لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط مسرحاً لتحولاتٍ سياسية متسارعة، حيث تتداخل المصالح الإقليمية والدولية في رسم مستقبل الدول التي شهدت اضطرابات متكررة، ويبرز العراق مؤخراً بوصفه أحد الأطراف التي تحاول إحداث توازن دبلوماسي في ظل التحولات التي تشهدها سوريا.
وفي هذا الإطار، يواصل العراق مشاوراته مع القوى الإقليمية والدولية بهدف توحيد الجهود لدعم استقرار سوريا عبر إطلاق حوار سياسي شامل يضم مختلف الأطياف، إذ شدد وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، خلال لقائه بوزير الدولة في وزارة الخارجية الألمانية، توبياس ليندنر، في ميونخ، على أن بغداد تتابع عن كثب تطورات الوضع السوري، وتتحرك لتفادي التداعيات الناجمة عن التغيرات في سوريا، خصوصاً فيما يتعلق بحماية حدودها.
وأكّد الوزير العراقي أن بلاده لا تتخذ موقفاً داعماً لطرف ضد آخر في سوريا، والقرار بشأن شكل الحكم في سوريا يعود حصراً للشعب السوري دون أي تدخل خارجي، كما لفت إلى أن العراق يتحمل مسؤولية استقبال وإعادة تأهيل مواطنيه المنتمين إلى تنظيم “داعش” الإرهابي وعائلاتهم، سعياً لدمجهم مجدداً في المجتمع، وذلك ضمن إطار الجهود الوطنية لمكافحة التطرف وإعادة الاستقرار.
وعلى صعيد العلاقات الثنائية، أكد المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، أن بغداد تتطلع إلى تعزيز التعاون الجاد مع دمشق، مشيراً إلى أن الموقف العراقي يقوم على مبدأ عدم التدخل في شؤون سوريا الداخلية، مع احترام الإرادة الشعبية في تحديد مستقبل البلاد.
اقرأ أيضاً: هل تنجح الوساطة العراقية في إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق؟
وضمن هذا السياق، أعلن وزير الخارجية العراقي عن نية بلاده توجيه دعوة رسمية للرئيس أحمد الشرع لحضور القمة العربية المرتقبة في بغداد، فيما يستعد وزير الخارجية أسعد الشيباني، لزيارة بغداد من أجل تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وفي ظل هذه المستجدات، أكد المتحدث باسم الحكومة العراقية أن بغداد ترى في التعاون مع سوريا فرصة كبيرة لتعزيز المصالح المشتركة على مختلف الأصعدة، سواء في المجال الاقتصادي أو الاستثماري أو الأمني، ومع التطورات التي شهدتها الساحة السورية خلال الأسابيع الأخيرة، قررت بغداد التريث في اتخاذ بعض الخطوات انتظاراً لانكشاف مواقف بقية الدول العربية حيال المشهد السوري المستجد.
من جانب آخر، تستمر وزارة الهجرة والمهجرين العراقية في تنفيذ خطتها لإعادة العائلات العراقية العالقة في مخيم الهول، ووفقاً للمتحدث باسم الوزارة، علي عباس، فقد تمكنت الحكومة العراقية حتى الآن من إعادة أكثر من 3200 عائلة، أي ما يعادل نحو 12,500 شخص، وذلك بعد إخضاعهم لإجراءات تدقيق أمني مشددة، ويأتي هذا التحرك في ظل القلق الأمني الذي يشكله المخيم، لا سيما في ظل حالة عدم الاستقرار المستمرة في سوريا.
اقرأ أيضاً: إياد الجعفري: لماذا يضيّق العراق على البضائع السورية؟
وأشار عباس إلى أن الحكومة تعمل على إعادة تأهيل العائدين من خلال برامج نفسية ومجتمعية، حيث خضع أكثر من 9000 شخص بالفعل لهذه البرامج، فيما لا يزال هناك ما يقارب 833 عائلة عراقية داخل المخيم، ويجري العمل على إعادتهم تدريجياً وفق آلية محددة تضمن سلامتهم وأمنهم. كما أكد أن جميع الأطفال العائدين يحملون الجنسية العراقية، حيث يتم التحقق من هوياتهم بدقة باستخدام فحوصات الحمض النووي (DNA) لضمان عودتهم وفق الإجراءات القانونية المتبعة.
وتعكس هذه التحركات العراقية رغبة بغداد في اتباع نهج مسؤول تجاه مواطنيها العالقين في مناطق النزاع، إلى جانب حرصها على تعزيز الاستقرار عبر مقاربة دبلوماسية متوازنة تأخذ بعين الاعتبار المصالح الوطنية وتراعي التعقيدات السياسية الإقليمية.