تتربع سوريا في قلب العالم بفضل موقعها الجغرافي الفريد، فهي الجسر الواصل بين قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، وهي من أكثر مناطق العالم ثراءً بالقلاع والحصون التاريخية.
وشكلت هذه القلاع نقاطاً دفاعية استراتيجية خلال فترة الحروب الصليبية والعصور الإسلامية الممتدة، وكانت الشاهد على صراعات كثيرة وحضارات متعاقبة، وتروي جدرانها حكايات الملوك والمحاربين، مجسدة روعة الهندسة العسكرية والتراث الحضاري للمنطقة والبلاد.
وفي السياق تعتبر قلعة الحصن واحدة من هذه القلاع، التي تمتزج في عمارتها ملامح الشرق والغرب، الأمر الذي أكسبها شهرة واسعة بوصفها إحدى قلاع القرون الوسطى، وأهم قلعة صليبية أثرية في العالم.
أيضاً تتمتع قلعة الحصن من بين القلاع في سوريا بالهندسة والموقع الفريد وتستقر في منتصف المسافة بين ساحل المتوسط ومدينة حمص، ولكن هذا الموقع جلب للمدينة الخراب، فبقيت قلعة الحصن في قلب الحروب على اختلاف الحقب التاريخية، وبقيت محافظة على كيانها وأدرجت على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو في العام 2006.
ويجد الزائر على جدران قلعة الحصن حكمة لاتينية منقوشة، يقول نصها إذا منحت النعمة والحكمة والجمال لا تسمح للغرور أن يقترن بها لأنه يذهب بها جميعاً، ويتألف بناء قلعة الحصن من كتلتي بناء، الأولى حصن داخلي أما الثانية فهي حصن خارجي، ولكل منها نمط تسليح خاص، بالإضافة إلى خندق مائي داخل السور، ومهمته الفصل ما بين الحصنين، وطوله حوالي 70 متراً.
ومن الجدير بالذكر أنّ قلعة الحصن تحمل مجموعة من الأسماء، من بينها قلعة الأكراد، وقلعة المعقل وقلعة الصفح وقلعة الكرك، ويضم السور الخارجي للقلعة مجموعة من الأبراج الدفاعية ويبلغ عددها خمسة أبراج في حين يضم السور الخارجي ثلاثة عشر برجاً دفاعياً وحامية للسور الداخلي.
ويمكن الدخول إلى الحصن الداخلي عبر أبواب ثلاثة، وهو مؤلف من طابقين، أرضي فيه فسحة سماوية محاطة بالأقبية والعنابر وقاعات الاجتماعات، بالإضافة إلى الكنيسة والمطعم والمعاصر، وعدد من الحجرات، أما الطابق الثاني فهو عبارة عن مجموعة من الأسطح المكشوفة والمهاجع المحاطة بخندق محفور في الصخر، أما الحصن الخارجي ففيه القاعات والاصطبلات وغرف الجلوس وعدد من المستودعات.
وتشير هذه التفاصيل إلى دقة العمارة العسكرية، والتطور الكبير في فن التحصين وبراعة الهندسة، ما جعل القلعة علامة فارقة بين نظيراتها في البقعة الجغرافية أو الحقبة التاريخية.
أيضاً من القلاع في سوريا والتي تعتبر تاريخية وشهيرة قلعة حلب، والتي تعتبر واحدة من أضخم القلاع حول العالم، وتشير المعلومات التاريخية إلى أن بناء القلعة يرجع إلى عهود سحيقة، وأن تشييدها تم فوق تلة والوصول إليها يتم عبر صعود درج ضخم يفضي إلى بوابة مهيبة.
وعند العبور من البوابة يدخل الزائر إلى مدينة متكاملة، يقترن فيها المعيشي بالحربي بالاقتصادي في تناغم آسر، إذ يضم هيكل القلعة الكنائس والمساجد، والقاعات والمخازن، بالإضافة إلى الأبواب والدهاليز ومخازن الأسلحة، والحمامات، والمسرح الروماني وقاعة العرش المهيبة ذات السقف العالي والزخارف والنوافذ ذات المقاسات المتنوعة.
أمّا القلعة الشهيرة الثالثة فهي قلعة مصياف أو ما تسمى بقلعة الحشاشين، وهي قريبة من محافظة حماة السورية، ويعود تاريخ بنائها للعهد الروماني، وهي في الزمن الحالي ومنذ العام 2000 تقع تحت رعاية مباشرة من مؤسسة الآغا خان للثقافة، والتي نشطت في ترميم القلعة وتدريب الكوادر للعناية بها واستثمار المساحات كمحطات للزوار والسائحين وصالة للمعارض.
وكانت القلعة في بداياتها أحد المواقع العسكرية الرومانية إلى جانب قلاع عكار والقدموس، والتي كانت بمثابة نقاط دفاعية، لاحقاً في العصور الإسلامية لم يكن للقلعة تلك الأهمية، لكن مع بدأ الحكم العباسي وعودة الانقسامات وتشكل الدويلات المستقلة، سعى الأمراء لتوطيد حكمهم عبر القلاع والحصون، وهنا برزت إلى الواجهة من جديد قلعة مصياف لاسيما خلال الحكم الفاطمي وبعدها عند تشكل الإمارة الإسماعيلية.
اقرأ أيضاً: بانياس: طبيعة ساحرة وثروات اقتصادية تنتظر الاستثمار
وفي السياق ارتبط اسم قلعة مصياف أو الحشاشين بالقرن الثاني عشر، بسبب الحملات السرية التي شنوها على الصليبيين والقادة المعادين لهم، وعلى الرغم من هندسة البناء البسيطة للقلعة المتربعة على تل بركاني، إلا أن غموض تاريخها جعل منها مصدر إلهام لعدد من الأساطير.
وفي الختام لابد من الإشارة إلى أن سوريا بلد يزخر بالتاريخ، ويضم عدداً واسعاً من القلاع والحصون والمدن الأثرية، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك قلعة المرقب في مدينة بانياس الساحلية، والتي بناها المسلمون في القرن الحادي عشر للميلاد، وتمتاز بحجارتها البركانية السوداء وأبراجها الدائرية الضخمة والتي كانت في السابق تستخدم لمراقبة السفن القادمة إلى ساحل المتوسط، ومن أمثلتها بنيت العديد من القلاع في سوريا على المرافق النهرية والبحرية، الأمر الذي يؤكد على عراقة البلاد وكونها مهداً للحضارات وذات مدن مأهولة على مر العصور.
اقرأ أيضاً: أهم المعالم السياحية في الساحل السوري