الاثنين 17 أيار/مايو 2021
سوريا اليوم – متابعات
يخبئ صالح الدوري (38 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد تجار الألبسة في حماة، بضاعته خوفاً من دوريات التموين التي تجوب الأسوق بشكل مكثف. ويملك ”الدوري” مستودع ألبسة ومحلاً تجارياً لتوزيعها على تجار المفرق في سوق الطويل وابن رشد في حماة، لكنه لا يستطيع التردد عليها وفتحها إلا خفية في المساء.
“فالتموين هذه الأيام ليس لديه عمل غير التجول في الأسواق وتلقي الرشاوى”، يقول التاجر، بحسب ما نقلت عنه وكالة “نورث برس” في تقرير نشرته اليوم الاثنين.
وتعاني الأسواق في حماة من حالة ركود شأنها شأن كافة المدن الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد.
ويشتكي تجار وعاملون في أسواق حماة من مضايقات تمارسها الدوريات التموينية تهدف من خلالها لجمع الرشاوى، بحسب هؤلاء.
والشهر الماضي، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، المرسوم رقم 8 لعام 2021، الذي تضمّن ضوابط وتشديداً على التجار، بهدف تنظيم حركة الأسواق التجارية واعتبار التلاعب بالأسعار أو الغش بالمواد جريمة تستلزم الحبس والغرامة المرتفعة.
ويلزم المرسوم المستوردين الاحتفاظ ببيانات الاستيراد للمواد، كما أنه يلزم البائع بالاحتفاظ بفواتير الشراء، بهدف “تنظيم أحكام البيع والتخزين والجودة.”
ويتم تطبيق ذلك من خلال إلزام التجار بتنظيم فواتير لمبيعاتهم سواء كانت تقسيطاً أو آجلةً، بينما أَعفى المزارع من إعطاء الفاتورة.
وشدد المرسوم العقوبات بحق المخالفين لتجمع بين الحبس الذي يصل إلى سبع سنوات وغرامة بثلاثة أضعاف سعر السلعة.
ومنح الضابطة التموينية، التابعة لوزارة حماية المستهلك، صلاحية القبض على المخالف وإحالته إلى القضاء بعد تنظيم الضبط مباشرةً.
تقاضي رشاوى
وبلهجة يشوبها استياءٌ شديد، يستهل مراد الفاعور (53عاماً) وهو اسم مستعار لأحد التجار في مدينة حماة، حديثه عن حملات مشددة تشنها لجان تابعة لمديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في الحكومة السورية، في الأسواق.
وقال “الفاعور” لنورث برس: “طلبت اللجنة التموينية مني كشفاً كاملاً للبضائع ومصدرها، ثم طلبت نسبة الأرباح لكل قطعة وطلبت بياناً تفصيلياً للمبيعات خلال الشهر.”
وتهدف اللجنة عبر تلك الطلبات، “معرفة نسبة الربح التي أحققها على مدار الشهر لتقوم على أساسها بفرض الضرائب.”
ولم تكتفِ الحكومة بتحديد الأسعار التي لا تتناسب وحالة الأسواق، “بل أصبحت تريد أن تقاسمنا أرباحنا من البيع دون مراعاة سعر إجار المحال، العمال، فواتير الكهرباء والمياه التي ندفعها شهرياً”، بحسب “الفاعور”.
ونعت “الفاعور” العمل في البلد بـ”السيء جداً”، خاصة “مع ملاحقات عديد من الجهات الحكومية للتجار من جمارك وتموين وأجهزة أمنية، تهدف إلى جمع الرشاوى من التجار والعاملين في قطاع الأسواق.”
مضايقات وكساد
ولم يسلم أصحاب المعامل من مضايقات اللجان التموينية للحكومة في حماة، الأمر الذي دفع البعض منهم إلى التفكير في إغلاق معاملهم بشكل كامل.
ولا تكاد اللجان التموينية تفارق معمل جهاد النيربية (52عاماً) وهو اسم مستعار لصاحب معمل للصابون في مدينة حماة.
ويقول: “تتفقد هذه اللجان المعمل بشكل أسبوعي لتقبض رشاوى وتذهب.”
ويتذمر “النيريبة”، من مطالبة التموين له بتقديم كشف بأسماء التجار الذين يتعامل معهم إضافة إلى الكميات التي يقوم بتوزيعها من إنتاج المعمل إلى السوق وباقي المناطق.
ويشير إلى أن الحكومة تتبع أسلوباً جديداً لفرض ضرائب على المعامل بحسب الأرباح والكميات التي تنتجها وأيضاً التي توزعها على التجار.
“الأمر لم يعد مجرد جمع رشاوى بل أصبحت الحكومة تريد مشاركتنا في الأرباح.”
وتشارك الجمارك والحواجز الحكومية المنتشرة داخل المدينة وخارجها، اللجان التموينية مهمتها، بحسب تجار.
وقال مرهف السالم (55عاماً) وهو اسم مستعار لصاحب معمل غذائيات، “وهؤلاء جميعاً على الرغم من أنهم يستلمون الضرائب والفواتير بشكل نظامي، إلا أن الحكومة تخرج بقرارات جديدة وتدفعنا للتفكير بإغلاق المعمل.”
وأضاف: “تارة تأتي الجمارك وتقوم بتفتيش المعمل بحجة أن هنالك مواد مهربة، وتارة يأتي التموين ويطلب كشفاً كاملاً للمعمل.”
وكل هذا بهدف تقاضي المزيد من الأموال تحت بند الضرائب، “وكأن الحكومة لم تعد تكفيها تلك التي تفرضها لقاء النظافة والآلات وفواتير الكهرباء والمياه ناهيك عن الإتاوات التي تدفع شهرياً”، بحسب “السالم”.
وإلى جانب المضايقات الحكومية، يعاني محمد الملقي (39عاماً) وهو اسم مستعار لصاحب محل بيع ألبسة أطفال، من كساد بضاعته بسبب ضعف الحركة الشرائية للسكان.
ويعيش السكان في مناطق الحكومة السورية أوضاعاً معيشية صعبة في ظل الظروف الاقتصادية المتردية لأغلبهم، نتيجة انهيار الليرة السورية أمام سعر صرف الدولار.
ولا تتجاوز مبيعات “الملقي” في اليوم الواحد، القطعة أو القطعتين من ألبسة الأطفال، “وأحياناً لا أبيع شيئاً”، في ظل ارتفاع الأسعار.
ويبلغ اليوم سعر طقم الواحد للأطفال ما بين 50 – 75 ألف ليرة سورية، الأمر الذي دفع سكانا للعزوف عن الشراء، بحسب “الملقي”.
وقال: “وفوق ما نتعرض له من خسائر، يأتي التموين ليزيد الطين بله ويضع العصى في العجلات، ويطالبنا بدفع رشاوى بحجة ضرائب”.