الأحد 11 نيسان/أبريل 2021
سوريا اليوم – متابعات
تميز السوريون منذ وفاة زوج ملكة بريطانيا الأمير فيليب (دوق إدنبرة) الجمعة بنعيه بطريقتهم الخاصة. فقد تداول السوريون على نطاق واسع جانباً مغيباً من التاريخ البريطاني – السوري المشترك، تمثل في زيارة قام بها الأمير الراحل إلى سوريا قبل 71 عاماً.
وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور بعد وفاة الأمير البريطاني فيليب، زوج الملكة إليزابيث الثانية، في 9 من نيسان، تظهره في حدائق القصر الرئاسي في العاصمة السورية دمشق في عام 1950.
والتقى الدوق فيليب، خلال زيارته بعدد من رموز الدولة السورية في تلك الفترة، كرئيس سوريا الأسبق هاشم الأتاسي واللواء فوزي سلو والعقيد أديب الشيشكلي الذي أصبح رئيسًا للبلاد عام 1953.
وتتبع موقع عنب بلدي مصدر الصور وبحث عن أسباب الزيارة، وأبرز محطاتها، والسياقات التي كانت تحدث في سوريا تلك الفترة.
وقال الموقع إن الدوق الراحل زار حينها سوريا بصفته قائد المدمرة البريطانية “تشيكرز” (HMS Chequers)، وكانت الزيارة في 27 حزيران/يونيو من عام 1950.
وذكرت صحيفة الفيحاء اليومية السورية، في عددها الصادر في 30 حزيران/يونيو عام 1950، زيارة الدوق إلى سوريا، بحسب ما أرشفه موقع “التاريخ السوري المعاصر“.
وقالت الجريدة يومها إن الرئيس (الأسبق) لسوريا، هاشم الأتاسي، استقبل دوق إدنبرة وقائد الطرادة البريطانية “تشيكرز” والملازم أول وزوج الأميرة إليزابيث، في القصر الجمهوري في العاصمة دمشق.
وبحسب الصحيفة، جرت هذه الزيارة القصيرة وغير الرسمية في ظروف كانت فيها المنطقة على صفيح ساخن، إذ أبدى الدوق أسفه الشديد على أخبار كارثة حمص التي وقعت في يوم وصوله إلى سوريا.
ففي 27 من حزيران في نفس العام، وقع أكبر انفجار شهدته سوريا في ذلك الوقت وخلّف حريقًا هائلًا، في مستودعات لشركة المقاولات والتجارة “شركة الكات” في حي المحطة غرب مدينة حمص.
وأسفر الانفجار عن وفاة 79 شخصًا وإصابة 237 آخرين.
اليوم الأول للزيارة.. 27 حزيران 1950
وصل الأمير فيليب إلى دمشق بعد ظهر يوم 27 حزيران/يونيو عام 1950، قادمًا عبر طريق حمص، واستُقبل استقبالًا رسميًا عند وصوله دمشق.
توجه فور وصوله إلى دار المفوضية البريطانية، وفي الساعة السادسة، توجه الدوق برفقة القائم بأعمال المفوضية البريطانية وموكب رسمي من سيارات الجيش والشرطة إلى القصر الجمهوري، الذي وصله في الساعة السادسة والدقيقة العشرين.
عزفت موسيقى الدرك النشيد الإنجليزي ثم النشيد السوري ثم استعرض الدوق الحرس الجمهوري، واستقبله عند مدخل القصر الجمهوري، الأمين العام للقصر، ثم صعد إلى الطابق الأول حيث رحب به الرئيس، هاشم الأتاسي، كما سجل الدوق اسمه خلال زيارته في سجل التشريفات.
اليوم الثاني للزيارة.. 28 حزيران 1950
زار الأمير فيليب المجلس الثقافي البريطاني، ثم اجتمع مع رئيس الجامعة السورية، الدكتور قسطنطين زريق.
أقام الرئيس هاشم الأتاسي، مأدبة على شرف دوق إدنبرة، دعا إليها كلًا من دولة رئيس مجلس الجمعية التأسيسية، ورئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية، ووزير الدفاع، وكذلك القائم بأعمال المفوضية البريطانية بدمشق.
إضافةً إلى الزعيم رئيس الأركان، وأمين رئيس الدولة وأمين وزارة الخارجية، والكولونيل الملحق العسكري لدى المفوضية البريطانية، والزعيم مدير التجنيد، والعقيد معاون رئيس الأركان، كبار موظفي المفوضية البريطانية، والملازم مرافق الدوق، ورئيس دائرة المراسم في وزارة الخارجية.
وبحسب موقع “التاريخ السوري المعاصر” ضمت طاولة الطعام: انكنار (أرضي شوكي) بالزيت، كبة بالصينية مع متبل، بطيخ مع خضار مشكلة، شارلوت ومبرومة مشكلة، بوظة وفواكة وقهوة.
اليوم الثالث للزيارة، 29 حزيران 1950
قدّم الرئيس الأتاسي، للأمير فيليب، مجموعة هدايا كانت عبارة عن جاكيت وصندوقين مملوئين بالفاكهة وصينية ذهبية، ومجلدًا يحتوي على جميع الصور التي التقطت خلال مأدبة الإفطار التي أقامها الرئيس الأتاسي على شرفه.
المغادرة
غادر دوق إدنبرة، دمشق في الساعة العاشرة والربع من صباح يوم، 29 حزيران/يونيو، إلى بيروت التي بات فيها لمدة ثلاثة أيام قبل أن يلتحق بالمدمرة البريطانية التي نقلته إلى تركيا، ثم اليونان.
رافق الدوق عند مغادرته دمشق القائم بأعمال المفوضية البريطانية بدمشق والملحق العسكري فيها ومحافظ دمشق.
وكان في استقباله عند الحدود اللبنانية وزير بريطانيا المفوض في بيروت، السير هرستون برزويل.
الكاتب والمؤرخ السوري، سامي مروان مبيّض، نشر عبر صفحته على “فيس بوك” أن الصور المتداولة للأمير فيليب في دمشق، بعد الإعلان عن وفاته، هي من أرشيف أمين عام الرئاسة السورية في عهد الرئيس شكري القوتلي، عبد الله بك الخاني.
وأوضح مبيّض تفاصيل الزيارة، إذ رست سفينته في اللاذقية وذهب إلى دمشق بدعوة من الرئيس هاشم الأتاسي، حيث جهزت مأدبة عشاء على شرفه في حديقة القصر الجمهوري في المهاجرين.
قيل للرئيس الأتاسي إن الدوق هو من عشاق النبيذ، لكن الرئيس السوري رفض أن يُقدم النبيذ على مائدته، وأخبر الطاهي الأرمني في القصر أن تقتصر المشروبات على الليموناضة والقهوة.
وبحسب مبيّض، تجمع الصورة (أعلاه) بين أربعة رؤساء الجمهورية السورية، وهم هاشم الأتاسي (في المنتصف إلى جانب دوق إدنبرة) واللواء فوزي سلو (خلفه في القصر بعد سنة وخمسة أشهر، وكان يومها وزيرًا للدفاع وهو الرابع من اليمين). ويقف إلى جانب الخاني، أمين عام وزارة الخارجية، وليد ماجد.
الثالث من اليسار هو العقيد أديب الشيشكلي، ووقف إلى جانب الرئيس الأتاسي رئيس الحكومة، ناظم القدسي، الذي انتخب رئيسًا للجمهورية عام 1961.
أما عن بقية الحضور، فيحيط بالشيشكلي كل من رئيس المجلس النيابي، رشدي الكيخيا، وأمين العاصمة محمد سعيد اليوسف (بالبدلة السوداء)، نجل أمير الحج الشامي عبد الرحمن باشا اليوسف.
وإلى جانب اللواء سلو، يقف الزعيم، أنور بنود، رئيس اركان الجيش.
أما ما وراء الصورة، وفق مبيّض، فهو ما قاله عبد الله بك عن لحظة أخذها “وقف الجميع وقفة جدية عند قدوم المصور ولكن الأمير أضحكهم جميعًا، وقال، عندما يُغادر المصور دعوني أخبركم كيف طبقت الأميرة إليزابيث!، ضحك الجميع وخربت الصورة فقاموا بأخذها (التقاطها) مرة ثانية بجدية أعلى، كما ترون”.
تَداول أيضًا أن من أسباب زيارة الأمير فيليب إلى دمشق، هو فضوله معرفة المدينة التي جُلب منها قماش ثوب زفاف زوجته، الملكة إليزابيث.
فقماش ثوب زفاف الملكة يوم كانت ولية للعهد عام 1947، جاء من أسواق دمشق.
وبحسب مبيّض، أن الروايات تختلف عن مصدر البروكار وخيوط الحرير الذهب الدمشقي، فبعضها تقول أن البروكار جاء من محلات قسومة والأخرى تروي أن المصدر كان محلات النعسان في حارة حنانيا.
العلاقات السورية- البريطانية في الخمسينيات
شهد عام 1953 تحسنًا في العلاقات بين لندن ودمشق، خاصة على الصعيد التجاري، إذ احتلت المملكة المتحدة الدور الأول في الاتفاقيات التجارية التي عقدتها الحكومة السورية مع الدول، حسب موقع “التاريخ السوري المعاصر”.
وعلى أثر أحداث جبل الدروز، في كانون الثاني 1954، وما تلاها من تأزم العلاقات السورية مع العراق، اتهم الشيشكلي بريطانيا بالتدخل في الشؤون السورية الداخلية، وتحدثت بعض الصحف عن مؤامرة بريطانية- عراقية لجر سوريا إلى الاتحاد مع العراق، وإقامة حكومة عميلة تدخل البلاد في حلف دفاعي إقليمي يخدم مصالح بريطانيا في الشرق الأوسط.
ومع عودة السياسيين التقليديين إلى السلطة في سوريا، اتسع النفوذ البريطاني، ومع ذلك، فإن فكرة الاتحاد مع العراق، التي كانت ذات مرة إحدى أسس السياسة السورية قد انتهت تمامًا.
من هو الأمير فيليب؟
أعلن قصر “باكنغهام”، الجمعة 9 نيسان/يونيو 2021، أن الأمير فيليب، زوج الملكة إليزابيث الثانية، توفي عن عمر 99 عامًا.
وولد الأمير فيليب، في 10 حزيران/يونيو 1921، في جزيرة كورفو اليونانية، إذ تعود أصول والده، الأمير أندرو، إلى الأسرتين الملكيتين اليونانية والدنماركية.
بدأ فيليب تعليمه في فرنسا، ولكن في سن السابعة، ذهب للعيش مع أقاربه من أسرة مونتباتن في بريطانيا ودخل المدرسة الابتدائية في مقاطعة سَري.
تنقل خلال دراسته بين فرنسا وألمانيا واسكتلندا، ومع اقتراب الحرب العالمية الثانية، قرر فيليب الالتحاق بالخدمة العسكرية، وأراد الانضمام إلى سلاح الجو الملكي، لكنه انتسب إلى البحرية إذ لأسرة والدته تاريخ حافل في البحرية.
وأصبح طالبًا في الكلية البحرية الملكية في دارتموث، حسب ما يذكره موقع “BBC” عن حياته.
انضم إلى سلاح البحرية الملكية البريطانية في عام 1939 في عمر 18، وخلال وجوده هناك، أوكلت إليه مهمة مرافقة الأميرتين الشابتين، إليزابيث ومارغريت، أثناء قيام الملك، جورج السادس، والملكة إليزابيثـ بجولة في الكلية.
كان فيليب يتباهى بنفسه كثيرًا، وترك هذا اللقاء انطباعًا لدى الأميرة إليزابيث عامًا حينها، وبدأ بالتراسل مع الأميرة التي كانت في 13 من عمرها آنذاك.
أدى خدمته في أسطولي البحر المتوسط والمحيط الهادئ، وبعد الحرب، سمح الملك جورج السادس لفيليب بالزواج من إليزابيث.
قبل الإعلان الرسمي عن خطوبتهما في تموز/يوليو من عام 1947، تخلى عن ألقابه ومسمياته اليونانية والدنماركية وصار مواطنًا بريطانيًا مُجنسًا، واتخذ اسم عائلة أجداده لأمه وهو ماونتباتن.
تزوج فيليب من إليزابيث في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1947، وقبل حفل الزفاف مباشرة، منحه الملك جورج السادس مسمّى صاحب السمو الملكي ونصبه دوق إدنبرة.
ترك فيليب الخدمة العسكرية الفعلية عندما نُصبت إليزابيث ملكة في عام 1952، ونُصب فيليب أميرًا لبريطانيا في عام 1957.