساسة، لكنها في الوقت نفسه تعرف مدى استعداده للارتجال والاعتباط، ولا تنسى أنه سارع إلى اتهامها بالتورط في محاولة الانقلاب ضده، وأنه اشترى من موسكو نظام الدفاع الجوي (إس 400) – وهو ما تسبب بحرمان تركيا من المشاركة في إنتاج طائرات (إف. 35) – ولم يتوان عن التصعيد مع عضو “الناتو”، جارته اليونان وتهديدها، لذلك حرصت وهي تردد على لسان المتحدثين الرسميين في البيت الأبيض والخارجية على أهمية التحالف والشراكة، على التلويح بعقوبات قاسية متاحة قانونيًا لها بموجب قانون قيصر في سوريا والتدابير الاقتصادية والمالية ضد روسيا.
لا تنفي الأوساط الإعلامية والدبلوماسية المعنية بعض المسؤولية الأميركية عن تشجيع سلوك أردوغان سابقاً، خصوصاً في ظل السياسات العشوائية لإدارة دونالد ترامب، لكنها تؤكد على ضرورة أن يأخذ أردوغان في حسبانه حقيقة أن الإدارة الحالية مختلفة وأن رهانه على عودة تشريعية قوية للمحافظين فشل، وأن روسيا التي اشترى منها الـ”إس 400″ عام 2020، هي غير روسيا العالقة في الثلوج الأوكرانية اليوم، وأن موضة “الرجل القوي” تتلاشى، والأهم أن الاقتصاد التركي الذي انتعش طويلاً يتعرض لأسوأ ازماته خلال عشرين عاماً، ولا يتحمل ضغوطاً إضافية. كما تراهن على أن براغماتية أردوغان ستجعله يتصرف بـ“حكمة” ليأخذ من واشنطن ما ليس موجوداً في دمشق وما لم يعد موجوداً في موسكو.
حتى الآن يبدو أن إدارة بايدن تمكنت ضبط الإيقاع التركي في سوريا وأعادت تثبيت تحالفها مع الفصائل الكردية الذي هدده ترامب عام 2019، ولعل نجاحها في لجم العملية العسكرية التركية في شمال سوريا مؤخراً دليل على أن واقعية أردوغان حاضرة، وإذا تم التوصل إلى السيناريو الذي تعمل عليه للفصل ميدانياً بين قوات سوريا الديمقراطية وبين حزب العمال الكردستاني، وإبعاد خطر الأخير عن الحدود، يمكن لأردوغان أن يتخلى عن التقارب مع الأسد مقابل الحصول على الـ “إف. 16”.
المصدر: المدن
- محمد العزير كاتب لبناني
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.