سألت إحدى الطالبات عالمة الأنثروبولوجيا مارغريت ميد Margaret Mead عما تعتبره أول علامة على الحضارة في ثقافة ما، لتجيب أن أول علامة هي إثبات وجود شخص شفي من كسر في عظم الفخذ، لأنه دليل على أن أحداً ما قام بالاعتناء به حتى شفي؛ في عصرٍ كان فيه من يصاب بكسر يعجز عن التحرك لتأمين طعامه، وبالتالي مصيره الموت، فكانت مساعدة شخص ما في مواجهة الصعوبات هي نقطة انطلاق الحضارة.
ومنذ ما يقارب 15 عاماً تعيش سوريا العديد من التحديات الإنسانية التي فرضتها الحرب، وتطلبت مزيداً ومزيداً من إظهار انتمائنا الحضاري والتكاتف لنجبر كسور بعضنا، حتى أثمر هذا التكاتف عن مبادرات مدنية وأهلية ساهمت في تخفيف مصاعب الحياة، وهذه المبادرات تستوجب منا الإضاءة عليها جميعاً، لتشجيعها على الاستمرار وتوسيع نشاطاتها خصوصاً خلال المرحلة القادمة، ومن هذه المبادرات جمعية فلوكا للعمل الخيري والإنساني.
انطلقت الجمعية تحت شعار “إغاثة، تنمية، عطاء” عام 2012، بجهود مجموعة من رجال الأعمال في المغترب وسوريين أعلنوا عن تطلعهم لمساندة أهلهم في محنتهم، وركزت الجمعية على مساعدة الأيتام والمحتاجين والمهجرين، حتى وصل عدد المستفيدين منها، وفقاُ لأرقامهم، إلى 3 ملايين و227 ألف مستفيد. وتتضمن الجمعية مكتباً إغاثياً ومكتب علمياً ومكتب الأيتام والمطابخ الخيرية ومكتب دعم المرأة، التي تتوزع في عدد من الولايات التركية التي يوجد فيها سوريون، ومناطق الداخل السوري.
ومنذ انطلاقها، أطلقت جمعية فلوكا للعمل الخيري والإنساني مجموعة من البرامج لدعم أهلنا النازحين واللاجئين، في مجال الإغاثة والتنمية والتعليم وسبل العيش، منها برنامج الإغاثة الإنسانية والطبية التي توزع من خلاله المواد الغذائية والمساعدات الطبية على العوائل النازحة والمهجّرة والأيتام والجرحى، وبرنامج سبل العيش الذي يعمل على فتح مشاريع صغيرة تستطيع من خلالها العوائل تأمين مصدر رزق يلبي احتياجاتها.
اقرأ أيضاً: مبادرات تطوعية في طرطوس واللاذقية لتحسين الواقعين الخدمي والبيئي
كما أطلقت برنامج جبر الخواطر الذي يتم فيه زيارة العوائل في مخيمات النزوح للوقوف على احتياجاتها وتأمينها، وبرنامج المطابخ الخيرية لتأمين وجبات يومية على مدار خمسة أيام أسبوعياً للاجئين السوريين في المناطق التركية على حدود سوريا، إضافة لبرنامج حفر الآبار وتجهيز عشرات الآبار من تركيب ألواح طاقة وأجهزة ضخ مباشر وغطاسات، وبرنامج بيت اللباس لتوزيع عشرات الآلاف من قطع اللباس، حيث بلغ عدد المستفيدين من البرنامج حتى الآن ١٧٨٣١٣ مستفيداً.
وعمل برنامج كفالة الأيتام على توفير المنح اللازمة لاستكمال الطلاب اليتامى تعليمهم والحصول على دورات تعليمية ولغة وحاسوب، وبرنامج دعم ذوي الاحتياجات الخاصة لتقديم خدمات تأهيلية ومعالجة فيزيائية لمن يعانون من إصابات عصبية ومشكلات النطق والسمع والبصر ومتلازمة داون والتخلف العقلي والشلل الدماغي فضلاً عن اضطرابات التوحد وفرط النشاط ونقص الانتباه.
أما برنامج دعم المرأة فيركّز على تقديم دورات تدريبية لتنمية قدرات النساء، وتقديم مساعدات نقدية وعينية لهن، وتمويل مشاريعهن الصغيرة، وتوفير جلسات حوارية ودورات تأسيس المشاريع الصغيرة.
اقرأ أيضاً: مبادرات مجتمعية في حماة لتخفيف الأعباء المعيشية على المواطنين
واليوم بعد أن مارست الجمعية نشاطاتها على مدى 13 عاماً من بلاد المهجر، عادت الجمعية إلى سوريا لتمارس نشاطاتها من قلب الداخل السوري، لتبدأ بتوسيع أعمالها لتغطي مناطق جديدة في الجغرافيا السورية، حيث افتتحت فرع جمعية فلوكا الحرية التي تقدم خدماتها للسوريين بشكل عام، ولأهلنا في الساحل السوري بشكل خاص.
مرحلة جديدة تعيشها سوريا، تحتاج فيها تكاتف جهود المجتمع المدني مع المؤسسات الحكومية والمنظمات الإغاثية الدولية، لإطلاق برامج تستهدف الفئات الضعيفة والهشّة في المجتمع، في مجالات الغذاء والدواء والتعليم والدعم النفسي والاجتماعي، خصوصاً وأن الإحصائيات تشير إلى أنه بلغ عدد النازحين داخلياً في سوريا حتى عام 2024 حوالي 7 ملايين و100 ألف شخص، في حين تقدر أعداد اللاجئين خارج البلاد حتى عام 2024 حوالي 6 ملايين و900 ألف سوري في تركيا ولبنان والأردن والعراق.
وفي إطار ما تقول عنه الحكومة الجديدة إنه محاولة لدعم المنظمات الإنسانية، بحث القائم بأعمال الصحة، ماهر الشرع، نهاية العام الماضي مع ممثلي منظمة أطباء بلا حدود، سبل التعاون المشترك في مجال الاستجابة السريعة للاحتياجات الصحية والإسعاف والصحة النفسية وصحة الأطفال،
وأكدت المنظمة خلال الاجتماع ضرورة تطوير منظومات الإسعاف في جميع المحافظات، وتوفير المعدات الطبية، وإنشاء غرفة عمليات مركزية في كل محافظة، وغرفة إسعاف مركزية أساسية واحدة تجمع هذه الغرف.