الجمعة 11 تشرين الأول/أكتوبر 2024
سوريا اليوم – دمشق
عادت شبكة الآغا خان للتنمية (AKDN) إلى دائرة الضوء مع استمرارها في لعب دور محوري في تعزيز التنمية المستدامة في سوريا، على الرغم من الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
فمنذ تأسيسها كمؤسسة دولية في عام 1967، ركزت الشبكة التي تعمل في 30 دولية معظمها في آسيا وأفريقيا، على تحسين الظروف المعيشية للفئات الأشد احتياجاً حول العالم، حيث أدت مشاريعها إلى تحسين جوانب متعددة من حياة الناس.
وتأسست الشبكة على يد “الآغا خان”، وهو اللقب الذي يحمله “الزعيم الروحي لمجتمع المسلمين الشيعة الإسماعيليين”، بحسب تعريف الشبكة لنفسها.
ويعود دخول شبكة الآغا خان للعمل في سوريا إلى نهاية القرن العشرين ومطلع الألفية الجديدة، حيث بدأت أعمالها بترميم الآثار الإسلامية في البلاد، ثم ركزت على مشاريع التنمية طويلة الأمد، بما في ذلك تحسين التعليم، الصحة، ودعم الزراعة في المناطق الريفية. ومنذ ذلك الحين، استمرت الشبكة في العمل وتوسيع نطاق مشاريعها لمواجهة التحديات الإنسانية والتنموية التي ظهرت مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، والأزمة التي عصفت بالبلاد وأدخلتها في حال من الحرب الأهلية.
وتقول مصادر مقربة من شبكة الآغا خان للتنمية، في تصريحات لموقع “سوريا اليوم“، إنه رغم تزايد التحديات الاقتصادية والاجتماعية في سوريا خلال 13 عاماً، تمسكت الشبكة بمواصلة تنفيذ مبادرات متنوعة تلبي احتياجات الفئات المتضررة وتساهم في إعادة بناء الاقتصاد والمجتمع، بل تبرز شبكة الآغا خان كإحدى المؤسسات الدولية الرائدة في تقديم الدعم التنموي والإنساني في البلاد.
وأشارت المصادر إلى أن منظمات شبكة الآغا خان للتنمية، وعلى رأسها مؤسسة الآغا خان (Aga Khan Foundation) المختلفة تقوم بأعمال عدة في سوريا، تشمل توزع المعونات الغذائية وتقدم الدعم النفسي في الكوارث، كما تدعم المزارعين بالأموال ومنظومات الطاقة الشمسية فضلاً عن دعم المشاريع الصغيرة. إذ تتوزع مجالات عملها على التالي: الزراعة والأمن الغذائي، التنمية الثقافية، التأهب للكوارث والاستجابة لها، تنمية الطفولة المبكرة، التعليم، الطاقة المتجددة والبيئة، الصحة، التمويل الصغير.
تحديات الرعاية الصحية
منذ بدء عملها في سوريا، أولت شبكة الآغا خان للتنمية أهمية كبيرة لتحسين الرعاية الصحية، وخاصة خلال السنوات الماضية في المناطق التي تأثرت بالأزمة المستمرة. ويعد مركز الآغا خان الطبي في مدينة “سلمية” (بريف حماة) أحد أبرز مشاريعها، حيث يقدم خدمات صحية متميزة للأهالي، مستفيداً من استقدام أطباء متخصصين من خارج المدينة لتقديم العلاجات في مجالات متعددة في يوم محدد أسبوعياً، بدلاً من ذهاب المرضى إلى الأطباء خارج المدينة.
![](https://syriatoday994522397.wordpress.com/wp-content/uploads/2025/01/3ec0f-image-2.png?w=680&h=1024)
وواجه المركز الطبي اتهامات من أطراف معارضة بأن الأجور التي يدفعها المرضى للمركز تفوق أجر الطبيب في عيادته بما يزيد عن 20 ألف ليرة، الأمر الذي اعتبره أصحاب الدخل المحدود زيادة باهظة جداً، فهذه المساعدة التي يقدمها المركز لا تساعدهم بل على العكس فعناء الطريق الذي يوفره المركز على المرضى أصبحوا يقضونه في الانتظار بسبب الازدحام، بحسب المعارضين.
إلا أن المدافعين عن مشاريع شبكة الآغا خان يشيرون إلى توفير المركز تجهيزات طبية متقدمة تمكنه من تقديم خدمات رعاية صحية متكاملة، مثل العلاج الوقائي والاستشارات الطبية المتخصصة، وهذه لم تقلل فقط من الأعباء المادية التي يتحملها المرضى نتيجة السفر لتلقي العلاج، بل أسهمت في تحسين جودة الحياة الصحية في المجتمعات التي تعاني من نقص في الخدمات الطبية.
إلى جانب ذلك، تقدم الشبكة دعماً كبيراً للقطاع الصحي من خلال توفير الأدوية والمستلزمات الطبية للمستشفيات المحلية، مما ساعد على مواجهة النقص الحاد في الإمدادات الطبية خلال السنوات الماضية. وقد شهدت المشافي المحلية تحسناً ملحوظاً في قدرتها على التعامل مع حالات الطوارئ الصحية، بما في ذلك أزمة جائحة كورونا.
دعم التعليم وبناء المستقبل
ويعد التعليم هو ركيزة أساسية من ركائز التنمية المستدامة التي تركز عليها شبكة الآغا خان في سوريا. على مر السنوات، نفذت الشبكة مشاريع تعليمية متعددة، تستهدف دعم الطلاب والمعلمين على حد سواء. فقد قامت ببناء المدارس وتوفير البنية التحتية التعليمية، بالإضافة إلى تدريب المعلمين على أحدث الأساليب التعليمية، بهدف تحسين جودة التعليم.
وبدأت الوكالات التابعة لشبكة الآغا خان للتنمية في عام 2002 بتزويد 12 مدرسة موزعة في جميع أنحاء سوريا بمختبرات حاسوب وبرامج تدريبية لاستخدامها. وفي عام 2006، افتتحت الشبكة مركزاً لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتعليم اللغة الإنجليزية في مدينة سلمية.
الاكتفاء الذاتي من خلال دعم الزراعة والطاقة
وفي مجال الزراعة، كانت شبكة الآغا خان من بين الجهات الرائدة في دعم المزارعين السوريين. من خلال تقديم أنظمة الري الحديثة، ساهمت الشبكة في تعزيز الإنتاجية الزراعية، مما أتاح للمزارعين زيادة غلاتهم وتحسين أوضاعهم الاقتصادية. وتقلل هذه الأنظمة من الاعتماد على المياه التقليدية وتساهم في تحسين إدارة الموارد الطبيعية، وهو أمر حيوي في بلد يعاني من نقص حاد في المياه نتيجة الظروف المناخية والجغرافية.
كما دعمت الشبكة المشاريع الزراعية عن طريق توفير التمويل والتدريب، ما أتاح للمزارعين تنفيذ مشاريع زراعية مستدامة تعزز من قدرتهم على التكيف مع الظروف الاقتصادية الصعبة. بالإضافة إلى ذلك، قدمت الشبكة مشاريع للطاقة الشمسية التي تدعم المزارعين في الريف السوري وتوفر لهم مصادر طاقة بديلة ومستدامة تساهم في تقليل تكلفة الإنتاج وزيادة الفعالية.
كورونا والزلازل: الاستجابة للأزمات والكوارث
خلال الأزمات الإنسانية التي مرت بها سوريا، مثل جائحة كورونا والزلازل، كانت شبكة الآغا خان في مقدمة الجهات التي قدمت المساعدات الطارئة. من خلال توزيع المساعدات الغذائية والطبية وتقديم الدعم النفسي للعائلات المتضررة، لعبت الشبكة دوراً كبيراً في تخفيف معاناة المتضررين من تلك الكوارث.
تشير مصادر الشبكة في حديثها إلى “سوريا اليوم” إلى أنها كانت من بين القلة التي تمكنت من الاستمرار في تقديم الدعم الإنساني في المناطق المتضررة بشدة، وذلك بفضل خبرتها الواسعة في العمل الإنساني وشبكة موظفيها المؤهلين الذين يعملون على الأرض لضمان وصول المساعدات إلى المستحقين، مؤكدة أن هذه الجهود تُظهر التزام الشبكة بتقديم العون للفئات الأكثر حاجة، بغض النظر عن التحديات التي تواجهها.
دعم المشاريع الصغيرة في ظل التحديات الاقتصادية
ومن بين المجالات الهامة التي تعمل فيها شبكة الآغا خان، تقديم القروض الميسرة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوريا، وتقدم هذه القروض بشروط ميسرة للغاية، ما يسهم في تمكين أصحاب المشاريع من تطوير أعمالهم وتحسين أوضاعهم المعيشية.
ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، بما في ذلك التضخم الكبير وارتفاع تكاليف المعيشة، تواصل الشبكة تقديم هذه القروض لتلبية احتياجات المواطنين. وقد أكدت مصادر مقربة من الشبكة حرصها على توفير القروض بأفضل الشروط الممكنة، في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، حيث تمثل هذه القروض شريان حياة للعديد من العائلات والمشاريع التي تعتمد عليها لتجاوز الظروف الاقتصادية الصعبة.
ترميم الأسواق والمساجد التاريخية
وتعود العديد من مشاريع شبكة الآغا خان إلى نهاية القرن العشرين، قبل الأزمة السورية. ففي عام 1999 قدمت الحكومة السورية طلباً لصندوق الآغا خان للثقافة لتقديم المساعدة في ترميم قلعة صلاح الدين وقلعة مصياف وقلعة حلب، وتم توقيع اتفاقية شراكة مع المديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا.
![](https://syriatoday994522397.wordpress.com/wp-content/uploads/2025/01/02edb-image.png?w=1024&h=769)
وبالفعل قامت أعمال الترميم التي نفذها الصندوق في قلعة حلب بالتركيز على عدد من الأماكن الرئيسية التي لها أهمية تاريخية ومكانية، ومن بينها: مجمع القصر الأيوبي، القسم الغربي من تاج القلعة والجدران الرئيسية المحيطة. وتضمن المشروع استثمارات ضخمة في تحسين المناظر الطبيعية حول القلعة، بالإضافة إلى إنشاء منطقة للمشاة عند المدخل وتنفيذ مخطط للمرور والحفاظ على المباني الرئيسية. وتم الانتهاء من أعمال الترميم داخل قلعة حلب في عام 2006.
كما قرر صندوق الآغا خان للثقافة ترميم أقسام قلعة صلاح الدين قلعة صلاح الدين في جبال محافظة اللاذقية الساحلية، التي تعود إلى الحقبة الأيوبية والمملوكية، وبدأت عمليات الترميم في عام 2000، حيث تم التركيز على ترميم المسجد ومئذنته والمدرسة المجاورة، فقد واجهت المئذنة العديد من المشاكل، خاصة بعد حدوث زلزال سابق أدى إلى تضرر الجزء العلوي منها وانهيارها جزئياً. وقبل البدء في ترميم القصر الأيوبي، أجرى فريق من جامعة السوربون في باريس مسحاً تفصيلياً للأطلال الأثرية. وانتهت جميع أعمال الصيانة في نهاية عام 2003.
![](https://syriatoday994522397.wordpress.com/wp-content/uploads/2025/01/0d612-image-1.png?w=1024&h=529)
أما قلعة مصياف الواقعة على أطراف مدينة مصياف، وهي من أبرز قلاع القرون الوسطى وإحدى معالم فترة الحكم الإسماعيلي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، فقد تم تنفيذ مشروع ترميمها بما يضمن الحفاظ على هيكل القلعة بشكل كامل، ومن ذلك ترميم النصب التذكاري، وإصلاح جزء من الجدار الخارجي كان قد انهار جزئياً. وتم الانتهاء من المشروع الشامل لصيانة الموقع بأكمله في عام 2004.
خدمة المجتمع وتحدي الشفافية والحياد
فيما يتعلق بالانتقادات التي وجهتها بعض الأطراف المعارضة، تشير مصادر مقربة من شبكة الآغا خان إلى أن وكالتها الأهم المعروفة باسم “مؤسسة الآغا خان” عندما تعمل في سوريا تلتزم بمبادئ الشفافية والحياد في عملها، فعمليات توزيع المساعدات، سواء الغذائية أو الطبية أو الاقتصادية، تتم بناءً على دراسات احتياجات ميدانية تأخذ في الاعتبار أوضاع المجتمعات المختلفة. كما أن المؤسسة تُدار وفق معايير دولية تضمن الكفاءة والعدالة في تقديم الخدمات للمحتاجين، بحسب تعبيرها.
كما أن المؤسسة تعمل في بيئة مليئة بالتحديات الاقتصادية والسياسية، ومع ذلك، تمكنت من البقاء كواحدة من الجهات الرائدة التي تقدم دعماً شاملاً للشعب السوري.
وتضيف المصادر لـ”سوريا اليوم” قائلة: “بفضل جهودها المستمرة، تمكنت مؤسسة الآغا خان من تحقيق نتائج ملموسة تسهم في تحسين الظروف المعيشية للمجتمعات المتضررة”، وتشدد على أن “المؤسسة ستواصل دورها الريادي في تعزيز التنمية المستدامة ودعم الفئات الأكثر احتياجاً في سوريا، وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي فرضتها الحرب والأوضاع الاقتصادية الصعبة، تظل شبكة الآغا خان للتنمية ملتزمة بتقديم خدماتها الإنسانية والتنموية بشفافية وحيادية، مع الحرص على تحسين جودة الحياة للمواطنين. ومن خلال مشاريعها المتعددة، تؤكد الشبكة على دورها الحاسم في دعم جهود إعادة بناء المجتمع السوري على أسس مستدامة”، على حد تعبيرها.