ربما يكون البعض قد سمع في أحد الأيام عن أكلة تحمل اسماً غريباً وهو حراق أصبعو، وتساءل: ما الحكاية التي تكمن وراء هذا الاسم الطريف، والذي ربما يختزل روح الدعابة وعبق التراث الدمشقي؟.
تُعد أكلة حراق أصبعو من أشهر الأطباق الشامية، لاسيما في البيوت القديمة منها، وتناقلت الأجيال سر تحضير الطبق، الذي خضع لبعض اللمسات المعدلة التي تتناسب مع روح العصر الذي يتم إعدادها فيه.
وفي السياق تتحول طقوس طهي أكلة الحراق أصبعو إلى مناسبة اجتماعية في أغلب الحالات، إذ تجتمع النساء في المطبخ، حول القدر الذي لا يحترق بسبب كثرة الأيدي، ويبقى السؤال ما قصة هذه الأكلة؟ ولماذا ارتبط اسمها بالإصبع المحروق؟
اقرأ أيضاً: الباطرش الحموي وسر الوصفة
حراق أصبعو والزوج الجائع
تعددت الروايات حول أصل تسمية أكلة الحراق أصبعو لكن أشهرها تحمل نكهة كوميدية، وتتحدث عن زوج شديد الشراهة كان يتسلل دوماً الى المطبخ قبل تنتهي زوجته من تحضير الطعام وتقديمه، ليأكل منه ويسرق بضع لقيمات، إلى أن جاء اليوم الموعود عندما كانت الزوجة تحضر طبقاً مبتكراً، أو كما يقال بالتعبير الدارج طبق من اختراعها ولم ينضج بعد، فمد الزوج إصبعه على القدر محاولاً تذوق مافيه، فاحترق إصبعه على الفور وصرخ الزوج من لهيب الطبق.
وفي هذه الأثناء دخل الابن إلى المطبخ ليسأل والديه عما يحدث، فأجابت الأم على الفور: حرق أصبعو ليظن الولد أن والدته تحضر طبقاً جديداً وهذا هو اسمه.
ومع مرور الأيام انتشر الطبق في البيوت الشامية واكتسب شهرة واسعة بسبب طعمته المميزة وقيمه الغذائية المرتفعة، وأصبح الطبق الجامع والذي يدل على خصوصية العائلة الشامية.
اقرأ أيضاً: المعاجيق في سلمية أو المعجوقة السلمونية
المكونات وطريقة التحضير
تتميز أكلة حراق أصبعو ببساطة مكوناتها، والتوازن بين الطعوم المتناقضة، ففيها يجتمع الحامض مع الحلو والمالح، لكن العدس البني هو المكون الأساسي الذي يمنح الطبق قوامه الممزوج والكريمي، أما البصل فيتم تقطيعه إلى شرائح وتقليته بزيت الزيتون حتى يكتسب اللون الذهبي، ويكون طعمه حلواً ومقرمشاً، كذلك يتم تحمير الثوم مع الكزبرة، التي تمنح الطبق رائحة نفاذة تخترق القلوب، وربما تكون هي السبب في أن حرق الرجل إصبعه.
وفي ذات السياق يأتي الطعم الحامض في الطبق من إضافة عصير الليمون ودبس الرمان أوالتمر الهندي، ليمنحه لمسة منعشة، ويضاف داخل الطبق قطع من العجين المسلوق، والتي تستبدل اليوم بقطع الباستا ذات الشكل المربع، وعند التقديم يتم إضافة قطع مربعة من الخبز المحمص على وجه الطبق.
فبينما يبحث البعض عن السر الحقيقي خلف طبق حراق أصبعو تجتمع النساء لطبخه معاً، وبين الأحاديث والضحكات يستبدلون العجين التقليدي بالمعكرونة المسلوقة لتوفير الوقت، والخبز المقلي بدلاً من عجين المكورات المقلية، في مزيج يؤلف ما بين الأصالة والحداثة.
اقرأ أيضاً: المطبخ الحلبي ميزة المدينة وسرّها