السبت 24 نيسان/أبريل 2021
سوريا اليوم – دمشق
تشهد سوريا حالة انتخابية غريبة على الحياة السياسية، تتكرر للمرة الثانية خلال 7 أعوام، ولكن بصورة شكلية معروفة النتائج مسبقاً.
وكانت سوريا تشهد منذ تولي الرئيس السوري السابق حافظ الأسد السلطة عام 1970 استفتاء على منصب رئيس الجمهورية كل 7 سنوات، يعطى فيه المواطنون خيار التصويت بنعم أو لا للرئيس، وكانت النتيجة “نعم” للرئيس بنسبة 99.9% من أصوات الناخبين في كل مرة.
أما بعد الانتفاضة التي حصلت في عام 2011 (الثورة السورية)، فقد أقر في عام 2014 قانون جديد للانتخابات العامة، الذي جاء انسجاماً مع دستور جديد أُقر في عام 2012 وأنهى احتكار حزب البعث للحياة السياسية (بموجب المادة الثامنة من دستور 1973)، الأمر الذي فتح الباب أمام السوريين للتصويت مجدداً لاختيار رئيس للجمهورية من بين 3 مرشحين.
وكانت المحكمة الدستورية العليا تلقت طلبات من 24 راغباً في الترشح للرئاسة في عام 2014. وبناء على أحكام الدستور وقانون الانتخابات العامة، انطبقت شروط الترشح على 3 مرشحين فقط، وهم بالترتيب الهجائي: بشار حافظ الأسد، حسان عبد الله النوري، ماهر عبد الحفيظ حجار.
وفاز الرئيس بشار الأسد في حينها بأغلبية ساحقة بلغت 88.7% من أصوات الناخبين (الذين بلغت نسبتهم 73.42% ممن يحق لهم التصويت). واعتبر فوز الأسد بولاية ثالثة حتمياً، بل إن المرشحين الآخرين ساهما في الدعاية الانتخابية غير المباشرة له بدلاً من القيام بحملات انتخابية حقيقية.
وحتى اليوم الجمعة، فقد بلغ عدد الذين تلقت المحكمة الدستورية العليا طلباتهم للترشح للرئاسة 14 مرشحاً، بحسب ما أعلن رئيس مجلس الشعب حمودة صباغ.
وبعد إغلاق باب الترشح الأربعاء القادم (28 نيسان/أبريل)، ستقرر المحكمة من يحق له خوض الانتخابات المقررة في 26 أيار/مايو المقبل، ممن حققوا شرطي الإقامة في البلد طوال السنوات العشرة الماضية، والحصول على تأييد 35 عضواً من أعضاء مجلس الشعب.
وفي انتخابات مجلس الشعب العام الماضي، حصلت “الجبهة الوطنية التقدمية” التي تضم تحالف أحزاب مرخصة بقيادة “البعث” على 183 مقعداً (بينهم 166 بعثياً)، ما يعني أن قرار الترشح الرئاسي بأيدي الحزب الحاكم وائتلاف الأحزاب المرخصة.
ومن المرتقب أن تكرس الانتخابات رئاسة الرئيس بشار الأسد الذي سيفوز بولاية رابعة تستمر حتى عام 2028.
مصير رؤساء سوريا السابقين
ونشرت صحيفة الشرق الأوسط اليوم السبت تقريراً أعده محررها إبراهيم حميدي، قال فيه إن أحد ممثلي “معارضة الداخل” محمود مرعي تقدم إلى جانب 12 شخصاً آخرين والرئيس بشار الأسد، بطلب الترشح إلى انتخابات الرئاسة السورية.
وأعلنت دول غربية بينها أميركا أن الانتخابات “لن تكون حرة ونزيهة وذات مصداقية”.
وحسب قرار مجلس الأمن 2254، تتطلب الانتخابات ذات المصداقية في سوريا إشراف الأمم المتحدة وبيئة آمنة تضمن حماية جميع السوريين، بمن في ذلك اللاجئون والنازحون داخلياً، لممارسة حقهم في التصويت. ولن يكون معظم اللاجئين في الخارج (عدا في لبنان)، قادرين على المشاركة بسبب وجود شرط “الخروج الشرعي” من البلاد لتملك الحق بالتصويت، كما أن معظم الدول الغربية أغلقت البعثات الدبلوماسية السورية. في المقابل، اعتبرت روسيا وإيران هذه الانتخابات “استحقاقا دستورياً”.
لكن كيف وصل رؤساء سوريا للحكم؟
تحمل الانتخابات المقبلة الرقم 18 منذ عام 1932 التي جرت تحت الانتداب الفرنسي الذي تسلم البلاد في 1920. تنافس ستة مرشحين، ما كان يمثل أكبر عدد من المتنافسين في انتخابات رئاسية في تاريخ البلاد قبل عهد حزب البعث.
قبل تسعة عقود، كان اثنان من المتنافسين حاكمين سابقين للبلاد، هما حقي العظم رئيس “دولة دمشق” ورئيس الدولة السابق صبحي بركات، واثنان أحدهما رئيس الوزراء الحالي والسابق وقتذاك، تاج الدين الحسني ورضا الركابي. أما المرشحان المتبقيان فأصبحا في وقت لاحق أول وثاني رئيس لسوريا: محمد علي العابد وهاشم الأتاسي. الأول، كان سفير السلطنة العثمانية في واشنطن ووزير المال في “الاتحاد السوري الفيدرالي” والثاني، ممثل “الكتلة الوطنية”.
في 1936، ترشح الأتاسي وفاز بالتزكية لغياب المنافسين، فيما عين قائد “قوات فرنسا الحرة” شارل ديغول “تاج الدين الحسني” في 1941. وأصبح أحد أركان “الكتلة الوطنية” شكري القوتلي رئيساً بعد فوزه دون منافس في 1943 و1947. وفي 1949، قام حسني الزعيم بأول انقلاب في تاريخ سوريا وأجرى استفتاء ليكون الأول في عهد البلاد. هنا اللافت، أن ممثل ما سُمي حينها “حزب الله” السوري بشير كمال، الذي نشط في حلب بشكل سلمي تحت تأثير أفكار غاندي، رشح نفسه، لكنه “نصح بالانسحاب من السباق” وسرت إشاعة منظمة بأنه “مجنون”.
بعد فترة وجيزة، قام سامي الحناوي بانقلاب ضد حسني الزعيم وأصبح رئيسا لأركان الجيش، وطلب من “القائد التاريخي” هاشم الأتاسي “الإشراف على انتخابات مؤتمر تأسيسي”. أصبح رئيسا للحكومة وبعد المؤتمر التأسيسي، انتخب الأتاسي رئيساً. وعندما نفذ أديب الشيشكلي انقلابه عين فورا، وزير الدفاع فوزي السلو في الرئاسة. وفي 1953، جرت في”برلمان مصغر” انتخابات الشيشكلي.
بعد خروج الشيشكلي «كي لا تراق دماء» في 1954، عاد هاشم الأتاسي لإكمال ولايته. بعد سنة، جرت أشهر انتخابات في التاريخ المعاصر لسوريا، إذ ترشح خالد العظم، وهو «رئيس دولة» سابق في 1941 خلال الحرب العالمية الثانية ورئيس حكومة في 1948، ضد شكري القوتلي الذي فاز بالقصر.
تخلى القوتلي عن الرئاسة للرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي فاز باستفتاء بعد الوحدة السورية – المصرية في 1958. وفي «عهد الانفصال»، فاز ناظم القدسي ضد سعيد الغزي في تصويت تحت قبة البرلمان في 1961 خلفاً لعبد الناصر.
وبعد تسلم حزب «البعث» الحكم في 1963، عين مجلس قيادة الثورة الضابط لؤي الأتاسي رئيس «مجلس قيادة الثورة». وبعد «حركة» يوليو (تموز) أصبح أمين الحافظ «رئيس مجلس الرئاسة» إلى حين قيام صلاح جديد بـ«حركة» فبراير (شباط) في 1966، وتسلم نور الدين الأتاسي منصب «رئيس الدولة». بعد قيام وزير الدفاع حافظ الأسد بـ«الحركة التصحيحية» في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 1970، عين أحمد الخطيب «رئيس دولة» إلى مارس (آذار) 1971، حيث أصبح رئيسا للبرلمان، وفاز الأسد بالرئاسة عبر استفتاء، الأمر الذي تكرر إلى حين رحيله في 2000. وإثر تعديل الدستور، فاز بشار الأسد بالرئاسة في استفتاء. وفي 2012، تمت صياغة دستور جديد بالتحول من «الاستفتاء» إلى «الانتخابات».
وفي 2014، ترشح الأسد واثنان آخران، هما وزير التنمية الإدارية في حسان النوري والنائب ماهر حجار.
وما هو مصير الرؤساء السابقين ومرشحي الرئاسة؟
في 1936 أجبر محمد علي العابد على الاستقالة كما هو الحال مع هاشم الأتاسي في 1939. الأول توفي في منفاه في مدينة نيس الفرنسية في 1939، وتوفي الثاني لكبر سنه في حمص في 1960.
وكان تاج الدين الحسني الذي عينه الفرنسيون في 1941، الرئيس الوحيد الذي يموت في «فراش القصر» في 17 يناير (كانون الثاني) 1943. وأخرج شكري القوتلي من القصر بانقلاب عسكري في مارس (آذار) 1949 قاده حسني الزعيم الذي خرج أيضاً بانقلاب آخر في أغسطس (آب) قاده سامي الحناوي.
الزعيم قتل بـ176 رصاصة في جسده في انقلاب الحناوي الذي سجن ثم قتله حرشو البرازي في بيروت في 1950. كان أديب الشيشكلي نفذ في ديسمبر (كانون الأول) 1949، انقلابه ووضع الحناوي بالسجن لمدة قبل أن يطلقه تلبية لضغوطات وطلبات. أما الشيشكلي الذي ترك البلاد بعد الحكم، فاغتيل في البرازيل في 1964 بسبب «ممارساته ضد الدروز» جنوب سوريا.
غادر هاشم الأتاسي مقعد الرئاسة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1951، بعدما تسلمه مؤقتا في ديسمبر (كانون الأول) 1949. أمام فوزي السلو، فإنه غادر «طوعا» لصالح أديب الشيشكلي في 1953.
في فبراير (شباط) 1955، جرت مراسم التسليم والتسلم الشهيرة بين هاشم الأتاسي وشكري القوتلي، ليكون «الانتقال السلس» الوحيد في تاريخ البلاد، حيث عاد القوتلي واستقال لصالح جمال عبد الناصر في 1958، على عكس لؤي الأتاسي «الذي نصحه العسكر بالاستقالة» بعد أحداث يوليو (تموز) 1963، ثم توفي في حمص في 2003.
أما القوتلي، فإنه توفي في منفاه في بيروت بجلطة في «نكسة» يونيو (حزيران) 1967. أمين الحافظ، الذي «خلعه» صلاح جديد في 1966، سجن. غادر إلى المنفى ثم عاد وتوفي في حلب في 2009.
نور الدين الأتاسي وضع مع صلاح جديد في السجن من الأسد لدى تسلمه الحكم في 1970. توفي الثاني في المعتقل، فيما توفي الأول بمجرد خروجه منه. أما الخطيب «رئيس الدولة» في أول سنة من حكم الأسد، فأصبح رئيسا للبرلمان لسنة ثم تنحى من العمل السياسي، كما هو الحال مع مرشحي العام 2014، الذي صار أحدهما وزير تنمية، ثم «اعتزل السياسة».