في هذه اللحظات التي تشهد فيها سوريا تحولات كبرى، تبرز تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين القيادة الجديدة للبلاد والقوى السياسية المختلفة، وفي هذا السياق أكد رئيس حركة التجديد الوطني عبيدة نحاس أن «أزمة الثقة القائمة بين الطرفين ليست مستغربة، بالنظر إلى اختلاف الخلفيات التي انبثقت منها كل جهة، فمن جهة هناك القيادة القادمة ذات البيئة العسكرية والأمنية، ومن جهة أخرى توجد قوى سياسية تشكلت عبر مسارات مختلفة».
وبين نحاس في تصريح خاص لـ«القدس العربي» اللندنية أن اللقاء الذي جمع الرئيس السوري أحمد الشرع بعدد من الشخصيات السياسية مؤخراً، كان فرصة من المفترض أن تساهم في إذابة الجليد بين الأطراف المختلفة، وإضفاء طابع من التفاؤل على المشهد السياسي في البلاد، معتبراً أن «هذه الخطوة كانت ضرورية للاعتراف بنضالات الشعب السوري على مدى أكثر من ستة عقود من القمع والاستبداد».
وأكد نحاس أن تحرير سوريا لم يكن ليتم لولا تضحيات جمّة بذلها الشعب السوري في مختلف المراحل، سواء من خلال تعرضهم للاعتقال والملاحقة والتعذيب والتصفية، مضيفاً أنه كان بين هؤلاء سياسيون ومناضلون اجتماعيون، قضى بعضهم سنوات طويلة خلف القضبان في سبيل حرية الوطن، حيث توجت هذه النضالات أخيراً بدخول الثوار السوريين إلى دمشق في الثامن من ديسمبر، إيذاناً بطيّ صفحة الطاغية الحاكمة التي جثمت على صدور السوريين لعقود.
وفي سياق الحديث عن مستقبل البلاد، شدد نحاس على أن الحوار الوطني لم يعد مجرد خيار، بل ضرورة لا بد منها لتأسيس مرحلة جديدة وصنع المستقبل، داعياً اللجنة التحضيرية للحوار والرئاسة السورية إلى توسيع دائرة النقاش ليشمل كل مكونات المجتمع السوري دون استثناء، من أطياف دينية ومذهبية وإثنية، إلى مختلف التيارات السياسية والمناطق والمحافظات.
اقرأ أيضاً: من هي هند قبوات عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني؟
من جهة أخرى، دعا رئيس حركة التجديد الوطني جميع القوى السياسية والشخصيات الفاعلة لوضع الحسابات الضيقة جانباً، والتركيز على المصلحة الوطنية العليا، مؤكداً أن جوهر الحوار الوطني لا يكمن في طريقة توجيه الدعوات أو شكل المفاوضات، بل في النتائج التي ستنجم عنه.
وأوضح أن المعارضة السورية السابقة – قبل سقوط نظام الأسد – خاضت جولات طويلة من المفاوضات مع النظام السابق بحثاً عن حل سياسي، «فكيف إذا كان الحوار الوطني اليوم بين أبناء البيت الواحد والشعب الواحد، فحري بنا جميعاً أن نغلب المصلحة الوطنية في هذه المرحلة الشائكة والحساسة».
وعن التطلعات من مؤتمر الحوار الوطني، رأى نحاس أنه يجب أن يكون لهذا المؤتمر قرارات، لا أن يقتصر على مجرد إصدار توصيات، مشيراً إلى أن حسن النوايا قد يكون حاضراً، لكن الحكم الفعلي سيكون على الأفعال لا الأقوال، مشيرا إلى أن هناك حاجة ملحة لإصدار “إعلان دستوري” يؤطر المرحلة الانتقالية بعد تعطيل دستور 2012، إلى جانب تشكيل مجلس تشريعي انتقالي تكون مهمته مراجعة القوانين السورية واتخاذ قرارات بشأن تعديلها أو استبدالها أو إلغائها.
كما أكد على ضرورة تشكيل حكومة انتقالية تحظى باعتراف دولي، محذراً من أن أي تأخير في هذه الخطوات قد يعرقل الاعتراف الدولي بالسلطة الجديدة، مما قد يؤثر على رفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق عجلة الاستثمارات الدولية اللازمة لإنعاش البلاد.
اقرأ أيضاً: المتحدث باسم اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني: تأجيل المؤتمر كان لإنجاحه
وعند الحديث عن مشاركة بعض الجهات في العملية السياسية، أبدى نحاس موقفه المتوافق مع الرؤية التي طرحتها اللجنة التحضيرية، مشدداً على أن مشاركة مجلس سوريا الديمقراطية «مسد» وقوات سوريا الديمقراطية «قسد» مشروطة بإعلان واضح عن التخلي عن السلاح، وإنهاء أي ارتباطات خارجية، والاندماج الكامل ضمن الدولة السورية الجديدة، لضمان وحدة البلاد وعدم جرها إلى سيناريوهات التقسيم.
وفي ختام حديثه، أكد نحاس أن مسألة وحدة سوريا غير قابلة للتفاوض بأي شكل من الأشكال، داعياً إلى الاعتراف بالواقع السياسي الجديد، الذي أسفر عن بروز قيادة وطنية جديدة تمثل جميع السوريين، وليس مجرد فئة حاكمة ضيقة كما كان عليه الحال في الماضي، مشدّداً على أن تجاوز المشاريع الانفصالية أو الأجندات الخارجية ضرورة لا بد منها، من أجل المضي قدماً في بناء مستقبل سوريا الواحد، بعيداً عن محاولات التشظي والانقسام.