في مشهد يعكس حراكاً سياسياً غير مسبوق، اجتمع ممثلو وسائل الإعلام في مبنى وزارة الإعلام لمناقشة مستقبل العملية السياسية ومسارات الحوار الوطني في سوريا، وذلك ضمن جلسة حوارية نظمتها اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، وكان هذا اللقاء فرصة لطرح رؤى متعددة حول آليات بناء المستقبل السوري، بعيداً عن المعادلات التقليدية التي حكمت المشهد السياسي لعقود.
وفي بداية حديثه، أشار حسن الدغيم، المتحدث باسم اللجنة التحضيرية، إلى أن الجلسة الأولى، التي أقيمت في حمص، شكلت نموذجاً متميزاً لمشاركة ممثلين عن مختلف الأطياف، بما في ذلك القانونيون والخبراء، بالإضافة إلى مغتربين سوريين قدموا رؤاهم من خارج البلاد، خصوصاً من أبناء حمص.
وأوضح أن اختيار أعضاء اللجنة تم بناءً على الكفاءة والتنوع، مع الابتعاد عن منهجية المحاصصة التي من شأنها أن تعرقل أي جهود إصلاحية جادة، وأضاف أن الرئاسة السورية أرادت إيصال رسالة واضحة، مفادها أن السوريين قادرون على تمثيل أنفسهم من خلال الخبرة والكفاءة، وليس عبر التقسيمات التقليدية.
وأشار الدغيم إلى أن العقوبات المفروضة على سوريا، بالإضافة إلى قضايا أمن البلاد ووحدتها وتأمين المعابر والطرق، تعد من الأولويات التي يجب العمل عليها، وأكد أن المعايير الأساسية لاختيار المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني يجب أن ترتكز على الإنجازات وروح الانسجام، لافتاً إلى أن التنوع السوري سيتمثل في المؤتمر، ليس فقط من حيث العرق أو الدين أو الجغرافيا، بل في عمق المضمون الذي يسعى لتحقيقه.
اقرأ أيضاً عبيدة نحاس: الحوار الوطني ضرورة لصناعة مستقبل سوريا
وفي سياق رفضه لفكرة المحاصصة الطائفية، شدد الدغيم على أن هذه المقاربة قد تؤدي إلى دمار شامل، مشيراً إلى أن الثورة السورية انطلقت على أسس واضحة، تتضمن إسقاط النظام القائم، تفكيك الأجهزة الأمنية، بناء جيش وطني قوي، إخراج الميليشيات الطائفية، والحفاظ على وحدة البلاد أرضاً وشعباً.
وأكد أن أي محاولة لإضفاء طابع محاصصي على الحوار ستقابل برفض قاطع، حيث أن الهدف الأساسي هو تمثيل جميع السوريين بصورة متكافئة، بعيداً عن الحسابات المسبقة أو التقسيمات المفروضة.
وفيما يتعلق بالمسار العام للحوار، أوضح الدغيم أن المؤتمر يسعى لتنفيذ جوهر القرارات الدولية، من خلال قيادة السوريين لحوارهم الوطني بأنفسهم، بحيث يتم طرح القضايا الداخلية بمشاركة الخبراء المتواجدين داخل البلاد وخارجها، كما أبدى تحفظه على استخدام مصطلح “قضية شمال شرق سوريا”، مشيراً إلى أن الرئاسة السورية تواصل المفاوضات السياسية بهدف إدماج الفصائل العسكرية في وزارة الدفاع، مع التأكيد على أن الحوار الوطني يستهدف النخب الاجتماعية وليس التنظيمات المسلحة، حيث يشمل أهالي الرقة ودير الزور والحسكة بجميع مكوناتهم.
أما بشأن الترتيبات الزمنية وعدد المشاركين في المؤتمر، فقد أكد الدغيم أن هذه القضايا ستُحسم من خلال اللجنة التحضيرية، التي ستجمع أوراق العمل خلال الجلسات الحوارية التي ستُعقد في مختلف المحافظات السورية، بالتشاور مع الشخصيات البارزة وأصحاب الرأي، وأوضح أن المؤتمر قد يأخذ شكل عملية وطنية شاملة وليس مجرد حدث عابر، وهو ما يترك الباب مفتوحاً أمام نقاشات موسعة دون قيود مسبقة.
اقرأ أيضاً: مظلوم عبدي يهنئ الرئيس الشرع.. واتفاق على دمج قسد بالجيش السوري
وفي سياق الحديث عن دور اللجنة التحضيرية، أكد الدغيم أنها لا تفرض توجهات محددة أو مواقف مسبقة، بل تعمل على تنظيم وإدارة النقاشات، بهدف تسهيل التوصل إلى نقاط التقاء بين مختلف الأطراف السورية، مع التركيز على القضايا الملحة مثل العقوبات الدولية المفروضة على البلاد، والتي جاءت نتيجة استخدام النظام السابق للأسلحة الكيميائية، وأشار إلى أن هذا النظام قد زال، ولم يعد هناك مبرر لاستمرار هذه العقوبات التي تثقل كاهل السوريين.
وأضاف أن المؤتمر سيبحث في مختلف القضايا الحيوية، مثل الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وموقع سوريا في الإقليم والعالم، وهي قضايا ينبغي على السوريين أنفسهم مناقشتها لتحديد مستقبل بلادهم وفق رؤيتهم الخاصة.
وعند التطرق إلى موضوع المعارضة، أكد الدغيم أن وجود أحزاب معارضة للحكومة هو أمر طبيعي في أي نظام ديمقراطي، مشيراً إلى أن الدستور الجديد سيتضمن قوانين واضحة لتنظيم الحياة الحزبية والانتخابات، مما يفسح المجال لظهور أحزاب مختلفة تسعى للوصول إلى السلطة عبر الطرق الديمقراطية، كما شدد على أن سوريا لن تكون دولة الحزب الواحد، بل ستتجه نحو نظام سياسي تعددي يضمن تمثيلاً حقيقياً لكافة المكونات.
واختتم الدغيم حديثه بالتأكيد على أهمية التوصيات التي ستخرج عن المؤتمر، مشيراً إلى أنها لن تكون شكلية، بل ستكون الأساس الذي سيتم بناء الدستور السوري عليه، وتشكيل الحكومة المستقبلية، ووضع السياسات الاقتصادية والإعلامية، مما يجعلها نقطة مفصلية في رسم ملامح سوريا الجديدة.
اقرأ أيضاً: تعميم يسمح للسوريين بالعودة عن طريق لبنان