السبت 15 أيار/مايو 2021
سوريا اليوم – متابعات
من الواضح أن سوريا ليست ضمن قائمة أولويات الرئيس جو بايدن، الخاصة بالسياسة الخارجية، فلم يذكر بايدن سوريا في أي خطاب رسمي له خلال 100 يوم في منصبه، بحسب تقرير وكالة غربية.
كما أن البيان الرسمي الأول بعد الاجتماع الوزاري لمجموعة السبع في لندن قبل أسبوع، لم يرد فيه ذكر الانتقاد الذي اعتاد مسؤولو إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب إصداره بصورة روتينية فيما يتعلق بتطبيع الدول العربية مع نظام الرئيس بشار الأسد، بحسب ما جاء في تقرير وزعته وكالة الأنباء الألمانية (د ب ا) اليوم السبت ونشرته صحيفة “الشروق” المصرية.
وكتب الدكتور كمال علام، المحلل العسكري السوري وزميل الشؤون السورية بمعهد “ستيت كرافت” بمنطقة فايف في اسكتلندا، تقريراً نشرته مجلة “ناشونال انتريست” الأمريكية، قال فيه إنه رغم النداءات المعتادة من جانب المعارضة السورية للدول العربية بعدم التواصل مع الرئيس السوري بشار الأسد، حدث العكس؛ فهناك زيادة بطيئة، ولكن منتظمة، في تواصل الدول العربية مع دمشق وحتى مساعدتها بشكل نشط.
وانتفدت دولة الإمارات العربية المتحدة، علانية وبقوة، قانون قيصر الأمريكى المعني بحماية المدنيين في سوريا، وأصدرت بياناً ذكرت فيه أن القانون لا يساعد الجهد الإقليمي لدعم سوريا. كما أن الزيارة الأخيرة للوفد الأمني السعودي إلى دمشق عززت التكهنات بزيادة الدعم العربي الذي يؤيده الروس، وحتى بعض الدول الأوروبية.
وأضاف علام إنه حتى الصحفي السوري إبراهيم حميدي، المقيم في لندن، والذي يتمتع بمسار داخلي مع معظم المسؤولين الغربيين الذين يتعاملون مع سوريا، كتب (في صحيفة الشرق الأوسط) يقول إن الفرنسيين ذهبوا إلى حد ممارسة الضغط على الولايات المتحدة لاستبعاد أي إدانة علنية للتقارب العربي مع الأسد. إذن: ما هي الأسباب وراء عدم قدرة الولايات المتحدة على ممارسة مزيد من الضغط بخلاف عدم اهتمام بايدن؟ إن الإجابة على هذا التساؤل تكمن في لبنان، والعراق، وحتى الصراع الأخير في القوقاز، بحسب رأي علام.
ويقول المحلل العسكري إن السعودية تدرك تماماً أهمية الاستقرار في لبنان وسوريا. ومن المعروف تاريخياً أن للسعودية دوراً في الحفاظ على استقلالية الدولتين، وعندما تولى الرئيس حافظ الأسد الرئاسة في سوريا، حبذت المملكة سياسات سوريا في لبنان. وبعد خروج إسرائيل من لبنان في عام 2000 طرحت السعودية خلافاتها مع دمشق جانباً وتعاونت مع بشار الأسد، كما كانت فعلت مع والده.
وأكد رجل الاقتصاد السوري عامر الحسين الدعم الرئيسي الذي قدمته السعودية للنظام المصرفي والاقتصاد السوري رغم الخلافات السياسية بعد عام 2005. ولا يزال هناك الكثير من البنوك السعودية التي تعمل في سوريا، كما أن هناك كثير من السوريين الذين يعيشون في السعودية ويساهمون بصورة غير مباشرة في اقتصاد بلادهم.
وكتب باسم الشاب، وهو وزير لبناني سابق ومستشار مقرب من رئيس الوزراء السابق سعد الحريري عن قيام سوريا بتعزيز دورها في السياسة اللبنانية، والذي شمل أيضاً دعم الجماعات التي تساند سوريا وليس أجندة إيران في لبنان. وأشار تقييم لوزارة الخارجية الأمريكية العام الماضي إلى أن هناك دلائل على أن دمشق تستعيد مكانتها البارزة في السياسة اللبنانية.
وتدرك السعودية أنها لكي تتوازن مع إيران في لبنان والعراق، فهي تحتاج إلى الدعم السوري.
وكان الباحث الأمريكي باراك بارفي، كتب في تقرير نشرته “ناشونال انتريست” في وقت سابق عن الخلافات الواضحة بين سوريا وإيران عندما يتعلق الأمر بالأمور الإقليمية، رغم الشراكة الأمنية القوية تماماً بين الدولتين.
وذكر علام أنه كتب في وقت سابق (في موقع War on the Rocks الأمريكي)، أن سوريا لا تتبع إيران بصورة عمياء؛ وفي حقيقة الأمر، تدعم سوريا دائما في العراق ولبنان الجماعات المعارضة لطموحات طهران.
وجاء في مذكرات الراحل عبد الحليم خدام، وزير الخارجية والنائب السابق للرئيس في سوريا، التي نُشرت مؤخراً في صحيفة الشرق الأوسط إن السوريين كانوا يهاجمون حلفاء إيران عندما يرون ذلك ضرورياً. ويمكن القول إن دمشق كانت تسعى دائماً للتأكد من عدم خضوع لبنان تماماً للسيطرة الإيرانية. وربما هناك رغبة في أن يكون هذا هو الحال أيضاً الآن حيث يرى الكثيرون في لبنان وأمريكا أن هناك عودة للنفوذ السوري في لبنان.
ويرى علام أنه لم يكن لدى إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الكثير من الوسائل للتأثير على السياسة في سوريا أكثر من فرض العقوبات. وحتى الآن لم يعين بايدن مبعوثاً لسوريا، ولا يزال يعيد النظر في خياراته. وقد شهد لبنان على الدوام تغيرات مختلفة في ميزان القوة، لكن سوريا، سواء كانت قوية أو ضعيفة، تعتبر دائماً عنصراً طبيعياً في هذا التوازن، وهو ما يحدث الآن حيث يتحدث كثير من السياسيين اللبنانيين عن عودة النفوذ السوري في لبنان. وكثير من الدول العربية تفضل سوريا على إيران.
وقد انتقدت الإمارات العربية المتحدة بالفعل قانون قيصر الأمريكي. وفي وقت سابق، أوقفت السعودية والإمارات تهديداً أمريكياً للأسد بعد سقوط صدام. ومرة أخرى تدعم الدولتان سوريا بقوة. كما أن بوسع سوريا أن تتطلع إلى اليونان وأرمينيا؛ حيث لا تزال الصلة التاريخية معهما قوية، فقد وفرت سوريا المأوى لليونانيين والأرمن الذين تم طردهم من الأراضي العثمانية. وحقيقة أن دمشق تتصدى للطموحات التركية في المنطقة تعزز هذه العلاقات، التي سوف تكمل التحالف الأمني الأخير بين الدول العربية واليونان، بحسب تعبير علام.
وتحظى خطة سوريا للوقوف في وجه تركيا وإيران في المشرق العربي بالقبول في معظم العواصم العربية، برأي المحلل العسكري، الذي يقول إن التاريخ أظهر دائماً كيف تتغلب دمشق على فترات عزلتها التي تمر بها من حين لآخر، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ستواجه صعوبة في منع الدول العربية من العمل على أن يكون الأسد مجدداً جزءاً من منظومة الأمن الإقليمية.