الثلاثاء 18 أيار/مايو 2021
بتاريخ الخامس من شهر أيار لهذا العام حضر الكاتب والصحفي والسياسي السيد فايز سارة إلى محكمة كوبلنز كأحد الشهود الذين طلبهم المتهم أنور رسلان. وكان المتهم قد طلب في بيان دفاعه خمسة وعشرين شخصاً، منهم من ساعده بانشقاقه ومنهم من قام المتهم بمساعدتهم أثناء اعتقالهم كما ادعى، استُدعي منهم حتى الآن الشاهد رياض سيف ولم يشهد لصالح المتهم، والشاهدة والدة نوران الغميان وكانت شهادتها بتاريخ 21/04/2021 أي بعد شهادة ابنتها نوران والتي توافقت بالكثير من التفاصيل مع ما روته الأخيرة، وأيضاً لم تكن في صالح المتهم، والآن تم استدعاء السيد فايز سارة.
بدأ السيد سارة بقوله لهيئة القضاة أنه يتشرف بحضوره أمامهم لأن من واجبهم إحقاق العدل لكل السوريين طالما أنهم ظلموا. ثم بدأ بالحديث عن اعتقاله في فرع الخطيب ثلاثة مرات متباعدة ، أولها عام 1978 بسبب نشاطٍ معارض وأطلق سراحه عام 1980، والثانية عام 2008 بتهمة عضوية إعلان دمشق وبقي معتقلاً 30 شهراً بعد تخفيف الحكم، والثالثة في العاشر من نيسان لعام 2011 بعد بداية الثورة وإعلانه موقفه الصريح بالوقوف معها. وصف السيد سارة الاعتقال الأخير بالأسوأ على الإطلاق بتاريخ علاقته مع المخابرات السورية، حيث اقتحمت دورية من الأمن الداخلي مكتبه بحضور زوجته وتم اقتياده إلى فرع الخطيب. أُدخِل هناك إلى غرفة كان فيها عناصر مخابرات شتموه ووصفوه بأسوأ الصفات وعاملوه بطريقة مسيئة جداً. ثم اقتيد بعدها إلى غرفةٍ مجاورة معصوب العينين وسمع صوتاً يقول للعناصر: ”جيبوا كرسي للأستاذ فايز” وصف السيد سارة هذه اللحظة بأنها اللحظة الأولى التي يشعر بها بقليل من الأمان لأن أحداً ما عرفه، لكنه ردّ على ذلك الصوت: “ما في حاجة للكرسي، سمعت الي بيكفي بالغرفة المجاورة، ممكن تقلي شو بدك مني؟” أجابه الصوت بأنه متهم بتنظيم مظاهرات في جامع المحمد بمنطقة مساكن برزة، رد السيد سارة بأنه لم ينظم أي مظاهرات وبأنه لا يعرف أصلاً هذه المنطقة التي لربما مرَّ بها آلاف المرات لكنه لا يعرفها بالتحديد. سأله عن ظهوره في الفضائيات العربية كالجزيرة ومهاجمته للإعلام السوري، فأجابه السيد سارة بأنه بالفعل ظهر على الجزيرة ولكن ذلك لا يعني أنه هاجم الإعلام السوري، بل تحدث عن الإعلام الذي يدفع السوريين تكاليفه ومن المفترض به تمثيل مصالحهم وليس مهاجمتهم، وأشار إلى أن ذلك كان بلقاء خاص على الجزيرة جمع بينه وبين مساعد وزير الإعلام السوري آنذاك، وكان قبل اعتقاله بعدة أيام.
بعد هذا الاستجواب، نُقل السيد سارة إلى فرع إدارة المخابرات العامة الفرع 285 ومن ثم تم تحويله لسجن عدرا وبقي هناك شهراً وأطلق سراحه بتاريخ 11/05/2011 بعد أن صدر خلال تلك الفترة خمس مراسيم عفو لم يشمله أيَّاً منهم فقام أحد أصدقائه بدفع كفالة بما يعادل 1000 دولار حينها وخرج بإطلاق سراح مشروط، لكنه لم يُستدعَ مرة أخرى.
تحدث السيد سارة عن تجربته الطويلة مع نظام الأسد منذ أيام الأسد الأب الذي اعتقله عام 1978 لأنه كان يسارياً معارضاً بتهمة إنشاء تنظيم معارض يهدد أمن الدولة، ومن ثم عام 2008 بتهمة إضعاف الشعور القومي ووهن عزيمة الدولة وتأسيس تنظيم معادي للنظام السوري، وتُهمٌ أخرى كما وصفها الشاهد تصلح لتكون تهماً جاهزة لأي شخص.
سُئل الشاهد عن اعتقاله الأخير ووجود عنفٍ من النظام حينها ضد المظاهرات، فأجاب بأن النظام مارس العنف ضد المظاهرات منذ بداية الثورة، ليس فقط بحكم العادة، وإنما لأنه لا يملك طريقة أخرى للتعامل مع الشعب السوري، وأشار إلى جهودهم التي بذلوها في فترة ربيع دمشق ورغبتهم بالعمل بشكل علني وطرح حلول وطرق مختلفة على النظام السوري للتعامل معهم، إلا أن النظام اعتقل أصحاب هذا الرأي، وأكد أن شخصين قُتلوا في درعا برصاص النظام بتاريخ 18/03/2011، أي منذ بداية الثورة.
رجح الشاهد أن اعتقاله الأخير كان بناءً على تقريرٍ كيدي، لأنهم يعلمون أنه معارض قديم لكن لم يكن لديهم سببٌ حقيقي لاعتقاله وإنما تم تلفيق تهمة تنظيم المظاهرات له.
وعن معرفته بالمتهم، قال الشاهد أنه يراه للمرة الأولى في قاعة المحكمة، فسألته هيئة القضاة عن معرفته بأنه هو من استجوبه في اعتقاله الأخير حين طلب له كرسياً للجلوس، فقال أنه عرف ذلك لأول مرة بعد ثلاث سنوات من تلك الحادثة، حيث التقى في اسطنبول بمندوب الائتلاف في الأردن وقال له أن المتهم يرسل له سلاماً وبأنه هو من حقق معه عام 2011 وبأنه يود التواصل معه، فأعطى الشاهد رقم هاتفه للمندوب وأخبره ألا مشكلة لديه بأن يتواصل المتهم رسلان معه، لكن ذلك لم يحدث ولم يقم الأخير بالاتصال به. وعند سؤال هيئة القضاة الشاهد عن رأيه بالمتهم وما سمعه عنه قال أن الناس تداولت الكثير عنه وبأنه لا يستطيع تبني رواية الآخرين ولكن لا يستطيع أن يعزل المتهم عما حدث معه في الغرفة المجاورة لمكتبه من قبل عناصره وأقصى درجات التهديد التي شعر بها حينها، وشدد أنه وفي حال كان هؤلاء العناصر تحت إمرة رسلان بصفته رئيساً لقسم التحقيق حينها فهم لا يستطيعون أن يفعلوا ما فعلوه دون معرفته وموافقته. تلت بعد ذلك هيئة القضاة ما ورد في بيان المتهم أنور رسلان بما يخص الشاهد، حيث قال المتهم حينها: “ لقد كان المعارض فايز سارة معتقلاً لدينا في الفرع بداية الأحداث في سورية وقد عاملته بشكل جيد وقدمت له الضيافة واستجوبته لفترة قصيرة وأصدرت له ورقة إخلاء سبيل. لم تستمر فترة اعتقاله أكثر من ساعة. هو يَعرف موقفي من الثورة بشكل كامل”. رد السيد سارة على هذا الكلام بأن المتهم طلب كرسي له وهو رفض الجلوس ولم يقم بتقديم أي شراب له، وبالتالي ما ورد بدفاع المتهم غير صحيح.
تحدث بعدها الشاهد عن تاريخ فرع الخطيب ومدى خطورته، فقال أنه أُسس بداية السبعينيات ليكون فرع محلي خاص بدمشق على يد النقيب ف.ن، الذي ما لبث أن اعتقل وعُذِّب فيه بشدة بتهمة العمل لصالح نظام البعث العراقي، بعدها تولى الفرع أبو وائل/ محمد ناصيف خير بيك، واستمر لعشرين سنة وشملت مهمات الفرع في عهده كل ما يتعلق بالسياسة داخل سوريا وأحياناً خارجها كالعلاقة مع الشيعة العراقية والعلاقة مع القوى السياسية اللبنانية، ملف الوزارات والاقتصاد وتعيين المحافظين والتي كانت كلها بيد محمد ناصيف. “لقد كان غولاً كبيراً، لم يكن متزوجاً، إلا أنه تزوج المخابرات وهم من القلائل الذين يقال أنه كان لديهم خط مباشر مع حافظ الأسد” أضاف الشاهد.
وعن سوء هذا الفرع قال الشاهد أنه في اعتقاليه الأخيرين لم يلبث كثيراً، غير أنه في اعتقال عام 2011 وضع في منفردة لعدة ساعات مع شخصين آخرين تكاد لا تتسع لشخص واحد واصفاً ذلك باحتقار البشر كنوع من أنواع التعذيب، وفي اعتقاله عام 78 بقي وقتاً كافياً فيه وعاش تجارب التعذيب والاستجواب ومظاهر إجرامية كثيرة أثناء التحقيق.
في نهاية الجلسة أدلى السيد فايز سارة ببيان ختامي قال فيه: ” القضية بالنسبة لي ليست إدانة رسلان أو فايز سارة أو غيره، الأمر متعلق عندي ليس بإدانة شخص واحد وإنما بإدانة النظام. من ناحية، أرى رسلان ضحية لهذا النظام، مثله مثل باقي السوريين الآخرين سواءً كان دوره جيداً أم سيئاً فقد كان يمارسه تحت تأثير النظام ونتيجة قناعات مزيفة لدى هؤلاء الأشخاص. أنا مثلاً بعد عشر سنوات لا أستطيع فهم عقلية المؤيدين الآن، أبناؤهم يُقتلون وهم يجوعون ويعيشون ظروفاً أسوأ من حياة الحيوانات. هذا بصراحة ما أراه في القصة أكثر من إدانة ذلك الشخص أو ذاك. بالطبع هناك إدانات فردية، وليس بعيداً كما أعتقد عن عيون المحكمة بما فيها من قامات قانونية وأخلاقية أن تفكر بأن المطلوب هو إدانة النظام أكثر من إدانة الأفراد التي وإن حدثت يجب أن تكون ضمن إطار إدانة النظام. أشكركم كثيراً وأتمنى لكم النجاح في تحقيق العدالة، لأنها واحدة لا تتجزأ”.
بعد انتهاء شهادته في المحكمة توجهت للسيد سارة بسؤالٍ عن أسباب عدم إخباره هيئة القضاة عن قضية قتل ابنه تحت التعذيب في سجون الأفرع الأمنية، والتي تصب في صالح ما أخبرهم به عن وحشية هذه الأفرع بتجربة عانى منها هو شخصياً، فأجابني السيد سارة بأنه لا ينظر لمحاكمة كوبلنز كقضية شخصية، هو يتمنى أن يتحقق العدل لكل السوريين وليس له فقط ولهذا لم يكن مهماً أن يذكر قتل ابنه تحت التعذيب، لأن الآلاف قُتلوا بذات الطريقة.
المصدر: Baselluna
- لونا وطفة كاتبة سورية