الثلاثاء 16 نيسان/أبريل 2024
هناك اتفاق عام في أغلب الدراسات التي تناولت ما جرى في سوريا منذ شهر آذار/مارس من عام2011 أنه يندرج تحت المصطلح المفهومي المعرفي: “الأزمة”، والتي هي استعصاء توازني بين طرفي نزاع، لا يستطيع أحدهما التغلب على الآخر فيه ولا يستطيعان إيجاد تسوية للنزاع بينهما، ويمكن للنزاع أن يكون داخلياً محضاً، أو يصبح مركباً بحيث يصير نزاعاً داخلياً – خارجياً من خلال اصطفاف أطراف خارجية دخلت في النزاع الداخلي مع هذا الطرف أو ذاك، ويمكن أن تدخل أطراف خارجية من وراء الحدود، مثل منظمات عابرة للحدود، في هذا النزاع لحسابها الخاص، وتصبح طرفاً أو لاعباً فيه.
دخلت أولاً الأطراف الاقليمية في النزاع السوري الداخلي بعد انطلاق مظاهرات احتجاجية على الأوضاع القائمة ضد السلطة السورية في مدن وبلدات وأرياف عدة، تركيا منذ شهر آب/أغسطس2011، ومن ثم إيران كداعمة للسلطة السورية، فيما انضمت الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر بالنصف الثاني من ذلك الشهر كداعمين للمعارضة السورية مثل أنقرة، فيما كانت طهران وحيدة في ذلك الشهر في دعم السلطة السورية قبل أن تنضم روسيا لدعمها بعد فيتو روسي بيوم 4 تشرين الأول/أكتوبر2011 ضد مشروع قرار بمجلس الأمن الدولي دعمته واشنطن. في الشهر الأول من عام 2012 أعلنت “جبهة النصرة” عن وجودها، كفرع سوري امتدادي لتنظيم”القاعدة” ثم ظهرت “داعش”في شهر نيسان/إبريل2013. إسرائيل دخلت في النزاع السوري منذ عام 2015 من خلال غارات جوية على قوات ايرانية، أو موالية لطهران متواجدة على الأرض السورية.
الأرجح أن أردوغان كان يفكر في خريف 2011 بجعل إسلاميي جماعة الإخوان المسلمين السوريين في وضعية “حزب الدعوة” بقيادة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بالنسبة لخامنئي، كجسر امتدادي للنفوذ التركي في دمشق، والأرجح أن هذا ماجعل طهران تدخل في النزاع السوري حيث الأرض السورية الممر الوحيد لطهران إلى حلفائها في الضاحية الجنوبية لبيروت وفي غزة. في ذلك الوقت كانت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما داخلة في مفاوضات سرية مع طهران منذ عام 2009 بالعاصمة العمانية مسقط من أجل عقد اتفاق حول الملف النووي الايراني، ولا يمكن حتى الآن الوصول إلى تفسير محدد لدافع أوباما يوم دعا بخطاب علني يوم 18آب/أغسطس2011 “الرئيس السوري إلى التنحي”، إن كان هذا اتجاهاً نحو تكرار سوري للسيناريو الليبي عنده ولو بجعل أردوغان في سوريا بوضعية الرئيس الفرنسي ساركوزي، حيث قال أوباما عن الحملة الأطلسية على ليبيا بقيادة فرنسية أن “واشنطن تقود من الخلف”، وفي فترة كانت واشنطن تشجع علناً وصول الإسلاميين الأصوليين للسلطة في تونس والقاهرة وتشجع وتتبنى “النموذج الإسلامي التركي الأردوغاني”، أم أن خطاب أوباما ذاك هو ضغط، عبر الملف السوري، على طهران من أجل تنازلات في الموضوع النووي؟
أيضاً، يبدو أن السعودية كانت تفكر من خلال انخراطها السوري، الذي وصل بفترة 2012-2015 إلى دعم تنظيمات سورية مسلحة معارضة، باستخدام الأزمة السورية من أجل ضرب الامتداد الإيراني لبلاد الشام إما لتحجيمه أو لإنهائه بالتعاون مع واشنطن ومرة واحدة عام 2015 لمّا تعاونت الرياض وأنقرة في دعم المسلحين السوريين الذين استولوا بشهري آذار ونيسان على محافظة إدلب وامتدوا إلى سهل الغاب في ظرف توتر العلاقات بين الرياض وواشنطن عام 2015 بسبب اقتراب واشنطن من توقيع الاتفاق النووي مع طهران (14تموز) وبسبب معارضة أوباما للحملة العسكرية السعودية على الحوثيين باليمن (26 آذار).
عند روسيا ، وكما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لوفد من المعارضين السوريين زار العاصمة الروسية في نيسان/إبريل 2012: “نحن ندافع عن موسكو في دمشق”، يبدو أن موسكو كانت تفكر بأن وصول الموجة الأصولية الإسلامية إلى دمشق، بعد أن وصلت للسلطة في تونس واقتربت من ذلك بالقاهرة وشاركت بها في الرباط وطرابلس الغرب وصنعاء، بأن هذا سيكون له ترجمات عند مسلمي الاتحاد الروسي وعند مسلمي الجمهوريات المسلمة السوفياتية السابقة المتاخمة للاتحاد الروسي، وبالتأكيد كانت موسكو تفكر بقلق كيف أن المسلحين الإسلاميين في النزاع السوري قد كان الكثير منهم شيشانيون أو من مناطق متعددة من شمال القفقاس، والروس في ذلك الوقت كانوا ينظرون بقلق لاحتمالات توافق أميركي- إيراني حول الموضوع النووي، وهم حسبوا بأن اقترابهم من طهران في الملف السوري سيدعم العلاقات الثنائية وسيجعل هناك نوعاً من التحصين لها بوجه ما سينتج عن الموضوع النووي الإيراني، وقد كشف بعد مقتل اللواء قاسم سليماني عام 2020 بأنه ذهب لموسكو في الشهر التالي للاتفاق النووي مع واشنطن إلى موسكو من أجل اقناع بوتين بالدخول العسكري الروسي إلى سوريا، وهو ماحصل في يوم30أيلول/سبتمبر2015.
ثمة مؤشرات عديدة على أن أوباما كان موافقاً على الدخول العسكري الروسي لسوريا، أهمها القرار 2254 الذي أخذ بيوم 18كانون الأول/ديسمبر2015 بمجلس الأمن الدولي واعتبر وما زال كخريطة طريق دولية لحل الأزمة السورية، ثم اتجاه واشنطن وموسكو نحو عقد (مؤتمر جنيف3) بين الحكومة السورية و”الهيئة العليا للمفاوضات” المعارضة من أجل تنفيذ الـ2254، وهو ما أفشله رياض حجاب في نيسان/إبريل 2016 بدفع من أنقرة التي كانت علاقاتها بحالة توتر مع الروس والأميركان آنذاك . وفعلاً، لم تكن ديناميات الدفع نحو حل الأزمة السورية تحصل إلاعندما تتفق واشنطن وموسكو، وهو ماحصل بالمرة الأولى في شهر أيلول/سبتمبر2013 بعد اتفاق واشنطن وموسكو على موضوع السلاح الكيماوي السوري وصدر إثر ذاك القرار الدولي 2118 ودعي لمؤتمر جنيف 2 وفي الـ2118 تم تبني كامل بالنص في ملحق القرار لكامل بيان جنيف1 (30حزيران/يونيو2012) الذي كان مازال حبراً على ورق منذ اتفاق واشنطن وموسكو عليه وهو الذي يدعو إلى “هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية تضم السلطة والمعارضة”، والأرجح هنا أن تخلّي أوباما عن ماقاله في خطاب 18آب/أغسطس2011 قد تم مع القرار 2118 الذي نص على تسليم السلاح الكيماوي السوري لروسيا، ويلاحظ هنا كيف أن التسارع في مفاوضات عقد الاتفاق الأميركي- الايراني حول الملف النووي قد تم في عامي 2014و2015 فيما كان هناك استعصاء بها منذ بدايتها عام2009، والأغلب أن هذا يرتبط بالسياسة الأميركية الجديدة منذ الـ 2118 تجاه سوريا، وهو ما أعقب عند أوباما تخليه عن التحالف مع الإسلاميين الأصوليين منذ صيف 2013 وهو ما ترجم بسقوط حكم الإسلاميين المصريين بالقاهرة في يوم 3 يوليو، واتجاهه للاتفاق مع موسكو نحو منع وصول الإسلاميين السوريين للسلطة بدمشق، الأمر الذي قاد لتوتر العلاقات بين أوباما وأردوغان وهناك مؤشرات كثيرة على ضلوع أميركي”ما” في محاولة الانقلاب العسكرية التركية بيوم 15تموز/يوليو 2016 ضد أردوغان.
كان سقوط حكم الرئيس الأوكراني الموالي لموسكو بفعل مظاهرات دعمتها واشنطن بشهر شباط/فبراير 2014 مؤدية لانهيار (مؤتمر جنيف2) السوري ولانفراط الاتفاق الروسي- الأميركي حول ترتيبات نحو سلطة انتقالية، يقال أن تداعي الاتفاق حولها بين موسكو وواشنطن هو الذي دفع المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي للاستقالة من منصبه. في (جنيف3) كان التفشيل تركياً لتوافق أميركي – روسي، ثم كان اتجاه الروس والأتراك منذ لقاء يوم 9آب/أغسطس 2016 بين أردوغان وبوتين، وهو ما أعقبه دخول الأتراك العسكري في 2016(جرابلس- الباب) و2018 (عفرين) و2019(تل أبيض- رأس العين”سري كانيه”)، نحو توافق ثنائي حول الملف السوري كان آخره اتفاق 5 آذار/مارس2020بين بوتين وأردوغان حول الوضع في محافظة إدلب. هذا التوافق الثنائي الروسي- التركي حول سوريا، كان بالتوازي مع وجود عسكري روسي أعقبه وترافق معه وجود عسكري أميركي في شرق الفرات وفي قاعدة التنف عند المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي.
كان جمود عملية تحريك حل الأزمة السورية مترافقاً مع التوافق الروسي – التركي ومع التواجد العسكري الروسي- الأميركي بالأرض السورية، ثم انضاف له دخول واشنطن وطهران في التصادم منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الايراني عام 2018 وفشل محادثات 2021و2022 بعد مجيء جو بايدن للبيت الأبيض في إحياء ذلك الاتفاق، ثم أتت الحرب الأوكرانية عام 2022 لتشعل التشابك الروسي-الأميركي على مدى العالم ومنه سوريا وانضاف لهذا اتجاه طهران بعد فشل محادثات فيينا لاحياء الاتفاق النووي مع واشنطن إلى تحالف معلن مع موسكو وبكين لم تقتصر تطبيقاته على أوكرانيا من خلال السلاح الإيراني المتدفق للروس بل ترجم من خلال تقارب روسي-ايراني في الملف السوري كان غير موجود قبل الحرب الأوكرانية.
كتكثيف: الأزمة السورية من أكثر الأزمات، التي نشأت بعد حقبة مابعد عام 1945، في تداخل العامل الخارجي بالداخلي في الأزمة، و(الخارج) كان الأكثر تأثيراً في تحديد مسارات الأزمة السورية خلال الثلاثة عشر عاماً الماضية.
المصدر: نورث برس
- محمد سيد رصاص كاتب سوري
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.