الثلاثاء 3 كانون الأول/ديسمبر 2024
سوريا اليوم – حلب
شهدت مدينة حلب الشمالية تطورات ميدانية وسياسية كبيرة في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، حيث سيطرت فصائل المعارضة السورية المسلحة على أجزاء واسعة من المدينة عقب انسحاب القوات الحكومية السورية.
العملية العسكرية، التي شاركت فيها فصائل عدة، أبرزت دور هيئة تحرير الشام بشكل لافت، مما أثار جدلاً واسعاً حول مستقبل المدينة، خصوصاً مع التحركات المتزايدة لـ”حكومة الإنقاذ” السورية التابعة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) ومقرها إدلب لتعزيز وجودها الإداري على حساب “الحكومة السورية المؤقتة” التابعة للائتلاف الوطني السوري المعارض، التي غابت تماماً عن المشهد.
في هذا التقرير تستقرئ “سوريا اليوم” واقع الإدارة المدنية في مدينة حلب، العاصمة الاقتصادية للبلاد، في ظل غياب مؤسسات الحكومة التي انسحب مسؤولوها من المدينة مع الجيش السوري التابع لحكومة دمشق.
التنسيق العسكري وتحركات حكومة الإنقاذ
السيطرة على حلب جاءت نتيجة تنسيق بين عدد من الفصائل المسلحة، من بينها هيئة تحرير الشام وبعض فصائل الجيش الوطني السوري. ورغم هذا التنسيق، حرصت هيئة تحرير الشام، المعروفة بتنظيمها وتسليحها القوي، على إبراز دورها القيادي في العملية.
ولعل رفع علم جبهة النصرة سابقاً على قلعة حلب يعكس رغبة الهيئة في تأكيد هيمنتها السياسية والعسكرية، مما أثار مخاوف السكان من تكرار تجربة إدلب وريفها الغربي.
مع تثبيت السيطرة العسكرية، بدأت حكومة الإنقاذ، الذراع المدني لهيئة تحرير الشام، تحركاتها لتعزيز وجودها الإداري في حلب. أرسلت الحكومة وزراء ومسؤولين لعقد اجتماعات مع شخصيات محلية، واعدة بتحسين الخدمات وتنظيم الحياة المدنية.
ورغم هذه التحركات، إلا أن سكان المدينة يعبرون عن قلقهم من أن تكون هذه الخطوات مقدمة لفرض سياسات صارمة مشابهة لتلك التي شهدتها إدلب.
من بين التحركات اللافتة، شرعت شركة “سيريافون”، المرخصة من حكومة الإنقاذ، في تركيب شبكة اتصالات جديدة في حلب. ورغم أهمية تحسين خدمات الاتصالات، فإن وجود الشركة يثير جدلاً كبيراً.
ويعود هذا الجدل إلى غموض هوية مالكي الشركة ودورها المحتمل في مراقبة السكان، خاصة في ظل الانتقادات السابقة التي واجهتها الشركة في إدلب.
المخاوف الشعبية وغياب الحكومة المؤقتة
ورغم التطمينات التي تقدمها حكومة الإنقاذ، إلا أن رفع علم جبهة النصرة سابقًا في حلب أعاد للأذهان ذكريات سياسات الهيئة المتشددة، بل وتاريخ “جبهة النصرة” سابقاً، التي ولدت في الأصل على يد أبو محمد الجولاني كانشقاق عن تنظيم “داعش” الإرهابي، وبايعت منظمة “القاعدة” في حينها، قبل التخلي عن هذه البيعة لاحقاً وتأكيدها أنها جزء من “الثورة السورية”
ويتخوف بعض السكان من تكرار تجربة إدلب، حيث فُرضت ضرائب ورسوم باهظة، وقُمعت الاحتجاجات الشعبية. ويعبر كثيرون عن خشيتهم من أن تتحول حلب إلى ساحة جديدة لتعزيز الهيمنة العسكرية لهيئة تحرير الشام عبر حكومة الإنقاذ.
وفي الوقت ذاته، يبرز غياب الحكومة السورية المؤقتة عن المشهد كعامل مثير للقلق. الحكومة المؤقتة، التي تُعد الجهة الشرعية المفترضة لإدارة ما تسميه المعارضة السورية “المناطق المحررة”، فشلت في بسط نفوذها في حلب. هذا الغياب يُظهر ضعفاً تنظيمياً وإداريً واضحاً مقارنة بحكومة الإنقاذ، التي استغلت هذا الفراغ لتعزيز سيطرتها.
الدعم التركي الذي تحظى به الحكومة المؤقتة في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون لم يكن كافياً لدفعها للقيام بدور فعال في حلب، مما أتاح لحكومة الإنقاذ تقديم نفسها كبديل إداري قوي، رغم الانتقادات والشبهات التي تلاحقها.
سيطرة الفصائل المعارضة على حلب وظهور حكومة الإنقاذ كلاعب رئيسي في الإدارة يعكسان ديناميات معقدة في الشمال السوري. التحركات السريعة لحكومة الإنقاذ تُظهر رغبتها في بسط سيطرتها على المدينة، مستفيدة من غياب الحكومة المؤقتة وانعدام بدائل إدارية فعالة.
ورغم تطميناتها، بل وحتى إبراز الحماية التي حظي بها مسيحيو مدينة حلب الذين أقاموا طقوسهم الدينية خلال شهر الميلاد في ظل السيطرة الجديدة دون قلق أو خوف، وانتشار فيديوهات ورسائل الطمأنة لهم، تبقى المخاوف الشعبية قائمة، خصوصاً مع تاريخ “الإنقاذ” في إدلب والتبعية الواضحة لهيئة تحرير الشام.
الغموض التركي
السؤال المطروح الآن هو: هل ستنجح حكومة الإنقاذ في تقديم نموذج إدارة مدني مقبول، أم أن المدينة ستشهد تكراراً لسيناريوهات القمع والتشدد؟
ويبقى السؤال الكبير عن غموض الموقف التركي الذي سكت على بروز هيئة تحرير الشام وذراعها الحكومي كوجه للتحركات التي جرت منذ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وانقلب بموجبها ميزان القوى في الشمال السوري لصالح المعارضة على حساب النظام، وهو الزلزال الذي ما زال يثير الكثير من الأسئلة التي تبقى دون إجابات.
الإجابة على هذه الأسئلة رهن بتطورات المرحلة القادمة، خاصة إذا تم تحقيق الاستقرار وتلبية احتياجات السكان دون فرض سياسات تثير المزيد من الاضطرابات.