الاثنين 19 نيسان/أبريل 2021
سوريا اليوم – باريس
نعت المعارضة السورية اليوم الاثنين الكاتب والمفكر السوري المعارض ميشيل كيلو، الذي قضى نحبه اليوم في منفاه بالعاصمة الفرنسية باريس، متأثراً بفيروس كورونا الذي أصيب به قبل شهر.
وتدهورت حالة كيلو الصحية قبل أيام، الأمر الذي استدعى نقله إلى أحد مشافي باريس.
ويعتبر كيلو من أبرز السياسيين المعارضين لنظام الرئيسين حافظ وبشار الأسد، ومن المعتقلين السابقين في سجونهما.
وهو من الوجوه المعارضة البارزة في فترة ربيع دمشق، ومن الموقعين على وثيقة “إعلان دمشق” عام 2005، وتعرض للاعتقال عدة مرات منذ بداية من السبعينيات وحتى 2009 حيث أفرج عنه عقب اعتقال دام ثلاث سنوات، بعد إدانته من قبل المحكمة العسكرية بـ “نشر أخبار كاذبة، وإضعاف الشعور القومي، والتحريض على التفرقة الطائفية”.
وكانت المعارضة السورية نعت أمس الأحد معارضاً سورياً بارزاً آخر، هو حبيب عيسى، وهو أيضاً سياسي يساري سابق، ومعارض للنظام السوري، سبق أن سُجن مع معتقلي ربيع دمشق، إلى جانب كيلو.
وذكرت صحيفة جسر الإلكترونية المعارضة أن الراحل ميشيل كيلو صرح لها في وقت سابق من الشهر الحالي بأنه أُصيب بالفيروس رغم تلقيه الجرعة الأولى من اللقاح بمكان إقامته في فرنسا، قبل أسبوعين من إصابته وتدهور حالته الصحية. ونقلت الصحيفة عن مصادر مقرّبة من كيلو قولها إن المعارض السوري كان يتنفس بواسطة جهاز التنفس خلال الأيام الماضية بسبب ضيق التنفس والضعف والوهن الشديدين، قبل إعلان وفاته اليوم.
وقال رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية نصر الحريري اليوم الاثنين في نعي كيلو الذي كان عضواً سابقاً في الائتلاف “خسارة كبيرة برحيل الأستاذ ميشيل كيلو اليوم إثر إصابته بكورونا، عزائي للشعب السوري الحر ولعائلته ولجميع محبيه. كان الأستاذ ميشيل قامة فكرية ووطنية كبيرة وكان حلمه أن يرى سورية حرة ديمقراطية وإن شاء الله السوريون سيكملون الحلم ويحققونه”.
أما الناشطة المعارضة سهير الأتاسي فاكتفت بالقول “رحل ميشيل كيلو.. وما بقا فيه شي ينقال بعد كل هالوجع”.
من هو ميشيل كيلو؟
وينحدر ميشيل كيلو من مدينة اللاذقية، التي ولد فيها في العام 1940.
وعمل في وزارة الثقافة والإرشاد القومي، كما ترأس مركز “حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سوريا”.
وكان كيلو عضواً بارزاً في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، قبل أن يغادره عام 2016.
وقد حجز النظام السوري احتياطياً على أمواله المنقولة وغير المنقولة في سورية، أواخر عام 2012، وحكمت عليه محكمة الإرهاب بالإعدام عام 2015.
وإلى جانب ما سبق كان كيلو ناشطاً في لجان إحياء المجتمع المدني وأحد المشاركين في صياغة إعلان دمشق، وعضو سابق في الحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي (أصبح حزب الشعب لاحقاً).
وبالإضافة إلى عمله كمحلل سياسي وكاتب في معظم الصحف والمواقع العربية، عمل مترجماً وكان عضواً في اتحاد الصحفيين السوريين، حيث كتب وترجم كتباً في الفكر السياسي.
وفي تعريفه بهويته السورية، كان ميشيل كيلو ينقل عن والده أنه كان يقول “كيف تستطيع أن تكون مجرد مسيحي فحسب في بيئة تاريخية أعطتك ثقافتك ولغتك وحضارتك وجزءاً مهماً من هويتك؟”.
وصية ميشيل كيلو الأخيرة للسوريين: كي لا تبقوا ضائعين في بحر الظلمات
وكان المفكر السوري الدكتور أحمد برقاوي نشر في 7 نيسان/أبريل الجاري رسالة كتبها ميشيل كيلو، بدأها بجملة “وصيتي للسوريين، كي لا تبقوا ضائعين في بحر الظلمات”.
وقال ميشيل كيلو في رسالته “لا تنظروا إلى مصالحكم الخاصة كمتعارضة مع المصلحة العامة، هي جزء أو يجب أن تكون جزءاً منها”. وأضاف “لا تنظروا إلى وطنكم من خلال أهدافكم وأيديولوجياتكم، انظروا إليها من خلال وطنكم، فالتقوا بمن مختلف معكم بعد أن كانت انحيازاتكم تجعل منه عدواً لكم”، مردفاً “لن تقهروا الاستبداد منفردين، إذا لم تتحدوا في إطار وطني وعلى كلمة سواء ونهائية، فإنه سيذلكم إلى زمن طويل جداً”.
وتابع كيلو “في وحدتكم خلاصكم، فتدبروا أمرها بأي ثمن وأية تضحيات، لن تصبحوا شعباً واحداً ما دمتم تعتمدون معايير غير وطنية وثأرية في النظر إلى بعضكم وأنفسكم، وهذا يعني أنكم ستبقون ألعوبة بيد الأسد، الذي يغذي هذه المعايير وعلاقاتهم، وأنتم تعتقدون بأنكم تقاومونه”.
وشدد على أنه “ستدفعون ثمناً إقليمياً ودولياً كبيراً لحريتكم، فلا تترددوا في إقامة بيئة داخلية تحد من سلبياته أو تعزلها تماماً”، مضيفاً “لا تتخلوا عن أهل المعرفة والفكر والموقف، ولديكم منهم كنز.. استمعوا إليهم، وخذوا بما يقترحونه، ولا تستخفوا بفكر مجرب، هم أهل الحل والعقد بينكم، فأطيعوهم واحترموا مقامهم الرفيع”.
وقال “سامحوني على أخطائي فالبشر خطاؤون”، مؤكداً على أنه “لن يحرركم أي هدف آخر غير الحرية، فتمسكوا به في كل كبيرة وصغيرة، ولا تتخلوا عنه أبداً، لأنه قاتل الاستبداد، أنتم الشعب وحده من صنع الثورة، فلا تدعوا أحد يسرقها منكم”.
وختم ميشيل كيلو وصيته بالقول “اعتمدوا أسساً للدولة، تسيرون عليها ولا تكن محل خلاف بينكم، وإن تباينت قراءاتها بالنسبة لكم، لأن استقرارها يضمن استقرار الدولة، الذي سيتوقف عليه نجاح الثورة”.
مقاله الأخير: إلى السوريين
وبعد يومين من تداول الوصية المذكورة، أعاد ميشيل كيلو صياغة وصيته في مقال انتشر بعنوان “إلى السوريين”.
وافتتح كيلو مقاله بالقول “إلى الشعب السوري الذي أعتز به، وأنتمي إليه. إلى شابات سورية وشبابها، أمل المستقبل: هذه نصائح صادرة من قلبي، وعن تجربتي، وعن أملي بمستقبل أفضل لكل السوريين”.
وأكد في المقال مخاطباً السوريين “لن يحرّركم أي هدف غير الحرية فتمسّكوا بها، في كل كبيرة وصغيرة، ولا تتخلّوا عنها أبداً، لأن فيها وحدها مصرع الاستبداد، فالحياة هي معنى للحرية، ولا معنى لحياةٍ بدون حرية. هذا أكثر شيء كان شعبنا وما زال يحتاج إليه، لاستعادة ذاته، وتأكيد هويته، وتحقيق معنى لكلمة المواطنة في وطننا”.
وشدد على أنه “لن تصبحوا شعباً واحداً ما دام نظام الأسد باقياً، وما دام يستطيع التلاعب بكم، بل إنكم ستبقون تدفعون أثماناً إقليمية ودولية كبيرة في سبيل حريتكم، فلا تتردّدوا في حثّ الخطى من أجل الخلاص منه نهائيا، ويأتي في مقدمة ذلك الوحدة، لعزل هذا النظام والتخلص منه نهائياً”، حسب تعبيره.