الجمعة 12 أيار/مايو 2023
ما من شك أن معظم اللاجئين السوريين بات لديهم تخوّف كبير من ارتدادات سلبية قد تعصف بهم مع ضراوة منسوب الصراع السياسي الذي يعم الشارع التركي خلال الانتخابات القادمة التي ستفتح صناديقها في منتصف أيار/مايو الحالي، والتخوف السوري ناجم عن مضمون التصريحات التي ترددها أحزاب المعارضة التركية التي تلتقي معظمها على هدف واحد يتمثل بطرد السوريين وترحيلهم من تركيا، باستثناء الحزب الحاكم الذي يتزعمه الرئيس الحالي أردوغان الذي يستخدم بدلاً من الترحيل مصطلح (العودة الطوعية)، لكن تلك الحملة والتصريحات غير المسبوقة، مع حالات تعدي ومضايقات حصلت لكثير من السوريين في تركيا، يمكن القول حتى الآن أنها فردية، ويبقى التخوف الأكبر لدى السوريين بانتصار زعامات تلك الأحزاب بالانتخابات وما يمكن أن يترتب على تلك النتائج من قرارات حيال اللاجئين السوريين.
بمعرض الحديث عن السوريين لابد من التذكير أن هناك أكثر من 230 ألف لاجئ سوري حصلوا على الجنسية التركية من أصل 3,7 مليون سوري لجؤوا إلى تركيا منذ عام 2011، وأن هناك حوالي 700 ألف ولادة لعائلات سورية في تركيا، وتلك الأرقام وردت بنشرة رسمية لوزارة الداخلية التركية وللوزير سليمان صويلو.
الشيء المؤكد وفق مصادر تركية أن الملف السوري سيكون على طاولة البحث في تركيا بعد الانتخابات وبغض النظر عن الفائز، وأن الوضع الحالي بات مرفوضاً تقريباً من قبل جميع الأحزاب، وهذا الواقع يأتي في ظل غياب أي حل للقضية السورية، كان يمكن أن يشكل أرضية لبيئة آمنة تسمح بعودة اللاجئين من دول الجوار (كما نصت القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة بشأن عودة اللاجئين السوريين),
في المقابل فإن المناطق التي تُعطى لها صفة “محررة” وتخضع للنفوذ التركي، لا تصلح للعيش الآمن، نتيجة الفوضى والفساد وغياب القانون وتسلط أمراء الحرب، وخاصة بعد أن شهدت الأعوام الأخيرة الكثير من الانتهاكات التي دفعت باللاجئين السوريين في الخارج للإحجام عن التفكير بالعودة لتلك المناطق التي تسيطر عليها إسمياً “الحكومة السورية المؤقتة”، لكن فعلياً مسيطر عليها من قبل مافيات وأمراء حرب، استباحوا المنطقة بعيداً عن تطبيق أي قانون أو مراعاة للنازحين والمهجرين الذين دفع بهم نظام الأسد للشمال السوري نتيجة آلته العسكرية، أو بسبب رفضهم البقاء في مناطق المصالحات الروسية وآثروا الرحيل للحدود التركية.
كذلك يعود سبب ارتباك وقلق اللاجئين السوريين في تركيا بسبب الزج بهم في ملفات تركية داخلية كان من الأفضل إبعادهم عنها، فقد اعتبرت الأحزاب المعارضة التركية أن السوريين باتوا سبباً أساسياً في تردي الأوضاع الاقتصادية في تركيا، ومتسببين في تراجع قيمة الليرة التركية، بل نسبت المعارضة التركية للسوريين الكثير من أسباب اجتماعية وأخلاقية تسببوا بها للمجتمع التركي، وكان يُفترض النأي بالسوريين عن تلك الملفات، لأن الأرقام والتقارير التي تقدّمها وزارة الداخلية التركية من حيث التعداد النسبي لجرائم ومخالفات السوريين، هي أقل بكثير مقارنة مع مثيلاتها في الشارع التركي، أما في الملف الاقتصادي فقد جاهر الكثير من الأتراك وتحدثوا عن مهارة العامل السوري, وعن حرفية ومهنية العمالة السورية ونشاطها ودورها البارز بتحريك عجلة الاقتصاد والصناعة التركية، أضف إلى ذلك أن رؤوس أموال رجال الأعمال السوريين والطبقة السورية المتوسطة في الشمال السوري ووسط البلاد قامت معظمها بنقل أرصدتها المالية وحتى أدوات إنتاجها من الداخل السوري إلى تركيا، وبات القائمون على الاقتصاد التركي يدركون تماماً أن هناك كتلة مالية ضخمة جلبها السوريون وباتوا يستثمرونها في الاقتصاد التركي، لكن تلك الأمور غابت عن معظم الأحزاب التركية وبات هدف ترحيل السوريين يأتي في مقدمة أولويات تلك الأحزاب، بل إن المرشح المعارض للرئيس أردوغان, كمال كالجدار الزعيم السياسي التركي وزعيم المعارضة ، ورئيس حزب الشعب الجمهوري, وضع هدف المصالحة مع بشار الأسد وترحيل السوريين في مقدمة وعوده الانتخابية.
لكن لو بحثنا في العمق لوجدنا أن المعارضة السورية تتحمل معظم المسؤولية عما آلت إليه أمور اللاجئ السوري في تركيا، عندما لم تكن تلك المعارضة حيادية في تعاطيها مع الوضع السياسي والحزبي في تركيا، وكان على متصدّري المشهد القيادي للمعارضة السورية بناء علاقات طيبة مع كل الأحزاب التركية، والوقوف على الحياد اتجاه كامل الملفات الداخلية، وعدم التحزب لطرف ضد طرف آخر في الداخل التركي، لكن مع مرور حوالي 12 عام من الوجود السوري في تركيا، فكل تواصلات وارتباطات المعارضة السورية السياسية كانت تدور في التموضع قرب حزب العدالة والتنمية الذي يقوده الرئيس أردوغان، والأحزاب التي تدور في فلكه أو تتحالف معه، وقد يكون هذا التموضع الخاطئ تسبب بدفع الأحزاب التركية المعارضة لاتخاذ مواقف حادة ضد اللاجئين السوريين، والمعارضة السورية، والوجود السوري في تركيا، وهذا الأمر يشكل قلق وخوف آخر ينتظر المعارضة السورية؛ فما كانت تحظى به تسهيلات من الحزب الحاكم الحالي، ستخسره حتماً إذا ما خسر الانتخابات، وقد يتم طردهم أيضاً من تركيا، أو يمنعون على الأقل من العمل كمعارضة سياسية ضد نظام الأسد على الأراضي التركية.
ومن المؤكد أن المعارضة التركية إذما ربحت الانتخابات ستعمل على ترتيبات سياسية وعسكرية محددة (وقد تكون بالتوافق مع نظام الأسد) تهدف لسحب الجيش التركي من الأراضي السورية، وجملة تلك الخطوات إذا ما تم اتخاذها، قد لا تؤثر على الداخل التركي أو الحكومة التركية الجديدة، لكن تأثيرها الكبير سيكون على السوريين في الشمال الغربي؛ فانسحاب الجيش التركي من داخل سوريا سيضع المنطقة في مهب الريح وتكون عرضة لفلتان أمني محفوف بكثير من الأخطار على النازحين والمهجرين، لأن المنطقة وبرغم كل ما قيل ويقال لا تُدار عبر مؤسسات حقيقية ولا يوجد قانون يحكم وينظم العلاقة بين القيادات الحكومية والعسكرية والمدنيين.
العلاقة مع نظام الأسد كانت في صميم الانتخابات وعمل الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة في تركيا، عندما دخلوا في سباق على من يصل لدمشق أولاً، فعلى إثر موعد حُدد للمعارضة التركية لزيارة الأسد في دمشق، استطاعت روسيا وبضغط من الرئيس أردوغان فرملة وإيقاف تلك الزيارة (عبر الضغط على حليفهم بشار الأسد) والدفع (بدلاً عنها) لمصالحة بين الرئيس أردوغان وبشار الأسد، لكن كانت هناك عوامل كثيرة منعت السير بملف التطبيع بين أنقرة ودمشق وأهمها العامل الإيراني الذي يفضل أن تعبر عملية التطبيع مع الأسد (عربياً وإقليمياً) عبر بوابة طهران وليس عبر بوابة موسكو، وأيضاً دمشق ارتأت تأجيل البت بعلمية التطبيع مع تركيا ريثما ينقشع ضباب الانتخابات فيها ومعرفة هوية الجهة التي يجب التفاوض معها، وإن كانت دمشق أساساً لا ترغب بتقديم هدايا مجانية لحزب العدالة والتنمية، وتفضل فوز المعارضة التركية للانتقام من الرئيس أردوغان وحزبه بسبب دعمهما للمعارضة السورية.
المصدر: نورث برس
- أحمد رحال كاتب سوري
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.